سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جدل حول آلية إصلاح منظومة دعم البطاقات التموينية.. خبراء: سياسة "الارتجال والفهلوة" وراء ارتفاع معدلات الحذف العشوائي.. ونحتاج لقاعدة بيانات متكاملة لتتوصيل الدعم لمستحقيه
وضعت وزارة التموين والتجارة الداخلية مجموعة من المعايير "أكثر صرامة" في المرحلة الثالثة من عملية حذف الفئات غير المستحقة من منظومة الدعم، وتتضمن المعايير التي أعلنتها الوزارة في بيان رسمي قبل أيام، استبعاد كل من ينفق أكثر من 30 ألف جنيه سنويا لتعليم أحد أبنائه في المدارس، أو 20 ألف جنيه في المتوسط لأكثر من طفل، ومن يمتلك حيازة زراعية تبلغ 10 أفدنة فأكثر، أو شركة رأس مالها 10 ملايين جنيه فأكثر، ومن يمتلك أكثر من سيارة موديل 2011 فأعلى، أو سيارة موديل 2015 فأعلى، وتستهدف المعايير الجديدة استبعاد فئة أوسع من غير المستحقين للدعم عن المرحلتين الأولى والثانية لعملية تنقية البطاقات التموينية. المصيلحي إلا أن هذه المعايير خلقت حالة من الجدل وسط المواطنين ومستحقي الدعم، على الرغم من أن الوزارة أعلنت في بيانها أن المعايير سالفة الذكر باستكمال منظومة الاستهداف وفقًا لمحددات الاستهلاك والإنفاق والملكية والتي تم تحديدها بمعرفة لجنة العدالة الاجتماعية برئاسة مجلس الوزراء والتي تم بموجبها تحديد الفئات المختلفة للمجتمع وتحديد الفئات الأكثر احتياجا، وبناء عليه تم الانتهاء من تطبيق هذه المحددات على مرحلتين وقد تم إتاحة موقع إدارة دعم مصر لتقديم أي تظلمات إن وجدت نتيجة تطبيق هذه المحددات وقد تم فحص كافة التظلمات التي تم تقديمها وقد تم قبول التظلمات الخاصة بمحدد الكهرباء وذلك لحين الانتهاء من تدقيق قاعدة بيانات الكهرباء. ودافع وزير التموين الدكتور علي المصيلحي عن المعايير الجديدة مشددا على أن عملية الاستهداف عملية ديناميكية مستمرة وتهدف إلي تحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الدعم للفئات الأكثر احتياجًا واستبعاد غير المستحقين، ولفت إلى أن أصحاب البطاقات التموينية التي انطبقت عليهم المحددات يتم إعلامهم بذلك عن طريق الرسائل التي تظهر في بون صرف التموين أو الخبز ولا يتم حذف أي مستفيد حتى يتقدم بتظلم يتم فحصه ومراجعته واذا ثبتت احقيته فلن تظهر له الرسالة مرة أخرى، وإذا لم يُقبل تظلمه يتم استبعاده من منظومة التموين مع استمرار صرف الخبز لهم. كما جدد المصيلحي تأكيداته بأن الوزارة لم تقم حتى الآن بحذف أي مواطن خلال المرحلتين الأولى والثانية من عملية استبعاد الفئات غير المستحقة للدعم من المنظومة، موضحا أن "التموين" أرسلت فقط رسالة تحذيرية إلى أصحاب البطاقات التموينية تفيد بأن لديه أحد محددات الدعم ومعايير العدالة الاجتماعية التي بمقتضاها سيتم وقف البطاقة، مضيفا أنه لا يزال جاري فحص طلبات التظلم المقدمة من المواطنين المستبعدين من المنظومة، والذين يزعمون أن بطاقاتهم التموينية أوقفت لأسباب غير عادلة. وبرغم كل هذه التصريحات إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك حيث تتبعت "البوابة" العشرات من الشكاوى الخاصة بعمليات الحذف العشوائي، وعلى مدار أسبوع كامل حاولت «البوابة نيوز» التواصل مع المتحدث الرسمي لوزارة التموين، أحمد كمال، للرد على الشكاوى دون أدنى استجابة من طرفه، وهنا نعرض بعض لنماذج من هذه الشكاوى: شكاوى لمن يهمه الأمر هنا المواطن شاهين محمد الصغير – 64 عاما- على المعاش ومقيم بمركز بلقاس محافظه