«مصر للطيران» تعلن بدء إصدار تذاكر الحج لهذا العام    عضو اتحاد القبائل العربية: دعم مصر لجنوب إفريقيا يؤكد موقفها المشرف تجاه القضية الفلسطينية    عضو ب«الشيوخ»: دعم مصر دعوى جنوب إفريقيا تحرك جاد لفضح الجرائم الإسرائيلية    ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 140 شخصا في فيضانات البرازيل ولا نهاية في الأفق    كلوب: لدينا فرصة أمام أستون فيلا للوصول للنقطة ال 80    أتلتيكو مدريد يحسم فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو بالدوري الإسباني    القبض على 27 تاجر مخدرات في الإسكندرية    الأرصاد: غدا الاثنين حار نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 29    نوال الزغبي تكشف عن البوستر الدعائي لأغنيتها الجديدة «من باريس»    زوجة ضحية واقعة الكلب: زوج أميرة شنب سلم نفسه للمحكمة كإجراء قانوني    طالبوا بوقف التعامل مع "إسرائيل " ..12 أكاديمياً بجامعة برينستون يضربون عن الطعام دعماً لغزة    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    مصر تعتزم دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    غدًا.. وزير العمل: طرح مشروع قانون العمل على "الحوار الاجتماعي"    "أثر الأشباح" للمخرج جوناثان ميليت يفتتح أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي    بعد تصدرها التريند..تعرف على عدد زيجات لقاء سويدان    تفاصيل اعلان وزارة الداخلية قبول دفعة جديدة بمعاهد معاوني الأمن.. فيديو    أمينة الفتوى: سيطرة الأم على ابنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال تنفيذ مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    فرحة في الكامب نو.. برشلونة يقترب من تجديد عقد نجمه    إعلام النواب توافق على موازنة الهيئة الوطنية للصحافة    قائد الجيش الأوكراني: الوضع في خاركيف تدهور بشكل كبير    الدورى الإسبانى.. قاديش يعزز من فرص تواجده فى الليجا بالفوز على خيتافى    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    اسكواش.. نتائج منافسات السيدات في الدور الثاني من بطولة العالم    الصحفيين تعلن فتح باب الحجز لعدد 75 وحدة سكنية فى مدينة السادس من أكتوبر    أحمد عز يصور «ولاد رزق.. القاضية» بحلوان.. متبقي 3 أيام للانتهاء منه    "العيد فرحة وأجمل فرحة".. موعد عيد الاضحى المبارك حسب معهد البحوث الفلكية 2024    إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص فى ترعة ببنى سويف    الثلاثاء.. مناقشة رواية "يوم الملاجا" لأيمن شكري بحزب التجمع    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    لجنة حماية الصحفيين: نشعر بالقلق جراء إفلات إسرائيل من العقاب    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    البورصة تخسر 25 مليار جنيه في ختام تعاملات أول الأسبوع    مواعيد امتحانات كليات جامعة حلوان الفصل الثاني 2024    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    تعرف على أماكن اختبارات الطلاب المتقدمين لمعهد معاوني الأمن لعام 2024    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    عقب افتتاح مسجد السيدة زينب.. "الأعلى للطرق الصوفية" يوجه الشكر للرئيس السيسي    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    انفجار أكبر توهج لعاصفة شمسية ضخمة يحدث الآن    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    مجلس الجامعات الخاصة يكشف قرب الانتهاء من إنشاء 7 مستشفيات    لا يفقهون شيئا: تين هاج يفتح النار على المطالبون بإقالته    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    «الداخلية»: ضبط 4 عاطلين بتهمة سرقة أحد المواقع في أسوان    ل أصحاب برج الثور والجوزاء.. أفضل الأبراج المتوافقة عاطفيًا لتكوين علاقات ناجحة 2024    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    جلسة مرتقبة بين حسين لبيب ولاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سر الصبية".. التغريبة السورية بعيون مصرية
نشر في البوابة يوم 03 - 12 - 2016

تثير الأحداث الراهنة التى تمر بها المنطقة العربية والإسلامية جملة من الأسئلة الحيوية عن مسائل فى غاية الأهمية تمس حياتنا وتؤثر فى قراراتنا وآرائنا وتوجهاتنا، وخير مثال على ذلك ما تنقله لنا القنوات الفضائية من أخبار وصور تمتلأ بالمشاهد العنيفة، التى كانت لزمن قريب تحذف بالمونتاج أو يتم تحذير المشاهدين قبل بثها، حتى أصبحنا نألف تلك المشاهد، بتعبير آخر تحوّل العنف إلى مفردة يومية يتم تداولها على مختلف الأصعدة.
