«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الابتهالات والتواشيح
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 07 - 2014

الابتهالات والتواشيح فن مصرى خالص متأصل فى وجدان المصريين منذ آلاف السنين ، وهى ترتبط ارتباطا وثيقا بحب الله والتقرب إليه وبالصفاء الروحى والسمو بالذات ، و تطور هذا الفن وتعددت أشكاله على مر الزمن وأصبحت الابتهالات والإنشاد الدينى أفضل أنواع الأداء الموسيقى سواء فى أسلوب الأداء أو فى المقامات ، وقد اختلف المؤرخون فى نشأة فن الابتهالات ؛ فمنهم من أرجع أصلها إلى العصر الفرعونى ومنهم من أرجعه إلى عهد الدولة الفاطمية .
والمستمع المدقق لترتيل الكنيسة القبطية سوف يجد خيطا يربط بين مانسمعه من ابتهالات وتراتيل , وفى عصرنا الحالى بدأت الابتهالات الدينية فى الانتشار أواخر القرن ال19 وأوائل القرن ال20 مع ما يسمى ب”عصر المشايخ الأعلام” ومن أشهرهم الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب ، إلى جانب انتشار التواشيح الدينية التى تأخذ شكل التنوع فى المقامات مع الشعر الدينى سواء أكان دعاءاً أو مديحاً ، ومن أشهر المنشدين والمبتهلين فى أواخر القرن ال 19 وأوائل القرن ال 20 ..الشيخ على محمود.. الشيخ إبراهيم الفرن.. الشيخ إسماعيل سكر.. الشيخ طه الفشنى .. الشيخ محمد الفيومى .. الشيخ محمد النادى.. الشيخ محرز سليمان , ويدخل فن الابتهالات والتواشيح ضمن أنواع المدائح المختلفة ما بين الشعر الصوفى أو الدينى أو الدعاء ، وتكون التواشيح الدينية بين الشيخ وبطانته ، أما الابتهالات فتكون بالارتجال والألحان الفورية ، والغناء الدينى يكون إما بالعربية الفصحى وإما بالعامية ، وأيضا المديح الشعبى الدينى الذى ينتشر فى صعيد مصر والأقاليم .
عن مفردات الابتهالات فهى تتكون من النص والصوت الحسن والنغم والارتجال، ومعظمها ينتمى إلى أشعار مأثورة ، وهى تواشيح وأشعار تتضمن العبر من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، إضافة إلى أن بعض الابتهالات هى من أشعار شاعر الرسول حسان بن ثابت أو من أشعار الصحابى عبد الله بن رواحه .
وتعنى كلمة “ابتهال” فى - اللغة العربية- الخشوع والتضرع إلى الله لطلب العون ، والتقرب إليه بالدعاء والرجاء، أما مصطلح التواشيح والموشحات من وجهة النظر اللغوية يأتى من جمع كلمة توشيح وكذلك كلمة وشاح وأما الموشحات تأتى من كلمة موشَّح ( وهما مأخوذتان من وشاح الفتاة العربية التى كانت تلبسه للزينة وللجمال ) وهذا المصطلح الجمالى أطلق على هذا النوع من الشعر العربى لأنه جاء زينة لما سبقه من فنون الشعر العربى السابقة ( ليس لهذا المصطلح الشعرى أو الجمالى جذور فى أيّة لغة أجنبية أخرى غير اللغة العربية )
فهو نوع من الشعر استحدثه الأندلسيون ، وله أشكال مختلفة لا يتقيّد فيها النَّاظم بقافية واحدة ، وغالبا ما ينتهى إلى 7 أبيات ، وقد سُمّى كذلك لأنه يشبه الوشاح بأشكاله وتطريزه .
