«فصل المقال.. فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» هو عنوان الكتاب الأبرز للفيلسوف الشهير أبو الوليد بن رشد. يحاول «ابن رشد» خلال الكتاب توضيح موقف الشريعة من الفلسفة والتأويل، مؤكدًا على عدم وجود تعارض بينهما، ومن هذا المنطلق لمع اسم ابن رشد لدى المفكرين العرب المعاصرين خاصة من يروجون للفكر العلمانى وللتنوير. ومؤخرًا صدرت طبعة جديدة من الكتاب عن سلسلة «التراث الحضارى» التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب مصحوبًا بدراسة وتقديم للباحث مدحت صفوت والذى ينفى عن ابن رشد فى ترويجه للفكر التنويرى وإعمال العقل مخالفًا بذلك الرؤية التى رسمها عدد كبير من الأكاديميين والباحثين العرب لمفكر «قرطبة» الأبرز وعلى رأسهم الدكتور مراد وهبة، والباحث عاطف العراقي، وعابد الجابري. يقول «صفوت» إن الهدف من الدراسة هو نقد ابن رشد والرشدية أو حتى نقضهما وتقويضهما على النحو الذى يسمح بتجاوزهما وتخطيهما، ويضيف أن «ابن رشد» لا يعتبر تنويريًا، وأن كثيرًا من الآراء التى ينقلها عنه المفكرون العرب ليست حقيقية، موضحًا أن ابن رشد كان يريد عقلنة الإيمان أى إصباغ الإيمان بصبغة عقلية من خلال البرهان فقط، رغم أن أحكام الفلسفة عامة جدلية وبرهانية وليست برهانية فقط، لا تقتصر رؤية صفوت على هذا فقط بل يقول بوضوح إن «ابن رشد» الفيلسوف الشهير مارس هو أيضًا ما يعرف بالكهنوت، أى فرض نوع من الوصاية حيث وضع ابن رشد فى لغة صارمة وحازمة لعدم اختلاط البلبلة والحيرة بين الناس، وعدم التداخل فى التأويلات أو المراتب المتباينة للمعرفة والفهم، قاعدة هامة تتمثل فى عدم إشاعة « البرهان» أى الفلسفة ومنع العامة من قراءة كتب الجدل والبرهان. لم يقف ابن رشد عند حد منع العامة من حق المعرفة بل تتجلى عواقب وخيمة فى الخطاب الرشدي- حسب مدحت صفوت- إذ لا يعذر ممن يمارس البرهانية من العامة لأنه آثم، سواء كان فى الأمور النظرية أو العملية، فطالما لم تتوفر فيه شروط الحكم والبرهان «فليس بمعذور، بل هو إما آثم وإما كافر»، وبالتالى رغم اتباع منهج التأويل فى فلسفة ابن رشد إلا أنه لم يسبح بعيدًا عما يحاول أتباع المعسكر الآخر القيام به، فى إشارة إلى الإمام الغزالي. إذن يبقى السؤال لماذا يستغل المفكرون المعاصرون اسم ابن رشد وفلسفته فى الترويج للأفكار العلمانية؟ يفسر صفوت ذلك بأن كتاب التنوير العربى يحتاجون إلى آباء يأسسون لهم أفكارهم حتى يكسبوها أصالة تاريخية ومن هنا «راحوا يفتشون عما يساند أفكارهم ولكنهم وقعوا فى كثير من الأحايين فى شرك لى عنق الخطابات التاريخية وانتزاعها من سياقها»، فصار أبوذر الغفارى شيوعيا ماركسيًا، وأصبح ابن خلدون مفسرًا ماديًا للتاريخ، وصارت فرقة المعتزلة عقلانية تقدمية تدافع عن العدالة الاجتماعية. هذا الاستدعاء من قبل التنويرين العرب يشبه الباحث الشاب بتعصب السلفيين للتراث والسلف أيضًا، موضحًا أن أوجه الشبه بينهم هو التعامل مع التراث بطبيعة لا تاريخية، ويضيف بأن العودة إلى الماضى للحصول على ما يشبه «صك المشروعية للأفكار المطروحة فى الوقت الحالى هى محاولة للبحث عن أب شرعى للخطاب الوافد». يقع كتاب صفوت فى 70 صفحة، وينقسم إلى جزئين، الأول التقديم والدراسة تحت عنوان «ابن رشد.. الامتطاء الايدلوجية» و«فصل المقال.. الغاية والمال» و«الكهنوت.. من الفقهاء إلى الفلاسفة»، والثانى مقتطفات من كتاب فصل المقال «لابن رشد».