صرح البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بأنه من أهم القضايا التي شغلت الإنسان منذ بدء الخليقة على الأرض إلى يومنا هذا هي الحرية، فهى كلمة لامعة وجميلة في حياة الإنسان، تكلم عنها الكثير من الكتاب والشعراء ورجال الأدب ورجال العلم والسياسة، حتى صارت الحرية واقعا أو خيالا تداعب حياة الإنسان. وأضاف في محاضرته الأسبوعية بعنوان "الحرية" أن المهم أنك أنت يا من تصير في طريق الله أن تعرف المعنى الحقيقى للحرية، وهذا الجزء من الكتاب المقدس هو حوار بين السيد المسيح واليهود حول الحرية. وقال إن هناك ما يسمى بالحرية الزائفة مثل الإدمان، فيظن المدمن أنه قد تحرر في حين أنه لا يتمتع بالحرية لكنه في سجن، ومن العبارات الخالدة للقديس أغسطينوس عن الحرية "قد جلست على قمة العالم عندما وجدت نفسى لا أخاف شيئًا ولا أشتهى شيئًا". واستطرد قائلًا أن الحرية تعنى أن لا يتحكم في الإنسان شيء، سواء كان هذا الشيء فكرا أو شهوة أو غريزة أو أصحاب أو مادة أو عادة أو مالا فكل هذه تحرم الإنسان من الحرية الكاملة. واستطرد قائلًا إن مثل الابن الضال، الذي تعرض إلى فكرة أن بيته سجن فبدأ يتناسى الحرية التي يحيياها، وأراد أن يترك البيت لكى يتمتع بالحرية وبدأ ينحدر بالتدريج حتى وصل إلى رتبة الحيوان واشتهى طعام الخنازير ولم يجده لكنه في لحظة توبة عرف أنه انحدر إلى سجن وهذه هي الحرية. وقال البابا أراد السيد المسيح أن يكلم اليهود عن الحرية وكانوا يظنون أنهم ذرية إبراهيم وقالوا إننا لم نستعبد لأحد قط، رغم أنهم في هذا الوقت كانوا عبيدا تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، ولكن الحرية من الداخل وليست حسب النسب، وقال لهم "إن أنتم ثبتم في كلامي فبالحقيقة أنتم تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم"، فهذا الثبات يحولكم إلى معرفة الحق ومعرفة الحق تجعلكم تتمتعون بالحرية. وأردف أن الحرية تعنى أن يتحرر الإنسان من الخطية بكل أشكالها، والعبودية قد تكون حسية أو مادية أو سياسية أو مالية (عبودية الخطية بصفة عامة). وتساءل كيف يعرف الإنسان الحرية الحقيقية؟ بالثبات في كلام السيد المسيح، والثبات يعنى الحياة في الوصية الانجيلية باستمرار، "علة جميع الشرور هو عدم معرفتنا للكتب المقدسة" القديس يوحنا ذهبي الفم، والاستمرار في طاعة الوصية، أن تكون حياتك كلها حسب الانجيل في عملك ودراستك، ومع أسرتك وخدمتك وحياتك الخاصة وتكريسك وكل عمل تعمله، كقول الأنبا أنطونيوس (أن يكون لك شاهد عما تصنعه من الكتب المقدس)، كما أوضح السيد المسيح لليهود أنهم في حالة خطية وشمولية الخطية، أي شيء يكسر محبة ربنا في قلبك حتى ولو بالفكر أو القول أو بجميع الحواس، كل من يعمل الخطية. وأكد البابا أن هناك أنواعا من الناس، إنسان يسعى إلى الخطية (الابن الضال)، إنسان يعيش في الخطية (السامرية)، إنسان يتمادى في الخطية (المفلوج)، إنسان كل عمره في الخطية (المولود أعمى)، فلا توجد حرية بدون توبة من الخطية، فحرية الإنسان تبدأ في داخله في قلبه وتوبته، فالإنسان الذي يفعل الخطية يصير عبدا للخطية ثم يأتي المسيح لكى يحررنا من الخطية. واختتم البابا كلمته قائلًا: "في فترة الصوم المقدس نتحرر من سلطة الطعام لتصير حياتنا ليست من الطعام بل من المسيح، لذلك فداء المسيح الذي قدمه على الصليب وفداؤه العجيب أهم ما فيه أنه منحنا الحرية، وأن السيد المسيح يوجه إليك سؤال اليوم "هل تعرف الحرية الحقيقة؟" فصل إليه اليوم واطلب منه أن يمنحك الحرية".