وهناك فرق أيضا بين الإنشاد والابتهال ، فالابتهال يكون دون آلات موسيقية ويعتمد على التنوع فى مخاطبة الناس من خلال مقطوعات قصيرة كذكر أوصاف النبى صلى الله عليه وسلم ثم الانتقال منها إلى الهجرة وهكذا، بينما يصاحب الإنشاد الآلات الموسيقية ، ويكون بقصيدة شعرية كاملة، حيث إن الشعر الصوفى لا يترك فراغا بين المنشد .
الشيخ على محمود «مؤسس فن الإنشاد الدينى»
الشيخ على محمود , سيد القراء وإمام المنشدين ، وصاحب مدرسة عريقة فى التلاوة والإنشاد تتلمذ فيها كل من جاءوا بعده من القراء والمنشدين .
ولد الشيخ على محمود سنة 1878م بحارة درب الحجازى كفر الزغارى التابع لقسم الجمالية بحى الحسين بالقاهرة لأسرة على قدر من اليسر والثراء ، وبعد مدة أصيب بحادث أودى ببصره كاملاً . التحق بالكتاب ويحفظ القران الكريم ودرس علومه صغيراً، حيث حفظ القران على يد الشيخ أبو هاشم الشبراوى بكتاب مسجد فاطمة أم الغلام بالجمالية ، ثم جوده وأخذ قراءاته على الشيخ مبروك حسنين ، ثم درس الفقه على الشيخ عبد القادر المزنى . ذاع صيته بعد ذلك قارئاً كبيراً وقرأ فى مسجد الحسين فكان قارئه الأشهر ، وعلا شأنه وصار حديث العامة والخاصة .
درس بعد ذلك الموسيقى على يد الشيخ إبراهيم المغربى ، وعرف ضروب التلحين والعزف وحفظ الموشحات ، كما درسها أيضاً على شيخ أرباب المغانى محمد عبد الرحيم المسلوب وحيد عصره وفريد دهره فى الموسيقى . كما أخذ تطورات الموسيقى على الشيخ عثمان الموصلى وهو تركى استفاد منه فى الإطلاع على الموسيقى التركية وخصائصها.
بعد كل هذه صار الشيخ على محمود أحد أشهر أعلام مصر قارئاً ومنشداً ومطرباً . وصار قارئ مسجد الإمام الحسين الأساسى ، وبلغ من عبقريته أنه كان يؤذن للجمعة فى الحسين كل أسبوع أذاناً على مقام موسيقى لا يكرره إلا بعد سنة . كما صار منشد مصر الأول الذى لا يعلى عليه فى تطوير وابتكار الأساليب والأنغام والجوابات .
من أشهر النوابغ الذين اكتشفهم الشيخ على محمود القارئ العملاق الشيخ محمد رفعت الذى استمع إليه سنة 1918م يقرأ وتنبأ له بمستقبل باهر وبكى عندما عرف أنه ضرير ، وتعلم الشيخ رفعت فى بداياته كثيراً من الشيخ على محمود ، وصار سيد قراء مصر وصوت الإسلام الصادح فيما بعد .
وقد قال عنه الشيخ عبد العزيز البشرى ، أحد أقطاب الأزهر الشريف بعصره الذهبى « إن صوت الشيخ على محمود من أسباب تعطيل حركة المرور فى الفضاء، لأن الطير السارح فى السماء يتوقف إذا استمع إلى صوته « .
وتعلم على يديه الشيخ العبقرى طه الفشنى الذى كان عضواً فى بطانة الشيخ على محمود وأخذ من خبرته الشئ العظيم ، حتى صار سيد فن الإنشاد بعد الشيخ على محمود , والشيخ كامل يوسف البهتيمى القارئ والمنشد المعروف , والشيخ محمد الفيومى , والشيخ عبد السميع بيومى , وإمام الملحنين الشيخ زكريا أحمد الذى كان عضواً فى بطانة الشيخ على محمود ، وتنبأ له بمستقبل باهر فى عالم الموسيقى صار سيد ملحنى زمانه , والموسيقار محمد عبد الوهاب , وسيدة الغناء العربى أم كلثوم , والمطربة أسمهان .
