يخرجون من عنق الزجاجة على أمل بدء مرحلة جديدة ينتابُها الطموح والأحلام الخضراء؛ لتذبل أحلامهم على شجرة الواقع وتتغير مساراتهم المرجوة لأخرى مجهولة نهاياتها، فتلقى أحلامهم مصرعها على أعتاب الثانوية العامة؛ فيقفون مثل غيرهم بصفوف حاملين مجاميعهم على أكتافهم للالتحاق بأى كلية أو معهد آخر؛ فلن يختلف الأمر كثيرًا، فجميع الدروب مكسوة بخيبة أمل، من بين هؤلاء، من يتمرد على واقعه، ويقرر أن يختار مجال عمله؛ حتى لو أجبر على تخصص دراسى آخر، ليشهد العالم جيلا جديدا يتحدى التنسيق واختياراته. تنتهى من الثانوية العامة بمجموع 75 بالمئة؛ بعد فترة من المرض، لتدخل بعدها بمرحلة اكتئاب؛ ولكن رب ضارة نافعة، خرجت «نورهان» من الاكتئاب بموهبة جديدة، وكأنه كان حاملًا للإبداع بين طياته. تقول نورهان أحمد البالغة من العمر 24 عامًا: «تفاجأت بمجموعى، فكان نتيجة مرضى بأيام الامتحانات وتغيبى كثيرًا من الدروس بتلك الفترة، وأخذت أمكث فى البيت كثيرًا بعدما علمت أن مجموعى لن يُلحقنى إلا بكلية التربية رياض الأطفال بإحدى الجامعات الخاصة، وفى الواقع لم أحلم بذلك مطلقًا، فطالما تمنيت أن ألتحق بكلية الفنون التشكيلية، لكونها هوايتى، فكنت أرسم أكثر مما أذاكر الدروس، وبعد فترة استسلمت لرغبة والدىّ فى المواظبة على حضور محاضراتى، والذى ساعدنى على ذلك فيما بعد، هو أن محاضرات رياض الأطفال تهتم بمجال الفن، فاهتممت بحضورها، وأصبحت من أوائل دفعتى كل عام، حتى وصلت للفرقة الرابعة والتى غيرت حياتى رأسًا على عقب». قد تغير الصدفة حياتنا، خصوصًا أن كان لدينا الرغبة والقابلية لذلك، فتتجسد الصدفة على هيئة موقف؛ أو شخص؛ أو ربما صورة؛ وهذا ما حدث مع «نورهان» بعدما حولتها صورة على موقع «فيس بوك» لمهندسة ديكور؛ فتقول نورهان: «بعدما تخرجت فى كليتى، وبدأت العمل بمجال التدريس الذى لم أجد غيره، وفى يوم أثناء عودتى من العمل أدهشتنى صورة على «فيس بوك» لرسمة على الحائط، عدت للمنزل وأخذت أقلدها فأعجبت إحدى صديقاتى؛ التى أصرت أن أرسم لها هى الأخرى، وبدأت من حينها الرسم على الحوائط والأسقف، وشجعنى والداى على ذلك، فرغم خوف والدى علىّ من تلك المهنة نظرًا لأننى أدخل بيوت عملاء أغراب من قبل، قام والدى بتوفير عمل خاص لى بأحد البنوك، وبراتب مجز، لكنى رفضت وقررت التمسك بفنى وتنمية موهبتي، وفى النهاية تركنى والدى أعمل فى المجال الذى اخترته». وتتابع: «العمل الخاص ليس سهلًا كما يعتقد البعض، فكثيرًا ما أتعرض لمضايقات من العملاء سواء كانت مضايقات أخلاقية، أو مراوغة لعدم منحى مستحقاتى المالية بعد ساعات عمل طويلة، ولكونى فتاة دفعنى شعورى بالظلم فى المرة الأولى إلى البكاء، ولكننى تعلمت منذ ذلك اليوم أن أتعامل وأتصرف كالرجال حتى لا يضيع حقى». وتختتم: «عملاء كتير بيسمونى المهندسة نورهان بيعاملونى كمهندسة ديكور، وبيستشيرونى فى ألوان الغرف وأثاث المنزل، وبصراحة حبيت اللقب ومع الوقت مبقتش اسمع غيره، ورغم أن فى صعوبات كتير بتقابلنى فى مجالى لكن للأسف أدمنت الرسم والألوان».