وزير الأوقاف يؤكد على التعامل بحسم مع أي مخالفة لتعليمات خطبة الجمعة    رئيس الوزراء يلتقي «البلشي».. ويؤكد احترامه لمهنة الصحافة ولجموع الصحفيين    جامعة أسيوط: نشرنا 2320 بحثا دوليا خلال 2023 أغلبها في مجلات المربع الذهبي (Q1 وQ2)    وزير الري: نبذل جهودا كبيرة لخدمة ودعم الدول الإفريقية    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024.. الموعد وطريقة حساب الدرجات    سعر العنب والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 23 مايو 2024    أسعار الذهب تواجه ضغوط احتمال رفع أسعار الفائدة الأمريكية    مصر تحتاج إلي 264 مليار دولار سنويا للتكيف مع آثار التغيرات المناخية    «العدل الدولية» تصدر اليوم قرارًا جديدًا حول وقف إطلاق النار فى غزة    الرئيس الإيرانى يوارى الثرى بمشاركة آلاف الإيرانيين    قطر تصدر سندات خضراء بقيمة إجمالية بلغت 2.5 مليار دولار    الجودو المصري يحجز مقعدين في أولمبياد باريس 2024    تشكيل مودرن فيوتشر لمباراة الزمالك.. أحمد عاطف في الهجوم    بعد اتفاقه مع يوفنتوس.. بولونيا يعلن رحيل تياجو موتا رسميًا    إبراهيم فايق يعلن اسم وموعد برنامجه الجديد    ضربة غير مسبوقة.. الداخلية تضبط نصف طن كوكايين ب 1.6 مليار جنيه    جرح 5 سم.. «علقة ساخنة» لمراقب في امتحان الإعدادية بالشرقية    فيديو أشعل السوشيال ميديا.. ضبط شابين عذبا كلبًا بطريقة بشعة في عابدين    البوستر الرسمي للفيلم الكوميدي العائلي جوازة توكسيك    أحمد الفيشاوي في مرمى الانتقادات من جديد.. ماذا فعل في عرض «بنقدر ظروفك»؟    بالفيديو.. ماريتا الحلاني تلعب دور جاسوسة تلاحق فرقة أدونيس في «حفضل أغني»    بمناسبة أعياد ميلاد مواليد برج الجوزاء.. 6 أفكار لهداياهم المفضلة (تعرف عليها)    مؤتمر يكشف تأثير الذكاء الاصطناعي في تحسن نتائج جراحات المخ والأعصاب    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    صعود الأسهم الأوروبية ومؤشر التكنولوجيا يقود مكاسب القطاعات    استعد لعيد الأضحى 2024: أروع عبارات التهنئة لتبادل الفرحة والمحبة    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    السعودية تفوز باستضافة منتدى الأونكتاد العالمي لسلاسل التوريد لعام 2026    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    «يرجح أنها أثرية».. العثور على مومياء في أحد شوارع أسوان    التعليم ل طلاب الثانوية العامة: لا تغيير في كتيب المفاهيم هذا العام    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ أسيوط يناشد المواطنين بالمشاركة في مبادرة المشروعات الخضراء الذكية    موسم الحرب والغناء و303 على مسرح قصر روض الفرج.. الليلة    زغلول صيام يكتب: من فضلكم ارفعوا إعلانات المراهنات من ملاعبنا لحماية الشباب والأطفال وسيبكم من فزاعة الفيفا والكاف!    حسين لبيب: اتحمل مسؤولية إخفاق ألعاب الصالات فى الزمالك    الأزهر للفتوى يوضح فضل حج بيت الله الحرام    رئيس وزراء أيرلندا: أوروبا تقف على الجانب الخطأ لاخفاقها فى وقف إراقة الدماء بغزة    تريزيجيه: أنشيلوتي طلب التعاقد معي.. وهذه كواليس رسالة "أبوتريكة" قبل اعتزاله    أوستن يدعو وزير دفاع الاحتلال لإعادة فتح معبر رفح    وزير الدفاع: القوات المسلحة قادرة على مجابهة أى تحديات تفرض عليها    الكشف على 1021 حالة مجانًا في قافلة طبية بنجع حمادي    مع عرض آخر حلقات «البيت بيتي 2».. نهاية