نشرت جريدة الشروق المصرية في عددها الصادر بتاريخ السادس من فبراير تقريرًا كتبه سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن عن مملكة البحرين، تضمن الكثير من المغالطات أو الادعاءات الكاذبة التي تنم إما عن جهل بحقائق الواقع في مملكة البحرين أو إما عن تعمد لتشويه هذا الواقع واختلاق وقائع مضللة للرأي العام العالمي والعربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة. فقد تضمن التقرير أن ثمة انقسام في صفوف العائلة المالكة في البحرين محاولا استخدام مصطلحات او تعبيرات غير صحيحة، بتقسيمه للأسرة الحاكمة ما بين متشددين ومعتدلين تلك المصطلحات ذات الدلالة في النظر إلى مواقف القوى السياسية أو الأحزاب من بعض القضايا المطروحة على الساحة. وفي محاولة لكشف تلك المغالطات أو التحيزات الواردة في هذا التقرير، يجدر تسجيل عدة ملاحظات، أبرزها ما يلى: أولا- يعد تعبير المعتدل والمتشدد من المصطلحات المطاطة التي يتم تصنيف القوى السياسية استنادا إليها تعكس رؤية ومصالح كل طرح من هذه القضية، فحينما نتحدث عن موقف النخبة الحاكمة في الولاياتالمتحدة من الصراع العربي الإسرائيلي، نجد هناك تباينا في مواقف الأطراف المختلفة، ففي الوقت الذى ترى فيه القوى المساندة للصهيونية العالمية أن موقف الإدارة الأمريكية التي تؤيد إقامة دولة فلسطينية يتسم بالتشدد تجاه الحق الإسرائيلي، في حين أن القوى الرافضة للبلطجة الإسرائيلية يرى مواقف بعض أطراف النخبة الأمريكية المؤيدة لإسرائيل أنها متشددة. ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن قضية تقسيم الأطراف إلى معتدل ومتشدد أمر نسبى يختلف حسب مواقف كل طرف، ولهذا يمكن القول إن المعيار الذى استند إليه "هندرسون" في تحليل الأزمة البحرينية هو معيار انحيازى أو تحيزي يجعل التحليل غير موضوعي وغير محايد بما يعنى غياب المهنية عن التحليل. ثانيا- خلص الكاتب في جزء من تحليله إلى نتيجة عدم رغبة القيادة السياسية البحرينية إعطاء الشيعة تمثيلا تناسبيا في البرلمان، وعزم عائلة خليفة على الاحتفاظ بالسلطة السياسية، وهو قول يتناقض مع أمرين: الأول ما ذكره الكاتب نفسه بشأن تحول الدولة البحرينية من إمارة إلى ملكية دستورية بمقتضى التصويت على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.1% وكذلك على دستور البلاد الذى بني على هذا الميثاق، الثاني، أنه ليس صحيحا أن الشيعة أو الطائفة الشيعية تمثل أغلبية داخل الدولة البحرينية وإنها محرومة من الخدمات وتولى المناصب السياسية، فبالرجوع إلى انتخابات البرلمان 2006 وكذلك 2010 يرى أن ثمة أغلبية برلمانية في مجلس النواب تنتمى إلى الطائفة الشيعية، فضلا عن تولي العديد من المناصب الوزارية ممن ينتمون إلى الطائفة الشيعية، مع الأخذ في الاعتبار أن الدولة الوطنية في مملكة البحرين تضع معيارا محددا لتولي المناصب الرسمية وهو معيار الكفاءة والمهنية والجدارة والاستحقاق، فلا مجال للحديث عن معيار الطائفية أو توزيع المناصب على أساس طائفي وإذا كانت الولاياتالمتحدة كما يرى البعض أنها نموذج الديمقراطية في العالم لا توزع المناصب على أساس طائفى أو دينى أو عرقي، فعليها أن تلتزم بتلك الثقافة حينما تطالب البلدان الأخرى بترسيخ الديمقراطية الصحيحة، فحينما تنتقد مملكة البحرين أن عدم وجود من ينتمي للطائفة الشيعية في الحكومة أو البرلمان فإن الأمر يخضع إلى إرادة الشعب البحريني وليست الدولة وإلا أصبحنا إزاء نظام حكم ديكتاتوري وليس ديمقراطيا، فأولى سمات الحكم الديمقراطي أن يختار الشعب من يحكمه وهذا ما حرصت عليه الدولة البحرينية في اختيارها للمناصب. ثالثا- استخدام الكاتب وصف لرئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بأنه أصبح الآن "الأب الروحى للمتشددين"، هذا الوصف يحمل الكثير من الدلالات الخاطئة التي حاول البعض أن يروجها من أجل تفكيك الدولة أو الجزيرة الصغيرة من خلال الإساءة إلى رموزها وقياداتها، فحينما يرفض الزعيم السياسى والقائد المحنك والوطنى المخلص تدخلات الخارج في شئون بلده يصبح أبا روحيا للمتشددين والمتطرفين؟ وحينما يقدم بلده لقمة سائغة للأجنبى يصبح معتدلا؟ ما قام به الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في بناء الدولة البحرينية وما زال يبذله من جهد وما يدفعه من ثمن باهظ من صحته ووقته من أجل الذود عن حياض الوطن والدفاع عن حدوده والوقوف كحائط الصد أمام جميع المطامع الإقليمية والدولية يستوجب من الشعب البحرينى أن ينتفض ضد هذه الكتابات الممتلئة بالأكاذيب والادعاءات والخرافات، ولذا فإن من المقترح في هذا الخصوص أن تشكل جمعية أهلية أو مؤسسة مجتمعية للدفاع عن رموز الوطن وقياداته تتولى رفع القضايا ضد كل من يسيء إلى رموز وطنه، ولعل ما جرى في مصر مع المشير عبد الفتاح السيسى يصب في هذا المجال، فكما هناك حملات للدفاع عن الرموز والقيادات الوطنية في مصر، فمن المهم أن تنظم في البحرين مثل هذه الحملات والحركات التي تتحمل مسئولية الدفاع عن رموزها الوطنية وقياداتها السياسية التي تحمل قيم المجتمع وثقافته وتدافع عنها. خلاصة القول إن ما يتعرض له الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحريني لا يختلف كثيرا عما يتعرض له رموز وطنية أخرى في بلدانها كما هو الحال مع الملك عبد الله بن عبد العزيز العاهل السعودى وكذلك المشير عبد الفتاح السيسى في مصر وغيرهم، حيث تستهدف هذه الحملات إلى الإساءة للرموز الوطنية والقيم الإخلاقية بما يسهل بعد ذلك تفريغ الأوطان من رموزها ومثلها العليا والإساءة إلى تاريخها وهو نهج هدام يمكن الغير الأجنبى من بسط هيمنته وسلطته على الدولة والمجتمع ولعل ما جرى في كثير من دول المنطقة العربية تحت مزاعم الربيع العربى يكشف هذا المخطط.