أكد محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، أن صناعة النشر، هي رسالة ثقافية تُسهم في بناء وعي المجتمع وتشكيل وجدانه، مشددًا على أن «الناشر الحقيقي» لا يعمل من أجل الربح فقط، وإنما يحمل على عاتقه مسؤولية ثقافية وأخلاقية تجاه القرّاء والمؤلفين على حد سواء. وأشار إلى أن النشر هو «صناعة وتجارة ورسالة» في الوقت نفسه، موضحًا أن فقدان أي عنصر منها يُفقد الصناعة معناها الحقيقي، وأن الاهتمام بالرسالة الثقافية هو ما يميز الناشر الواعي عن التاجر الذي يرى في الكتاب سلعة فقط. وجاءت تلك التصريحات خلال حواره في برنامج «حوار عن قرب» المذاع على قناة TeN الفضائية، الذي يقدمه الإعلامي أحمد العصار، حيث تناول رشاد مستقبل النشر العربي في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، وأهم التحديات التي تواجه الكتاب العربي والناشرين في الوقت الراهن. الناشر.. حلقة الوصل بين الكاتب والقارئ قال رشاد، إن دور الناشر لا يتوقف عند حدود الطباعة أو التوزيع، وإنما يمتد ليكون همزة الوصل بين الكاتب والجمهور، وهو المسؤول عن تقديم العمل الأدبي أو العلمي في صورته النهائية التي تليق بالمحتوى وباسم المؤلف. وأضاف أن «المحرر الأدبي» هو العين الثانية للنص، وله دور أساسي في ضبط المحتوى، ومعالجة الثغرات، وتحسين الأسلوب، مؤكدًا أن كثيرًا من دور النشر العربية تفتقر إلى هذا الدور المحوري الذي يضمن جودة المنتج النهائي. وشدد رئيس اتحاد الناشرين العرب، على أن النشر عملية متكاملة تشمل التأليف والتحرير والإخراج والطباعة والتوزيع، وأن أي خلل في واحدة منها ينعكس سلبًا على القارئ وعلى سمعة الناشر نفسه. وأوضح رئيس اتحاد الناشرين العرب، أن المشهد الثقافي العربي يشهد تغيرات كبيرة تتطلب إعادة التفكير في آليات النشر والتوزيع، خصوصًا في ظل ضعف الإقبال على القراءة مقارنة بالدول الأوروبية. وأشار إلى أن السبب لا يكمن في عزوف الناس عن القراءة بقدر ما يعود إلى غياب التنشئة الثقافية المبكرة، موضحًا أن عادة القراءة تُبنى منذ الطفولة داخل الأسرة والمدرسة، وتُعزز بدعم المجتمع والإعلام. الكتاب الورقي باقٍ رغم الثورة الرقمية أكد رشاد، أن التطور التكنولوجي وانتشار المنصات الرقمية لم يُلغِ أهمية الكتاب الورقي، بل أعاد تعريفه كمنتج ثقافي له خصوصية لا يمكن الاستغناء عنها. وقال إن النشر هو نشر محتوى على أي وسيط، سواء كان ورقيًا أو إلكترونيًا أو سمعيًا، لكن الكتاب الورقي ما زال يتمتع بجاذبية خاصة، مشيرًا إلى أن بعض الأسواق العالمية تشهد زيادة سنوية في مبيعات الكتب الورقية تتراوح بين 8 و10%. وأضاف أن الأجيال الجديدة لا تبتعد عن القراءة، لكنها تتجه نحو الوسائط الجديدة التي تتطلب من الناشرين تطوير أدواتهم وأساليبهم في العرض والتسويق. مبادرة «الناشر المحترف» لبناء جيل جديد من الناشرين وتحدث رئيس اتحاد الناشرين العرب عن مبادرة «الناشر المحترف»، موضحًا أنها تمثل دليلًا متكاملًا يهدف إلى تأهيل وتدريب الناشرين الشباب على أسس المهنة وقواعدها الاحترافية، بدءًا من استقبال المخطوطات مرورًا بعمليات التحرير والإنتاج، وصولًا إلى الطباعة والتوزيع، بما يضمن تطوير صناعة النشر ورفع كفاءتها في العالم العربي. وأوضح أن الهدف من هذه المبادرة هو الارتقاء بالمستوى المهني لدور النشر العربية، وتقديم نموذج عملي للناشر المعاصر الذي يجمع بين الفهم الثقافي والإدارة التجارية الواعية. وأشار إلى أن الاتحاد يعمل أيضًا على إنشاء قاعدة بيانات شاملة لصناعة النشر في العالم العربي، تتضمن أرقامًا دقيقة حول عدد دور النشر، والمؤلفين، وحجم الإنتاج السنوي، لتكون مرجعًا موثوقًا لصنّاع القرار والباحثين في المجال الثقافي. تراجع الإنتاج العربي خلال جائحة كورونا كشف رشاد، أن دراسة أجراها الاتحاد أظهرت أن صناعة النشر العربي تراجعت بنسبة 70% خلال فترة جائحة كورونا، نتيجة توقف المعارض الدولية وصعوبات التوزيع، مؤكدًا أن هذا التراجع كان جرس إنذار لضرورة تطوير أدوات رقمية بديلة. كما لفت إلى أن دولة واحدة مثل إسبانيا تنتج سنويًا عدد كتب يفوق إنتاج أكثر من 20 دولة عربية مجتمعة، ما يبرز الحاجة إلى دعم القطاع من خلال تشريعات ثقافية واستثمارية تواكب المتغيرات العالمية. واختتم محمد رشاد حديثه بالتأكيد على أن النشر هو شريان الوعي في الأمة، وأن ازدهار صناعة الكتاب يعني ازدهار الفكر والمجتمع.