رحل الشيخ على محمود إلى جوار ربه فى الحادى والعشرين من ديسمبر عام 1946م تاركاً عدداً غير كثير من التسجيلات التى تعد تحفاً فنية رائعة , ومن تسجيلاته الباقية للأناشيد والموشحات والأغانى « أشرق فيومك ساطع بسام - أدخل على قلبى المسرة والفرح - ته دلالا فأنت أهل لذاكا - خليانى ولوعتى وغرامى - السعد أقبل - هتف الطير بتحلال الصبا - أهلاً بغزال - أنعم بوصلك - سل يا أخا البدر - يا نسيم الصبا - فيا جيرة الشعب اليمانى - طلع البدر علينا - شكوت لخاله لما جفانى «
الشيخ طه الفشنى «ملك العذوبة »
بدأ الشيخ طه الفشنى حياته العملية مطربا، وكان بوسعه أن يستمر فى الغناء لولا النزعة والتربية الدينية التى اكتسبها من دراسته فى الأزهر, وكان لسكنه فى حى الحسين أثر كبير فى تردده على حلقات الإنشاد الدينى ، إلى أن نبغ وأصبح المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين ، كما كان يرتل القرآن الكريم فى مسجد السيدة سكينة ، واشتهر بقراءته لسورة الكهف يوم الجمعة وكذا إجادته تلاوة وتجويد قصار السور .
كان والده الشيخ طه مرسى الفشنى تاجر أقمشة من ميسورى الحال اختار لابنه ان يكمل تعليمه بعد أن دخل الكتاب وحفظ القرآن وعمره10 سنوات وقبل ان يصل عمره للعشرين اكمل تعليمه وحصل على مدرسة المعلمين وفى دراسته فى تلك المدرسة كما يحكى ابنه زين اكتشف عذوبة صوت الشيخ طه الفشنى ناظر المدرسة واسند إليه القراءة اليومية للقرآن فى الطابور وحفلات المدرسة , ولكن كان طموح والده أن يكمل ابنه دراسة القضاء الشرعى وبالفعل ذهب الشيخ طه الفشنى إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة القضاء الشرعى الا ان ثورة19 كانت مشتعلة, والأحداث حالت دون استقراره فى القاهرة فعاد مرة أخرى إلى بلده الفشن وان كان اختار طريقه فذهب يحيى السهرات فى المأتم كقاريء للقرآن فى بلدته والقرى المجاورة له.
وبدأ يأخذ سمعه أنه قاريء للقرآن الكريم ولكنه لم يكن مضطرا فى الاستمرار فى القراءة للقرآن خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال وكان شيئا ما يجذبه ناحية القاهرة عندما لم يتمكن فى المرة الأولى عندما حضر اليها من ان يلتحق بمدرسة القضاء الشرعى عاد ولكن كان منظر حى الحسين فى خاطره.
ولذلك كان شيء يناديه فى القاهرة وسافر اليها مرة أخرى ليلتحق بالأزهر هذه المرة وغرضه ان يتعلم فنون القراءات خاصة انه وجد نفسه وصوته يتجه به لذلك وحصل بالفعل على اجادة علم القراءات على يد الشيخ عبد الحميد السحار واتقن علوم التجويد , وكأن وجوده فى القاهرة حوله لشيء آخر فاثناء دراسته فى الأزهر اخذه حى الحسين بعد أن اتخذه مسكنا له وكان قريبا منه فى السكن الشيخ على محمود ملك التواشيح الدينية وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة فعرض على الشيخ طه الفشنى ان ينضم لبطانته .