الدقهلية، يشكو من تكرار الحذف العشوائي لأفراد أسرته على مدار عامي 2018 / 2019، ويقول "شاهين": "أنا أحمل بطاقة تموين رقم: 112008373258 تحوى 4 افراد، وأتعرض لظلم متكرر من موظفي مكتب تموين بلقاس ثان منذ شهر ديسمبر 2018، حيث تم خصم عشوائي لثلاثة أفراد من أسرتي لأول مرة في ديسمبر 2018، فتظلمت فتم إعادتهم في يناير 2019، ثم خصم عدد 2 فرد في فبراير فتظلمت فتم إعادتهم في مارس 2019، ثم تعرضت لعملية حذف عشوائي مرة ثالثة لفردين من أفراد أسرتي، متسائلا: "هل هذا خصم عشوائي من الوزارة أم خصم ممنهج عمدا ولماذا؟!". وأضاف شاهين في شكواه: "يتهمون الجهات العليا بهذا الخصم لماذا يتم بهذه الدرجه من التعنت لي في سنى هذا ؟؟؟ اشكو الى الله مظلمتي واطالب بإعادة الحق لي ومحاسبه المسئول وقد خدمت 36 عاما في رئاسة مركز بلقاس اخرها 9سنوات على درجه مدير عام". حذف عشوائي فيما اشتكى المواطن مجدي عيد، من أزمة أخرى ألا وهي المحاسبة وفقا لاستهلاك الكهرباء، فيقول مجدي: إن مشكلته في معيار استهلاك الكهرباء يشتكي منها الكثير من المواطنين حيث أن أزمته ترجع إلى أنه كان يقطن شقة سكنية لفترة محددة وعددا الكهرباء في هذه الشقة باسمه، ورغم انتقاله للعيش في شقة أخرى إلا أن العداد لا يزال باسمه ويحسب الاستهلاك وفقا لما يستهلكه الساكن الجديد الذي يتعنت ويرفض التنازل عن العداد، ويظل العداد باسمه في شركة الكهرباء وهو ما جعله ضمن المستبعدين وفقا لمعايير المرحلة الثانية من تنقية البطاقات التموينية". ويتابع "عيد": " لا يوجد حل لمشكلتي فقد شركة الكهرباء ترفض قبول التنازل لمالكي العدادات لها كما أنها تطلب من مالك العداد تمكين الشركة من رفع العداد في حالة طلب مالك العداد رفع العداد من الشقة التي أصبحت في حوزة ساكن آخر والساكن الاخر برفض دخول أي عامل لرفع العداد، وعند السؤال عن الحل قالوا الحل في التنازل عن العداد للساكن الجديد أو المقيم بها الذي هو بدوره يرفض التنازل له لأنه له مصاريف ورسوم مكلفة وسوف يتم اخذ العداد القديم ويتم تركيب عداد مسبوق الدفع كارت يعني وهو ايضا ما يرفضه الساكن الجديد واصبحت هناك مشاكل يبن الناس وبعضها وصلت الي التشاجر مع بعضهم لان شركه الكهرباء ترفض التنازل لها عن العداد وتطلب ايضا في حالة طلب رفع العداد من تمكين الشركة من دخول الشركة ورفع العداد وهذا غير متوافر لأنه الساكن المقيم هيرفض بالطبع". واقترح "عيد" مطابقة عنوان صاحب البطاقة بالرقم القومي له مع وصل الكهرباء الذي يقوم بتقديمه مع عقد ايجار الشقة مع وصل الغاز والثلاثة لازم يكونوا باسم صاحب البطاقة وفي حالة ما يكون وصل للكهرباء أو الغاز مخالف لما مكتوب في الرقم القومي له يطلب منه تصحيح وضعه. أما المواطن أحمد نشآت فأكد أنه لا ينطبق عليه أي شرط من الشروط الخاصة بوزارة التموين للحذف من البطاقات التموينية إلا أنه تعرض للحذف العشوائي من البطاقة لأكثر من مرة. إيقاف وحذف ب«الخطأ» ويضيف "نشآت": "تعرضت لإيقاف بطاقتي مرتين وذهبت للشكوى بمقر الإنتاج الحربي في القصر العيني، وانتظرت لساعات لحل مشكلتي ثم ذهبت مرة أخرى لمكتب مدينة السلام، وفي كل مرة يعطون لي ورقة لإرسال رسالة وتلقي الرقم السري، "ويقولي لا تصرف عيش قبل التموين علشان البطاقة تشتغل ولا حياة لمن تنادي وكل لما أصرف الماكينة تقول غير مستحق وفرق العيش خارج المحافظة ومش عارف الحل إيه وأنا راجل ذو ظروف صحية خاصة وحركتي صعبة للغاية، ومش عارف أعمل إيه ولا أروح فين وخايف أصرف