أكدت دراسة أعدها مركز البحرين للدراسات والإعلام، أن من سمات المجتمعات المتقدمة والديمقراطية أن تشهد بين الحين والآخر جولات من الحوارات الوطنية بين شركاء الوطن وأبناءه اصحاب الرؤى المتباينة والافكار المختلفة، فكما هو معلوم ان الاختلاف سنة الهية وحكمة كونية وفطرة انسانية. ولذا، فحينما يواجه المجتمع او الدولة ازمة عاصفة يسرع الجميع الى جلسات للحوار والالتفاف حول مائدة المفاوضات في محاولة لإيجاد حلول للازمة حفاظا على الدولة وكيانها والمجتمع وتماسكه. وهو ما ينطبق على ما واجهته بعض البلدان العربية منذ أواخر عام 2010، حينما واجهت كثير من الانتفاضات الشعبية التي كان بعضها طبيعيا بسبب سوء ادارة النظم الحاكمة لأحوال الدولة كما هو الحال في اليمن وسوريا وليبيا ومصر ، وبعضها الآخر بسبب عوامل خارجية سواء أكانت اقليمية او عالمية كما هو الحال فيما جرى في مملكة البحرين حينما واجهت ازمة عاصفة بسبب احداث مؤسفة عاشتها المملكة خلال شهري فبراير ومارس 2011، وكان لدور قيادات المملكة وعلى رأسهم الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الفضل فى مواجهة هذه التهديدات ووضع حدا لتلك الاعتداءات التي حاولت النيل من استقرار الوطن وامنه. وحينها دعيت الاطراف كافة الحكومة والقوى السياسية الى حوار وطني قدمت فيه الحكومة البحرينية مثالا رائعا لحكومة وطنية تعلى من قدر الوطن ومكانته، وذلك بما قدمته من تضحيات من أجل ضمان امن الوطن وأمان المواطن البحريني بل والمقيم على أراضي المملكة، وذلك فى مقابل تعنت بعض القوى السياسية التى تحاول ان تصف نفسها بالمعارضة، دون أن تعى ما هو الفرق بين المعارضة الوطنية والمعارضة الموجهة التي تحمل اجندات خارجية ولديها ولاءات غير وطنية. ونجحت الحكومة البحرينية في تجاوز تلك المرحلة وعبرت الى بر الامان حينما اصرت على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني فى المجالات كافة، حيث شُكلت فى سبيل ذلك لجنة وزارية لمتابعة عملية التنفيذ التي تمت على أكمل وجه. واستكمالا لهذه الخطوات وسعيا الى البناء على ما تم، استجابت الحكومة سريعا لدعوة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى بالبدء فى الجولة الثانية من الحوار الوطني، وقد شاركت الحكومة مع بقية القوى السياسية فى الجلسات الاولى لهذه الجولة، إلا ان بعض الجمعيات السياسية وتحديدا جمعية الوفاق ورفقاءها قد اثاروا الكثير من الجدل والمغالطات بل وحاولوا اثارة الاضطراب والقلاقل فى كل اجتماع يُعقد، فضلا عن دورهم فى تحريك العنف والارهاب والاعتداءات فى الشارع البحريني كأسلوب يهدف الى الضغط على الحكومة لتقديم المزيد من التنازلات التي تتعارض مع ثوابت العمل الوطني وقواعده التي توافق عليها الجميع بمقتضى الموافقة على ميثاق العمل الوطني بنسبة تفوق 98%، وهو ما أدى الى تعثر استكمال جلسات الحوار بسبب مواقف هذه الجمعيات التي تحاول ممارسة سياسة الابتزاز ضد الوطن. ومن ثم، فكانت دعوة ولى العهد لعقد جلسات مع هذه الجمعيات من اجل استمرار جولات الحوار، خطوة قد يراها البعض تصب في مصلحة الوطن من خلال سعيه الى خلق مساحة جديدة من الالتقاء بين الجميع، إلا ان هذه الخطوة يجب ان تُقرأ من الجانب الآخر المتمثل في موقف هذه الجمعيات، فصحيح ان الدولة تلعب دورا كبيرا فى نجاح الحوار الوطني، إلا ان المسئولية لا تنصب على الدولة بمفردها وإنما يتحمل الطرف الاخر نصيبا مفروضا من المسئولية إن تعثرت جلسات الحوار، فمن غير المقبول أن يظل طرف يحاول استرضاء طرف آخر من اجل القبول بالجلوس الى مائدة الحوار ثم يستمر فى ترضيته من اجل قبول اية خطوات يتم التوافق عليها من الاطراف الاخرى المشاركة في الحوار بل يسعى الى فرض وجهة نظر هذا الطرف على الاطراف الاخرى، وهو ما يعنى ان الامر ليس حوارا بل فرض املاءات. وعلى هذا، فمن الواجب على الاطراف كافة ان تدرك مسئولية نجاح الحوار من عدمه لا يتحملها طرف دون آخر، كما انها لا تعنى ان يتم الاستجابة الى مطالب احد الاطراف دون الاخرين وإلا تحولت جلسات الحوار إلى جلسة املاءات من جانب طرف على طرف آخر، فهل هذا حوارا مقبولا؟ وهل يمكن ان يسفر عن نجاح يرسخ لاستكمال بقية الخطوات اللازمة لبناء الدولة الديمقراطية التي يحلم بها الجميع؟