وفى هذه الفترة كانت فرصة جيدة ان يتعلم الشيخ طه الفشنى الطرب خاصة ان الشيخ على محمود يعد مدرسة الطرب المصرى , ولكن طريق الشيخ الفشنى كان مختلفا ففى أحد الليالى بحى الحسين عام1937 كان فى حفلة ضخمة وكان يحضرها سعيد باشا لطفى رئيس الإذاعة المصرية وكانت علاقة خاصة تجمع بين الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى لانه يعتبره تلميذه وامتدادا له وأعطى الشيخ على محمود الفرصة للشيخ طه الفشنى ان يقرأ أمام رئيس الإذاعة وأعطى الشيخ على محمود مقعده للشيخ طه وبدأ يقرأ القرآن , وكان يوم تجل للشيخ طه وغرد فيه بشكل غير طبيعى لدرجة ابهرت سعيد باشا لطفى رئيس الإذاعة وبعد أن انهى الشيخ طه القراءة استدعاه رئيس الإذاعة وقال له ياشيخ طه بكره لازم تكون عندنا فى الإذاعة المصرية, وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس فى كل بر مصر وفى اليوم التالى ذهب الشيخ طه الفشنى للإذاعة واجرى اختبارا , والتحق بالإذاعة المصرية سنة37 وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قاريء من الدرجة الأولى الممتازة وكان مخصصا له قراءة ساعة إلا ربع فى المساء فى الإذاعة المصرية.
وكان دخول الشيخ طه الفشنى الإذاعة فرصة مهمة لانه بدأ اسمه ينتشر وتذاع قرءاته فى كل مكان فى بر مصر نتيجة عمله بالإذاعة خاصة أن بعدها بفترة حانت له فرصة ان يلازم الشيخ مصطفى إسماعيل فى السهرة الرمضانية فى السرايا الملكية عند الملك فاروق ويحكى الشيخ طه الفشنى نقلا عن ابنه زين عن تلك الفترة التى لازمت الشيخ مصطفى إسماعيل كانت تجمع بيننا علاقة خاصة تأثرت به كثيرا لان الشيخ مصطفى إسماعيل مدرسة خاصة وكان الشيخ مصطفى إسماعيل يحرص على ان يصطحبنى معه فى كل مكان لنقرأ سويا وكان دخول الشيخ طه الفشنى فى القراءة فى القصر الملكى بمثابة اعتراف بأنه احد رموز القراء, لانه لم يحظ بالقراءة امام الملك الا نجوم القراء بداية من الشيخ مصطفى إسماعيل وعبدالفتاح الشعشاعى وأبوالعينين شعيشع ومنصور بدار الدمنهوري.
وعلى الرغم من ان نجم الشيخ طه الفشنى لمع فى عالم تلاوة القرآن ولكنه استمر كمنشد دينى وحانت له الفرصة عندما مرض الشيخ على محمود وكانت هناك مناسبة كل شهر هجرى تنظم الإذاعة حفل إنشاد دينى وطلبت منه الإذاعة ان يحل محل شيخه على محمود ولكنه رفض ان يقبل طلب الإذاعة الا بعد موافقة الشيخ على وذهب إليه فقال له الشيخ اذهب ياطه يا ابنى اقرأ انت خليفتى وأذيعت الحفلة وازدادت شهرة طه الفشنى فى فن الانشاد الدينى مما دعاه ان ينشئ فرقة خاصة به للإنشاد الدينى عام1942 مع استمرار عمله كمقريء .