مفتوحة وتوقعات بموسم ثالث    تعاون بين الجايكا اليابانية وجهاز تنمية المشروعات في مجال الصناعة    ننشر حيثيات تغريم شيرين عبد الوهاب 5 آلاف جنيه بتهمة سب المنتج محمد الشاعر    هل يجوز شرعا التضحية بالطيور.. دار الإفتاء تجيب    أيام قليلة تفصلنا عن: موعد عطلة عيد الأضحى المبارك لعام 2024    أكرم القصاص: لا يمكن الاستغناء عن دور مصر بأزمة غزة.. وشبكة CNN متواطئة    الملك تشارلز يوافق على حل البرلمان استعدادا للانتخابات بطلب سوناك    تاج الدين: مصر لديها مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    أمين الفتوى يوضح ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 9215 طلب تصالح على مخالفات البناء    تعليم القاهرة تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الأبتدائي للعام الدراسي المقبل    جوزيب بوريل يؤكد استئناف جميع الجهات المانحة بالاتحاد الأوروبي دعمها لوكالة الأونروا    الهلال السعودي يستهدف التعاقد مع نجم برشلونة في الانتقالات الصيفية    الداخلية تضبط 484 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1356 رخصة خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مذابح القصير» تجسد معنى الثقافة الفاشية الطائفية
نشر في التحرير يوم 19 - 06 - 2013

تجسد المذابح التي ارتكبها نظام بشار الأسد في مدينة القصير السورية معنى الثقافة الفاشية الطائفية بقدر ما تظهر مدى عداء هذه الثقافة لذاكرة المكان في مشاهد "قد يفيض معها الدمع من الصخر"!
فمن يتأمل صور مدينة القصير بعد المذابح الأخيرة التي ارتكبها نظام بشار الأسد يشعر بأن هذه المدينة تعرضت لجريمة إبادة جماعية، وبصورة تتجاوز بكثير ما حدث لمدن أخرى في حروب شهيرة مثل ستالينجراد الروسية في الحرب العالمية الثانية، وبورسعيد المصرية في حرب 1956 وحتى سراييفو في حرب البوسنة والهرسك ابان العقد الأخير من القرن العشرين.
وكما لاحظ توبي ماتثيسن بمجلة "نيويورك ريفيو"، فإن أخطر نتائج ما حدث في "القصير" ذلك السفور الطائفي الفج، فيما يتجول مقاتلو ميليشيات "حزب الله" الشيعي بين انقاض المدينة المدمرة محتفلين مع جنود نظام بشار الأسد بانتصارهم على أبناء المدينة.
فالثقافة الفاشية الطائفية التى استبدت بنظام بشار الأسد هي ثقافة معادية للحياة كما تعبر عنها مشاهد مدينة القصير، حيث اختفى الأحياء ومظاهر الحياة، فيما انهمك محللون ومعلقون في عقد مقارنات بين القصير والمدن التي تعرضت لأقسى أنواع الدمار في الحروب مع أعداء من الخارج.
وهكذا يتحدث هذا النظام عن انتصاره بتحويل مدينة كاملة إلى حطام وتدمير نحو 50 ألف منزل لسكانها، معيدا للأذهان مشاهد العدوان على المكان في بدايات ثمانينيات القرن المنصرم بمدينة حماة السورية بقدر ما تثير هذه المشاهد من تأملات حول مدى عداء أنظمة الحكم الفاشية الطائفية للوطن الجامع بصورة قد تتجاوز ما قد يفعله أعداء الخارج.
وفيما مرت الذكرى ال115 لمولد الشاعر والكاتب المسرحي الأسباني الكبير فيدريكو جارسيا لوركا، فإن قصة اغتياله يوم التاسع عشر من اغسطس عام 1936من جانب عصابات الفاشيين في بدايات الحرب الأهلية الأسبانية تبقى شاهدا على كراهية الفاشية لأي ابداع أصيل وفكر حر فيما تحتفظ ذاكرة التاريخ بسؤال لوركا لقتلته :"ماذا فعلت لتعاملوني هكذا؟!".. ولأنهم أعداء الإبداع وأعداء الحياة، فإن الإجابة كانت بطلقات الرصاص في رأس وقلب أحد أعظم شعراء القرن العشرين.
