»بعد القهوة« أحدث رواية أصدرتها مكتبة الدار العربية للكتاب الشقيقة الصغري للدار المصرية اللبنانية، يصفها مؤلفها الدكتور عبد الرشيد الصادق محمودي في عنوان فرعي بأنها ثلاثية روائية، تدور أحداث الجزء الأول منها »قاتلة الذئب« في قرية »القواسمة« بمحافظة الشرقية في مصر، أما الجزء الثاني االخروف الضالب فتدور أحداثه في مدينتي الإسماعيلية في منطقة القنال، وأبوكبير في محافظة الشرقية، فيما تدور أحداث الجزء الثالث »البرهان« في »فيينا« عاصمة النمسا. في بعض الأحيان يخيل للقارئ أنه بصدد قصة خرافية. فهناك شخصيات وحكايات ذات أبعاد يمكن أن تكون اخرافيةب، مثل زينب جدة البطل التي يروي أنها قتلت الذئب، أو اماريكاب الخوجاية اليونانية التي تهبط ذات يوم علي قرية زأولاد قاسمس لتأخذ مدحت اليتيم إلي الإسماعيلة، فتعلمه اليونانية والفرنسية، وبفضلها يسلك طريقه إلي المدرسة، ومن خلالها يتعرف علي أوروبا لأول مرة (فيما يسمي »حي الإفرنج« في الإسماعيلية الذي أريد له أن يكون قطعة من أوروبا)، ثم يقذف به إلي أوروبا في نهاية المطاف، ومثل قصة الحب العارمة بين »ماريكا« وسالم خريج الأزهر الذي يأتي ليلاً علي صهوة جواده لكي يزورها في مخدعها وسيختطفهاس كما يعتقد البعض في اأبوكبيرا. شخصيات وحكايات لها أبعاد خرافية لأنها تضرب بجذورها في موروثات فولكلورية مصرية وأسطورية يونانية. ومع ذلك، فإن الرواية واقعية شديدة الصدق. فالقارئ إذ يتنقل مع المؤلف بين تلك البيئات المختلفة يري البيئة المعنية ذ سواء أكانت »القواسمة« أو »الإسماعيلية« أو »أبوكبير« أو»فيينا« واضحة المعالم، بل شديدة الثقل والوطأة إذا صح التعبير. ذلك أن بطل الرواية لا يعيش في أي مكان إلا ويحدد لنفسه الآفاق الجغرافية والمعالم المادية لكل بيئة لأن كلاً منها مجال لتجواله وضياعه أو -ضلاله - كما يشير عنوان الجزء الثاني: »الخروف الضال«. فمدحت من البداية إلي النهاية إنسان مغترب أينما كان ذ يري نفسه في أحد أحلامه ككائن قادم من الفضاء الخارجي، وجسمه أشبه بسفينة فضائية. ولكنه يجد في كل بلد مجالًا يتحرك فيه علي غير هدي، وبلا هدف سوي أنه يعشق الأمكنة أينما حل. وكأنه يبحث عن الاستقرار في كل مكان يحل به، ولكنه مضطر لسبب أو لآخر إلي الرحيل عنه. أم أنه يريد الرحيل؟