ما زالت البحرين تواجه مغالطات من جانب بعض القوى الداخلية المدعومة خارجيًا، وآخرها ما نشرته جريدة الوسط البحرينية في عددها الصادر يوم الخميس الموافق 8 مايو، تحت عنوان "شخصيات وطنية تسلم بيت الاممالمتحدة رسالة إلى بان كى مون رفضا للاضطهاد الديني"، وهو عنوان ملئ بالمغالطات والأخطاء التي تستوجب الرد سريعا حتى نضع الامور فى نصابها دون تهوين أو تهويل، خاصة أن بعض الكلمات أو التعبيرات تحمل مضامين ودلالات تعكس إلى حد كبير مغالطات تقلب الحقائق. وفى سبيل تصحيح المفاهيم وضبط الصياغات التى يجب ان يتحراها الإعلام إن أراد ان يكونا مهنيًا ومحايدًا، يمكن تسجيل ملاحظتين مهمتين: الاولى، استخدام تعبير "شخصيات وطنية" يحمل دلالة تحتاج الى تحرير للمصطلح الذى تم وصفه بالوطنية وما هو معيار وطنية هذا الشخص؟ فهل كل من يحمل رسالة الى منظمة دولية يمكن أن نصفه ب"الوطنية" ومن يتقاعس عن حمل هذه الرسالة يصبح غير وطنى؟ فإطلاق مثل هذه التعبيرات إن تحمل تحيزا مرفوضا، أما الملاحظة الثانية، وهذه هى الأكثر أهمية استخدام تعبير "اضطهاد دينى" فى محاولة من أصحاب الرسالة وصف ما يجرى فى مملكة البحرين منذ أحداث فبراير ومارس 2011، وهو وصف خادع يقلب حقائق كثيرة على الارض، بل يتعارض مع التقارير الدولية والاقليمية وكذلك المحلية التى ترصد حجم الخروقات والتجاوزات والانتهاكات التى تقع فيها بعض القوى التى تصف نفسها بالمعارضة، فى حين أن ما يجرى هو "اضطهاد مجتمعى" للارهاب الذى تمارسه هذه القوى. وهنا تبرز المغالطة الثانية التى استخدمها عنوان الجريدة، فثمة فارق كبير بين الاضطهاد الدينى كسياسة تمارسها أغلبية دينية أو مذهبية حيال أقلية تنتمى إلى دين أو مذهب مختلف، وبين رفض ممارسة الارهاب باسم الدين او المذهب، وما يجرى فى البحرين الامر الاخير وليس اضطهادًا دينيًا كما تحاول هذه الجماعات أن تصور الأمر على ذلك. وما يثير الدهشة أيضا أن المغالطات لم تقتصر على عنوان الخبر فحسب والذى قد نرى مبررًا له فى جذب انتباه الرأى العام بهدف زيادة حجم المبيعات من الجريدة على غرار ما يحدث فى الجرائد الصفراء التى تحاول أن تطرح قضايا مثيرة واستفزازية بهدف زيادة حجم مبيعاتها فى السوق، إلا أن من يستكمل قراءة الخبر، يجد أن ثمة سياسة متعمدة من قبل القائمين على الجريدة فى نشر أخبار مليئة بالمغالطات والاخطاء، فعلى سبيل المثال ترجع هذه القوى سياسة استمرار الأزمة الى غياب الارادة الجادة لدى السلطة الحاكمة، فهى تحاول أن تعمى ابصار العالم أجمع الذى رأى كيف اقدمت السلطة السياسية فى المملكة منذ اندلاع الازمة على اتخاذ خطوات جادة وحقيقية فى سبيل عودة الاستقرار الى المملكة بدءا من لجنة تقصى الحقائق الدولية برئاسة البروفسور شريف بسيونى والالتزام الحكومى بكل توصياتها، مرورًا بالحوار الوطنى وتنفيذ مخرجاته كافة، وصولا الى البدء بالفعل فى الجولة الثانية للحوار لاستكمال خطوات الاصلاح، وهو ما أكدت الحكومة البحرينية برئاسة الامير خليفة بن سلمان على الالتزام بكل مخرجاته كما جرى فى جلسات الجولة الاولى للحوار الوطنى، ولعل التعديلات الدستورية التى أقرها البرلمان كانت نتاج من نتائج هذا الحوار. لم يقتصر الامر على ذلك فحسب، بل تضمن الخطاب تهديدا مباشرا للدولة والمجتمع فى البحرين حينما يشير الخطاب إلى خشية هذه القوى من أن "تتحول البحرين إلى ساحة صراع طائفي إقليمي"، وهو ما يعنى أننا ازاء أمرين إما الرضوخ الكامل والاستسلام التام لكل مطالبهم وتمكينهم من السلطة بغير وجه حق، وإما أن تدخل المملكة فى أتون حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله، بمعنى أكثر شمولا إما ان تسلم السلطة إلى هؤلاء الارهابيين وإلا فالدمار والقتل والتهديد هم آليات تعاملهم مع المجتمع، فى ظل هذين الخيارين لم يتبق أمام الشعب البحرينى إلا ان يلوذ بحكومته الوطنية التى تحملت منذ سبعينات القرن المنصرم عبء المسئولية فى تحقيق الاستقلال والارتقاء بالدولة والنهوض بها الى مصاف البلدان المتقدمة رغم محدودية الموارد وندرتها، إلا ان ما تمتع به رئيس الحكومة الامير خليفة بن سلمان آل خليفة من فطنة عقلية وحنكة سياسية وخبرة عملية تمكن من الخروج بالدولة من عنق الزجاجة الى رحابة الواقع العملى الذى شهد ولادة حقيقية لدولة خليجية تقع على تماس خط الصراع بين العرقية العربية والعرقية الفارسية. نهاية القول إن مملكة البحرين تواجه مخاطر عدة بعضها خارجى واغلبها داخلى، فإذا كان من المستطاع أو الممكن مواجهة تهديدات الخارج من خلال وحدة الصف الداخلى ومساندة الشعب لقياداته، فإنه من الصعب مواجهة تهديدات الداخل إذا ما فقد المواطن ثقته فى قياداته وحكامه، وهذا ما تحاول أن تحققه هذه القوى الارهابية فى توسيع الفجوة بين الحكومة البحرينية والشعب الذى ما زال مؤمنًا ان أمنه وأمانه ومستقبل أبنائه مرتبط بوجود هذه الحكومة الوطنية التى يرأسها الامير خليفة بن سلمان رجل المصاعب والمحن والشدائد والذى ثبت على مدار حكمه أن رجل المرحلة القادر على مجابهة تحدياتها وصعوباتها، ونجح فى الخروج بالبلاد من كثير من الازمات والوصول بها إلى بر الأمان، ولذا، فمن المستبعد أن تلقى مثل هذه الخطابات او الرسائل اى صدى داخلى بل وخارجى، خاصة أن الكل بات يعلم حجم التواطؤ الذى يُمارس ضد أمن المملكة واستقرارها.