ومن الأمور الغريبة والعجيبة فى تاريخ الشيخ طه الفشنى كما يورد ابنه طه عن ذكرياته انه كان يأخذ حفلات يحييها بشكل تام وكامل ففى الافراح مثلا كان يبدأ بقراءة القرآن كفاتحة لليلة وبعد أن ينتهى من التلاوة يبدأ فى الانشاد الديني, مما يدل على مساحة صوت هذا العملاق الذى تجعله يتنوع فى ذات الوقت ما بين التلاوة القرآنية والإنشاد الدينى وكان يستمع له الجماهير حتى الصباح وبدأت شهرته تتسع سواء فى التلاوة القرآنية أوالانشاد لانه يملك النغم وكان له صوت خاص ولقبه المختصون بملك العذوبة فى الصوت لانه كانت لديه ووصل لدرجة يطلق عليها علماء الأصوات الأكتفن اى انه صوته يصل لقمة الدرجات الموسيقية لصوت الرجال وهومايعرف باسم جواب الجواب ,
وبالإضافة لذلك كانت لديه ميزة أخرى انه يملك الذروة الصغرى لقرار القرار وهى الدرجة الهامسة من الصوت المنخفض التى تعطى نغما خاصا لا يملكها الا صاحب الصوت العذب فكانت تنويعات الصوت عند الشيخ طه الفشنى مثار استغراب لانه كان ينتقل بين جواب الجواب وقرار القرار فى سحر رباني وقد لحن للفشنى كبار ملحنى التواشيح منهم درويش الحريرى وزكريا أحمد وسيد شطا ومحمد إسماعيل وموسى الحريرى وعندما بدأ التليفزيون إرساله كان الشيخ الفشنى من أوائل المقرئين وظهر لأول مرة يوم 26 أكتوبر سنة 1963 وهو يتلو بعض الآيات من سورة مريم وكان الملك فاروق يحرص على حضوره حفلاته وتم إختياره لإحياء ليالى شهر رمضان بقصرى عابدين و رأس التين لمدة تسع سنوات وكان القارئ المفضل للزعيم جمال عبد الناصر وكذلك الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى كرمه مبعوثا إلى تركيا لإحياء شهر رمضان حيث أنه فوجئ عند زيارته لجمعية القراء الأتراك الذين اعجبوا إعجابا شديدا بتلاوته وبصوته وجعل المدعوين يستمعون إليه فى خشوع ويبكون بين الحين والآخر أثناء تلاوته « للقصائد النبويه -السيره العطره- يا أيها المختار- ميلاد طه -الله زاد محمدا تعظيما - لى فيك يا أرض الحجاز حبيب - يا حبيبى ليس لى من الدنيا سواك « وتكريما له بعد وفاته فى الخامس من فبراير عام 1972أطلق اسمه على أحد شوارع مدينة نصر بجوار مسجد الأرقم - بالقاهرة
ومن اعمال طه الفشنى « إسقنى فى الحان راحى - أنت للإحسان أهل - إهدى قلبى وخاطرى وضميرى - إذا باهى الأنام بأى هاد - آخذ بالروح منى - ألا زعمت ليلى بأنى أحبها - بشراك يا نفس - ترنم يا شجى الطير - كن عن همومك معرضا «
الشيخ إبراهيم الفران
الشيخ إبراهيم الفران كان قارئا للقرآن الكريم , وكان علما من أعلام فن التواشيح والمديح النبوى فى زمنه وحتى الآن , فهذا الرجل المبارك كان موسوعة فى الخلق الحسن وموسوعة فى الكرم والتواضع وموسوعة فى حب الوطن والوطنية , وكان يدعو للعلم والتعلم فى كل المجالات الدينية والعلمية والثقافية والإجتماعية وغير ذلك , وكان أيضا هذا الشيخ الكريم يقضى حوائج المحتاجين من جيبه الخاص وكان بيته مفتوحا لكل كبير وصغير للعلماء والأدباء والذين يريدون تعلم فنون وقواعد التلاوات القرآنية وقواعد تعلم فن الإنشاد الدينى والتواشيح النبوية , وكان يُصلح بين الناس المتخاصمة وكان أيضا يدعوا للوحدة الوطنية بين المصريين مسلمين ومسيحيين وكان يرفع شعار( الحب بين المصريين جميعا )
ولد الشيخ إبراهيم الفران بحى المغربلين بالقاهرة عام 1883 وقد حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ الكبير الجريسى رحمه الله والذى تعلم على يديه القراءات السبع والعشر وتعلم على يده العلم فى العلوم الاخرى ، وقد تعلم الشيخ الفران أيضا فنون علم التواشيح والمديح النبوى وهو صغير وصار أستاذ كبير فى هذا الفن الطيب تعلما ومعلما وإلقاء وكان أيضا يلحن معظم أعماله والشيخ الفران من مدرسة الشيخ إسماعيل سكر , والشيخ أبو العلا محمد صاحب المؤلفات الكبرى فى فنون التواشيح والقصائد النبوية وغيرها وقد تأثر الشيخ الفرن كثيرا بطريقتهما .