وما صورة الطفل السورى «عمران دقنيش» سوى مفردة أخرى تنضم لمفردات المشهد السورى العبثي، عمران طفل لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يغطى وجهه الدماء والتراب، ومع ذلك لا ينطق، لا يصرخ، كأنه اعتاد هذا المنظر المهول، مشهد يلخص مأساة أطفال سوريا الأبرياء الذين اعتادوا صور الدمار والأنقاض.
عمران صورة أخرى من «آلان الكردى» الذى صحونا ذات يوم على مشهد جثته أمام الشواطئ التركية، أو ذاك الطفل الآخر بائع المناديل ورجل تركى يقذفه بعيدًا بقدمه، أو تلك القصة المريعة التى كشفها الكاتب والناشط الأمريكى «فرانكلين لامب» عن حجم المآسى التى يتعرض إليها اللاجئون السوريون فى عدّة دول، عنّ تجربته فى لبنان والتى قادته إلى شراء 4 أطفال سوريين لاجئين فى لبنان بمبلغ 600 دولار، خلال تواجده هناك للعمل على أحد أبحاثه بالتعاون مع مؤسسات حقوقية فلسطينية.
لكن أيًا من تلك المشاهد من قلب الحرب فى سوريا، لم يحرك ساكنا لدى الضمير العالمى لإنقاذ الأطفال السوريين بإنهاء تلك الحرب وليس مناقشة تداعيات هروب آلاف اللاجئيين السوريين إلى دولهم. استطاعت تلك الحرب الكريهة أن تنتج زخمًا فكريًا وأدبيًا سواء لمبدعين ومفكرين سوريين أو عرب، وتأتى رواية «سر الصبية» للكاتبة الشابة «هديل محمود هويدى» والصادرة حديثًا عن دار العين للنشر، ضمن الأعمال الإبداعية والفنية التى تتناول الشأن السوري، بمآسيه وفجائعه، بأحلام السوريين المجهضة خاصة من جيل عمر الورود الذى لم تمهله عبثية تلك الحرب أن تتفتح، ذاك الجيل الذى نمى وعيه وإدراكه بتوريث «بشار الأسد» منصب رئيس الجمهورية، وهو معادل موضوعى لجيل الكاتبة من المصريين ممن لم يعرفوا رئيسًا غير حسنى مبارك، وعندما أدركوا شرخ الشباب كان التوريث لابنه جمال مبارك يجرى على قدم وساق، بعد استقدامه من لندن حيث كان يعمل فى بنك «أوف أمريكا».
تقول هديل، فى العام نفسه الذى ولدت فيه عاد بشار من لندن بعد وفاة أخيه الأكبر باسل فى حادث سيارة، كان بشار يعمل طبيبًا للعيون، لكنه فور عودته انخرط فى العمل السياسى حتى انتخب رئيسًا لحزب البعث العربى الاشتراكى فى عام 2000، وعندما توفى الأسد الأب انتخب رئيسًا للبلاد فى تموز من العام نفسه.
فى «سر الصبية» النساء هن الأكثر إكتواءً بنيران الحقد والكراهية والحروب التى يشعلها الرجال، يقعن محاصرات بالفقد والغياب، بالكره والأطماع السلطوية ومن ثم الحرب والقتل والتشريد بعيدًا عن الديار. ترصد الكاتبة رحلة أسرة سورية بسيطة، أحلامها عادية، فالابنة الكبرى «جيداء» صورة مكررة وعادية لملايين الفتيات العربيات من المحيط للخليج، لا تستسيغ الدراسة ولا تملك طاقة على استكمالها، وتكتفى بكونها صورة عن أمها وجدتها، تحلم بدفء البيت والزوج والأطفال، تتفنن فى أشكال الطهى والحياكة، ترهف سمعها لحكايات الجدة عن أصناف الطعام الشهية وطرق تحضيرها.
