“,”بعد القهوة“,” أحدث رواية أصدرتها مكتبة الدار العربية للكتاب الشقيقة الصغري للدار المصرية اللبنانية، يصفها مؤلفها الدكتور عبد الرشيد الصادق محمودي فى عنوان فرعي بأنها ثلاثية روائية، تدور أحداث الجزء الأول منها “,”قاتلة الذئب“,” في قرية “,”القواسمة“,” بمحافظة الشرقية في مصر، أما الجزء الثاني “,”الخروف الضال“,” فتدور أحداثه في مدينتي الإسماعيلية في منطقة القنال، وأبوكبير في محافظة الشرقية، فيما تدور أحداث الجزء الثالث “,”البرهان“,” في “,”فيينا“,” عاصمة النمسا. والرابط الرئيسي بين هذه الأماكن المتباينة مسيرة طويلة يقطعها بطل الرواية “,”مدحت“,” بدءًا من طفولته بقرية “,”أولاد قاسم“,”، مرورًا بصباه الأول وتعلمه في الإسماعيلية وأبوكبير، حتى ينتهى به الأمر إلى الإقامة فى فيينا مرتين: الأولى بعد التحاقه بالسلك الدبلوماسي – وقد شهدت المدينة عندئذ ولادة روايته الأولى وفشل زواجه، ومرة أخرى بعد عقدين من الزمان. فلماذا عاد إلى فيينا؟ هذا هو السؤال الذى يطرحه “,”مدحت“,” على نفسه طوال الوقت، ولا يكاد يجد له جوابًا حاسمًا. وتحفل الرواية ببيئات مختلفة وشخصيات متعددة، بالإضافة إلى شخصية البطل. وهي ثرية بفضل الروافد الثقافية التي غذتها، وثرية باختلاف أساليب السرد، وتنوع المشاهد التي تتنقل بين ما هو هزلي، وما هو جاد شديد الجد. ومن الملاحظ أيضًا أن التنقل من مكان إلى مكان، ومن فترة زمنية إلى أخرى يتم بسلاسة، وإن كان حافلاً بالمفاجآت والأحداث المثيرة للدهشة. ومع ذلك، فإن الرواية واقعية شديدة الصدق على الواقع. فالقارئ إذ يتنقل مع المؤلف بين تلك البيئات المختلفة يرى البيئة المعنية – سواء أكانت “,”القواسمة“,” أو “,”الإسماعيلية“,” أو “,”أبوكبير“,” أو“,” فيينا“,” – واضحة المعالم، بل شديدة الثقل والوطأة – إذا صح التعبير. ذلك أن بطل الرواية لا يعيش في أي مكان إلا ويحدد لنفسه الآفاق الجغرافية والمعالم المادية لكل بيئة لأن كلاً منها مجال لتجواله وضياعه أو “,”ضلاله“,” - كما يشير عنوان الجزء الثاني: “,”الخروف الضال“,”. فمدحت من البداية إلى النهاية إنسان مغترب أينما كان – يرى نفسه في أحد أحلامه ككائن قادم من الفضاء الخارجي، وجسمه أشبه بسفينة فضائية. ولكنه يجد في كل بلد مجالًا يتحرك فيه على غير هدى، وبلا هدف – سوى أنه يعشق الأمكنة أينما حل. وكأنه يبحث عن الاستقرار في كل مكان يحل به، ولكنه مضطر لسبب أو لآخر إلى الرحيل عنه. أم أنه يريد الرحيل؟ يبقى القول إن مؤلف هذه الرواية موظف سابق في منظمة اليونسكو بباريس، بدأ حياته في المنظمة مترجماً، فرئيس لتحرير الطبعة العربية من مجلة “,”رسالة اليونسكو“,”، فأخصائي برامج بقطاع الثقافة، فمستشارًا ثقافيًا. درس عبدالرشيد الصادق محمودي الفلسفة في جامعتي: القاهرة ولندن، وحصل على درجة الدكتوراه في مجال دراسات الشرق الأوسط من جامعة مانشستر. نشر مجموعة شعرية، وثلاث مجموعات قصصية، ورواية. وتعد رواية “,”بعد القهوة“,” هي روايته الثانية.