والشيخ الفران عاصر شيخ المنشدين وإمام القراء الشيخ على محمود قارئ الإذاعة المعروف وكذلك الشيخ محمد رفعت وكان من أصدقائهم المقربين , وقد أحدث الشيخ إبراهيم الفران انقلاب كبير فى فن التواشيح والمديح النبوى حيث كان المنشدون يتحفظون إنشاد هذا الفن باللون الدينى ولكنه أدخل الفن الثقافى على هذا اللون الراقى فبدا بإنشاد موشحات الغزل الطيب مثل يذوق النوم من جهل الغرام وغيره , ومن تلاميذ الشيخ إبراهيم الفران العديد من مشاهير الإنشاد النبوى منهم الشيخ درويش الحريرى ومحمد الفيومى والنقشبندى والشيخ عبد العزيز حربى وغيرهما .
توفى الشيخ إبراهيم الفران عام 1947 م عن عمر يناهز إل 60 سنة قارئا مشهورا للقرآن الكريم ومنشدا كبير لفن التواشيح والمدائح النبوية , وقد سجلت الإذاعة المصرية الكثير من أعمال الشيخ إبراهيم الفران وهى موجودة فى الإذاعة حتى الآن , منها «عبدك الجاني .. كم ليله منع الغرام مناما .. دعونى اناجى حبيبى ... هيمتنى فى هواها.. بلبل الافراح .. .. واجمل منك لم ترى قط عيني... يا جامعه الحسن ... زهى فى خدك الخفر ... اموت فى حبك .. بدر قد لاح «.
الشيخ درويش الحريرى
الملقب ب أستاذ الأساتيذ من الفنانين العباقرة الذين قطعوا شوطا كبيرا فى حياتهم، فلم ينحن ، ولم يفتر، بل ظل شعلة متقدة لا يخبو نورها ، ولا تبرد نارها . ولد فى القاهرة عام 1881، وكان ذو عقل خصب مطاوع ، وأنف كبير يشير إلى كبريائه وله فم متورم الشفتين ، وكان له صوت أسدى ، لا يخطئ النغم وإن لم يكن حلوا ، ظل حتى آخر رمق صاحب ذاكرة حديدية مغناطيسية مكنته من حفظ القرآن الكريم ولما يبلغ التاسعة .
نشأ درويش الحريرى حبا للموسيقى منذ طفولته ، شغفا بسماعها ، يتمنى جاهدا أن يكون من أبنائها ، فتتلمذ على زميليه الشيخين على محمود وأسماعيل بكر، وكان يكبرانه فى السن , فتعلم منهما ما كانا يلمان به من أصول الموسيقى.. ولكنه لم يكتف ، فهرع إلى كامل الخلعى وداود حسنى ، محمود رحمى ، إبراهيم المغربى ، محمد عبد الرحيم المسلوب ، والسيد محمود كحال الدمشقى ، يرتشف من مناهلهم ، ويحفظ ما عندهم عن ظهر قلب . وكلما رأى عند موسيقى ما ليس عنده تعلمه منه ، حتى استطاع أن يبزهم جميعا ويحملهم حملا على الاعتراف له بالأستاذية والعبقرية .
ومن العجب أن يتتلمذ عليه بعد ذلك أستاذاه الأولان على محمود وإسماعيل سكر ، وكذلك طائفة كبيرة من الموسيقيين المحترفين والهواة ، يتقدمهم حسن والى ، مصطفى رضا بك ، صفر بك على ، حسن أنور ، الشيخ أبو العلا محمد ، محمد عبد الوهاب ، زكريا أحمد ، عبد الحليم نويرة ، وأخيرا أحمد صدقى الذى نهل من أستاذه الشيء الكثير . ولعل أعجب شيء فى المسيرة الموسوعية للشيخ درويش الحريرى أنه لم يكن يعزف على آلة موسيقية ، ولكنه كان يصحح للجميع وضع أصابعهم على مخارج الأصوات . ولما كان راوية للجميع لألحان القدامى ، فقد سجل نخبة النخبة من ألحانهم فى مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932، وكانت كبار شخصيات الموسيقى العربية من الشرق والغرب ، عرب ومستشرقون ، ترجع إلى درويش الحريرى فى لحنة المقامات وغيرها من اللجان .