عيش قبل التموين البطاقة تقف نهائي". وفي سياق متصل، تقول المواطنة إيمان خليفة إن بعض أفراد أسرتها محذوفين منذ ما يقرب على 9 أشهر عن طريق الخطأ وبالرغم من تقدمها بتظلمات عديدة إلا أنها لم تجد استجابة من قبل المسؤولين". وتضيف "خليفة": "أنا عندي أفراد محذوفين بالخطأ من تسع شهور، كل شهر نقدم تظلمات ولا حياة لمن تنادي، متأكدة ان محدش هيرد علينا لأني لاحظت ان الناس بتكلم نفسها يا ريت لو عندكم سبب للحذف حد يرد ويقوله". ووافقتها الرأي غادة جمال الدين حيث قالت: "احنا اتحذفنا ليه ومفيش غير أنا وزوجي على البطاقة من ست شهور، وليس لدينا أملاك ولا شيء، وقدمنا تظلم ومحدش معبرنا". أما أيمن زكى فاشتكى من المعيار الخاص بتحديد أنواع السيارات، مؤكدا أنه غير منصف، وقال زكي في تعليقه على هذا البند: "كيف يتم مقارنة سيارة أعلى من 2015 ذات سعه لترية لا تتعدى 1500 سى سي حتى لو موديل 2019 بسيارة مرسيدس أو جيب أو هامر أو السيارات الفارهة ذات السعات اللترية فوق 2000 سى سى ذات موديلات أقل من المحددات المذكورة. وتعجب زكي من هذا المعيار قائلا "أسعار السيارات الفارهة المستعملة موديلات أقل 2015 يفوق سعر زيرو موديل 2019". خبراء يرسمون ملامح الإصلاح "البوابة" تحدثت إلى خبراء الاقتصاد للبحث عن الحلول العاجلة لإصلاح منظومة الدعم، والسبيل لتوصيل الدعم لمستحقيه، وفي هذا السياق، قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، ان ارتفاع معدلات الحذف العشوائي عن طريق الخطأ للمواطنين من البطاقات التموينية هي سياسة الارتجال والفهلوة التي تتبعها وزارة التموين في محاولة منها لإصلاح منظومة الدعم، ولعل السبب الرئيسي الذي يدفع "التموين" إلى اللجوء لتلك الطرق هو عدم امتلاك قاعدة بيانات وطنية شاملة تمكن الحكومة ممثلة في وزارة التموين من حذف غير المستحقين بشكل دقيق. وشدد الدمرداش في تصريحاته ل"البوابة نيوز"، إن المشكلة الحقيقية الجوهرية والأصيلة هي عدم امتلاك الدولة لقاعدة بيانات كاملة مترابطة لابد أن يؤدي إلى العشوائية وابتكار مجموعة من المعايير التي تحاول تعويض عدم وجود معيار التمييز العلمي العملي ألا وهو قاعدة البيانات الوطنية. ونتيجة لعدم وجود القاعدة السليمة تحاول الحكومة الارتجال من أجل الوصول لأقرب ما يكون إلى الحقيقة، ومن هنا ظهرت معايير امتلاك سيارة بمواصفات معينة، ولكن ليس كل من يمتلك سيارة نرفع عنه الدعم، وبعض الضوابط الأخرى تعد ضوابط موضوعية فمعيار مثل المدارس الخاصة التي تدفع أكثر من 30 ألف للطفل الواحد في السنة، ولا يمكن لأحد أن يعيب على هذه المعايير. ويوضح الدمرداش أن المجتمع المصري مقسم إلى: "20 مليون تحت مستوى الفقر الحاد، ولكنهم غير مدرجين في البيانات الرسمية إلا أنهم قد يكون من بينهم من لا يستحق الدعم نتيجة اشتغاله بمهن حرة لا تخضع للرقابة الحكومية أو المحاسبة، كما أن هناك ما لا يقل عن 10 مليون مواطن لا يستحقون الدعم بشكل كامل نتيجة لوقوعهم ضمن طبقة الاثرياء، وأصحاب المناصب العليا في الدولة وأسرهم، وهناك 70 مليون مصري هم من تطبق عليهم المعايير وهم المطحونين في المجتمع، نظرا لامتلاكهم دخل ثابت ومعروف لدى الدولة، أو يقعون تحت رقابة ضريبية". وتابع: "غياب قاعدة البيانات التي ترصد هذه الأرقام تخلق مجموعة من الضحايا الذين يقعون تحت طائلة الحذف العشوائي نتيجة للارتجال أو "الفهلوة"، كما أن كل خطط الشمول المالي والإصلاح الاقتصادي يجب أن تستند جميعها إلى قاعدة بيانات