بينما الابنة الصغرى «عصماء» فكانت قصيدة أبيها «شاهين» أستاذ اللغة العربية الذى لم يشارك فى حراك سياسى يومًا لكنه يلقى حتفه فى مظاهرة أرغم على السير فيها، تحت ضغط الحشود التى خرجت عقب صلاة أحد أيام الجمع.
عصماء التى كان حلمها بسيطًا فى الالتحاق بالجامعة، لتحقق تلك الصورة التى رسمها لها والدها، فقط أن تدرس الأدب فلربما كتبت أشعارًا كتلك التى حبسها والدها فى أدراجه سنوات ولم يفرج عنها يوما.
الأم «هند» هى الأخرى كبقية أمهاتنا البسيطات العاديات، لا يطمحن إلا فى سعادة أولادهن والاطمئنان عليهم، لكنها تكتوى بالفقد وتكلل أيامها الأحزان، من أول موت زوجها وغيابه المفجع، مرورًا بثكلها فى وحيدها الذكر «ظافر» وليس انتهاءً بانكسارات وإهانات الهروب عبر الأراضى التركية، من ثم اللجوء إلى مصر غريبة شريدة، تنتهك كرامتها هى وابنتيها، يقعن فريسة النخاسين المتأسلمين والمتاجرة بهن، بما يشبه القوادة الشرعية، تحت مسميات زائفة خداعة بدعوى «زواج السترة».
فى الرواية: «أخبرت ظافر بكل ما حدث معنا من يوم عيد ميلاد عصماء والحاجة نادية وغيابها، ثم مجيء الشيخ طلعت وطلبه الزواج مني، اتصل بأمى وصرخ عليها، ألا تتردد فى رفض طلب الشيخ. قالت له كيف أرفض بسهولة، أفضاله كثيرة علينا، وأهمها الشقة من دون إيجار والمعاملة الحسنة. يجب أن نتأنى فى الرفض، أنا لا آمن رد فعله».
وبالفعل يظهر الوجه الحقيقى لتجار الدين والرقيق الأبيض، فالشيخ طلعت مسئول «الجمعية الشرعية» والمتحكم فى مصائر وأقدار اللاجئين السوريين فى مصر، تنقلب معاملته إلى النقيض حينما ترفض عصماء الزواج منه، فيطردهم من الشقة شر طردة، بل وتعايرهم الحاجة «نادية» تلميذة صلاح أبوإسماعيل بما قدموه لهم وفى حقيقة الأمر، هو جزء بسيط من حقوقهم التى يجمعون باسمهم، ملايين الدولارات من التبرعات لإعانتهم. نادية قوادة شرعية تتاجر فى لحوم السوريات الأبيض، تلقيه على موائد شيوخ الجاز من الخليجيين، أو ذيولهم المصريين سواء من الإخوان المسلمين أو السلفيين: «قضيت ساعات طويلة من الانتظار، والاستماع إلى الأخبار والأسعار، قابلت هناك مصادفة الحاجة نادية، دون تردد ذهبت إليها أشكو لها من طول الانتظار فجاء ردها قاسيًا: احمدى ربك أننا لسة بنأكلكم، دا أنتى ربنا ابتلاكى بالخرس من طولة لسانك».
قدّمت هديل هويدى فى روايتها «سر الصبية» تغريبة السوريين وما تبعها، من قصّة اللجوء التى بزت لجوء الفلسطينيين الأطول فى العالم، قصة حزينة لا تترك من يشاهدها إلا وتصنعه من جديد، أجادت الكاتبة إلى حد كبير نسج خيوطها، والتلاعب بالسرد «المرآوى» إذا جاز التعبير، حيث قدمت القصة السورية بلعبة حكى على لسان الشقيقة الكبرى «جيداء» والتى استغرقت النصف الأول من الرواية، لتعيد قص نفس الأحداث بعيون وقلب الفراشة الثانية «عصماء» بما يشبه التداعى الحر بعدما خرجت أخيرا من شرنقتها، وإن كان ذا مشهدية عالية مقارنة بالنصف الأول من الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.