كان لدرويش الحريرى ابتكاراته فى التلحين ، بل فى وضع أوزان غير مطروقة ، ولعله أول من لحن من المصريين من مقام حجاز كار كورد فى لحنه للموشحة شبه المعجزة «حبى زرنى ما تيسر» كما ابتكر مقام صبا الحجاز لحن منها سماعيات وموشحة مشهورة . يعتد درويش الحريرى بنفسه اعتدادا كبيرا، وبعض الناس يرميه بالكبرياء والتعالى ، ولعله هذا عيبه الوحيد، فلم يكن يطيق النقاش أو المجادلة، على أنه كان محل احترام الجميع نظرا لشخصيته الحازمة الحاسمة.
توفى فى القاهرة عام 1957, ومن اعماله وهى كثيرة « شادن باللحظ - طاف بالأقداح - طال ليلى - فاتن الغيد الملاح - قام يسعى - قل لمعشوق - كثير النفار - ليالى الوصل عندى –عيد - إملا واسقنى - زارنى باهى المحيا - إشفعوا لى عند حبى « .
الشيخ محمد الفيومى
ولد الشيخ محمد الفيومى بحى الجمالية بالقاهرة سنة 1905 كفيفا فعوضه الله عن بصره بصوت عذب وأذنا مرهفة , أهلاه ليتبوأ منازل الإنشاد الأولى وكان والده أزهريا يعمل مصححا للغة العربية بالأزهر الشريف ، درس الشيخ الفيومى بالأزهر وحفظ القرآن الكريم وتعلم أصول تجويده عن الشيخ حسن الجريسى فدفعه تكوين هذا إلى احتراف قراءة القرآن ، وكانت تستهوية ألحان داود حسنى فحفظ جانبا كبيرا منها من أدوار وطقاطيق وموشحات وأصبح يجمع بين تجويد القرآن والانشاد الدينى والغناء وحدث أن استمع إليه داود حسنى فنصحه بالإنشاد الدينى الذى رآه أنسب لصوته ، واستجاب الشيخ الفيومى لهذه النصيحة وأقبل على الإنشاد مستمعا إلى أئمته وقتها وكان الشيخ على محمود وإسماعيل شكر وسيد موسى فحفظ أعمالهم وسرعان ما لمع الشيخ الفيومى قارئا ومنشدا واكتسب تقدير كبار القرآن والمنشدين ، واشتهر الشيخ الفيومى بحسن المعشر وسرعة البديهة، مما جعله محل حب وحفاوة لدى الجميع وكان بيته قبلة للأصدقاء من الفنانين والمبدعين , وهوا أحد أساطين الانشاد الدينى فى مصر والعالم العربى , بلغ فى صوته شأناً عظيماً زاحم به كبار مطربى الطرب فى القرن الماضى , وهوصاحب مدرسة عريقة ومتميزة فى الانشاد الدينى نهل منها كثير من المنشدين الذين تربعوا على عرش الغناء والانشاد الدينى ,
من اعماله « قم يا نديمى - عادت ليالى الفرح - نور النبى - أسعى لخلاقى وأقصد وجهه - بين التقى ومفاتن العصيان - يا سيد السادات - هتف الطير - تجلى مولد الهادى - يا مليح اللما - يحن الى أرض الحجاز - يا من يرجى - أثرت المعنى - يا أرشد داع الى طريق فلاح - وأصحب أمالى الى فضل جوده « .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.