تمتلك الشفافية والوضوح"، مضيفا: "الموضوعية والصدق والنزاهة يجب أن تكون ثوابت في وضع أي معايير لتقويم أيه سقطات في طريق الإصلاح الاقتصادي". من جهته قال الدكتور إيهاب الدسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية، إن الحل الامثل لإصلاح منظومة الدعم وتوصيل الدعم لمستحقيه، هو التفرقة بين نوعين من الأفراد وهما الأفراد الذين لديهم دخل معلوم وهنا يجب أن تتم تنقية بطاقاتهم وفقا لدخلهم، والأشخاص الذين ليس لديهم دخل معلوم مثل التجار أو الأعمال الخاصة، وهنا يمكن تطبيق المعايير المعلنة عليهم. ولفت الخبير في تصريحاته ل"البوابة نيوز" إلى وجود صعوبات في تقدير وتقييم كل هذه المعايير، مؤكدا أن تعدد المعايير يصعب من مهمة وزارة التموين، وتستهلك مجهود وتكلفة عالية، وكل توسعة في هذه المعايير من شأنها تكلفة أكثر واستعلام أكثر، فالوصول إلى معلومات شخصية كاملة عن كل أسرة مصرية وبخاصة في مجال التعليم وتكلفة التعليم، فيمن الصعب الوصول لهذه المعلومات إذا تعمد المواطن إخفاءها. واقترح الدسوقي الاكتفاء بتطبيق معيار واحد من المعايير المعلنة مثل معيار السيارة أعلى من 2015، فإن امتلاك سيارة حديثة من عدمه يعد معيارا واضحا على مدى استحقاق المواطن للدعم، وصعوبة الوصول للمعلومة يرجح كفة اختيار معيار واحد للتقييم. كما لفت إلى ضرورة وضع معدل واضح لتقييم من لديهم دخل معلوم مثل العاملين بالحكومة مثل وضع حد أدنى ومن يقل عن هذا الحد يصبح تلقائيا مستحق للدعم. أما الدكتور عبد الرحمن عليان، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس، فيرى أن المعايير المعلنة من قبل وزارة التموين منطقية إلى حد كبير، مشيرا إلى أن معيار امتلاك سيارة على سبيل المثال يجب أن يراعي حداثة السيارة، ونوع السيارة، والسعة اللترية وتطور السيارة، ومن خلالها يمكننا أن نقيم مستحقي الدعم. وأضاف عليان أن من العوامل الرئيسية في تحديد المعايير هو عدد أفراد الأسرة، وهو أن يشمل الدعم الأب والأم وطفلين كحد أقصى، حتى يتحمل المواطن المسؤولية عن أي كثافة سكانية تشكل أعباء اقتصادية على الدولة، وعلى المواطنين فالدولة في النهاية تحصل الضرائب من المواطنين للإنفاق على مستحقي الدعم. وأشار الخبير إلى أن معيار المدارس الخاصة باهظة التكاليف يعد من المعايير الهامة، فطالما المواطن لديه تطلعات وينفق على تعليم أولاده آلاف الجنيهات فبالطبع هو يستطيع تحمل مسؤولية الخروج من قائمة مستحقي الدعم، لافتا إلى أن المعايير المعلنة هي معايير متعارف عليها عالميا، فالقدرة على الصرف والاستهلاك الكهربائي العالي، وغيرها من المعايير تدل بشيء أو بآخر على الحالة الاقتصادية للأسرة. ودعا أستاذ الاقتصاد إلى ضرورة العمل على إعادة أي مواطن تم حذفه من البطاقات التموينية عن طريق الخطأ بعد ثبوت أحقيته في الدعم، وقال إن أي خطأ يمكن أن يصحح أو يستدرك سريعا، من أجل رفع الظلم عن المحذوفين عن طريق الخطأ، كما دعا المواطنين إلى مراعاة المعايير وعدم التحايل أو السعي للحصول على الدعم بطريقة غير مشروعة، وإدعاء الحاجة إلى الدعم رغم عدم انطباق المعايير فهو أقصى أنواع الظلم، فاستحلال الدعم يظلم أفرادا آخرين، فالحكومة يمكن أن تكتشف 10 % من حالات التحايل إلا أن 90 % من حالات التحايل قد لا تكتشفها الحكومة وبهذا يحصل شخص لا يستحق الدعم على نصيب فرد آخر أكثر احتياجا وهو قمة الظلم، ومخالفة لكل القيم وتعتمد في الأساس على الاقتناع الشخصي والتربية السليمة.