ومع ممارسات التنكيل بكل أصحاب الفكر الحر في سوريا التي قد تتفوق على ممارسات أنظمة فاشية عبر التاريخ جاءت مذابح القصير بتعبيرها الدموي الوحشي عن الثقافة الفاشية الطائفية لتسقط شعارات ساقطة بالفعل سبق وأن رددها هذا النظام وكانت بمثابة أقنعة له ليتخفى وراء شعارات مثل: التنوير والتقدم والوحدة والمقاومة والممانعة بل وتحرير فلسطين!
ولاريب أن الثقافة الفاشية الطائفية بمذابحها وحروب الإبادة التي تشنها ضد الشعوب، كما يحدث الآن في سوريا، تمنح المسوغ للبعض في الغرب مثل توبي ماتسيثن ليوغل في التفسير الطائفي للثورة الشعبية السورية ضد النظام الفاشي ويسهب في تناول "الاصطفاف الطائفي في المنطقة كلها وبما يلعب دورا كبيرا في تشكيل مستقبل هذه المنطقة".
وفي دورية "بوسطن ريفيو" ذات المستوى الثقافي الرفيع، رأت اليزابيث هيرد أن نظام بشار الأسد يوظف الورقة الطائفية على أمل الاستمرار في الحياة على جثث الشعب السوري، بما في ذلك المنتمين للطائفة العلوية، وهو لا يتورع بثقافته الفاشية الطائفية عن زيادة مشاعر الخوف وعدم الشعور بالأمان بين المنتمين لهذه الطائفة، مع أن المواجهة الحقيقية هي بين الحرية والديكتاتورية والاستبداد.
ولعل هذه الثقافة الفاشية الطائفية تجيب على السؤال الذي قد يؤرق البعض :"من أين جاء هؤلاء القتلة وكيف يحتفلون بانتصارات على شعوبهم وتحويل مدنهم إلى أرض يباب لا أثر فيها للحياة والأحياء؟!" .. فالمواطنون في ظل ثقافة الأنظمة الفاشية الطائفية يتحولون إلى رهائن، فيما يتحول المكان الى خارطة للحروب القذرة ضد أبنائه.
وفيما أعلن الرئيس محمد مرسي يوم السبت الماضي قطع علاقات مصر تماما مع النظام السوري "الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية"، ووصف ما يجري في هذا البلد بالإبادة الجماعية داعيا المعارضة السورية للوحدة والاستعداد لبناء سوريا الجديدة، فإنه دعا الشعب المصري لمعاملة المواطنين السوريين اللاجئين في مصر مثل المواطنين المصريين تماما.
ولا يمكن وصف أي سوري يقيم في أرض الكنانة بأنه "لاجىء" حتى لو وصف بذلك من جانب منظمات دولية لأنه في الواقع اليومي وعلى مستوى الوجدان المصري والشعور المجتمعي هو "صاحب بيت"، أو "شقيق في محنة حل ضيفا كريما على مصر".
وتحفل صحف ووسائل إعلام مصرية وعربية ودولية بتقارير وتحقيقات وحوارات عن أوضاع السوريين فى مصر، فيما يبدو حضورهم ظاهرا على وجه الخصوص فى مناطق بعينها مثل مدينة السادس من اكتوبر وعين شمس ومدينة نصر والرحاب وبكل التنوعات الثرية للمجتمع السوري.
ويقول عبد الله كجك، وهو ناشط سوري فى مجال الإغاثة إن هناك خمسة مكاتب رئيسية للإغاثة فى مصر تقدم العون للسوريين بغض النظر عن الطائفة أو العرق، مشيرا إلى فتح مدرسة خاصة بالأطفال السوريين فى مدينة السادس من أكتوبر حتى يستكملوا مسيرتهم التعليمية.
واللافت على مواقع الكترونية ذلك السيل من عبارات الترحيب والحفاوة من جانب مصريين بأشقائهم السوريين في أرض الكنانة، فيما كان الرئيس محمد مرسي قد قرر معاملة الطلاب السوريين في مصر معاملة الطلاب المصريين.
ومنذ أكثر من قرن من الزمان استقبلت مصر العديد من السوريين الذين تركوا بلادهم جراء استشراء القمع التركي، وكان من بين هؤلاء المفكر الكبير وصاحب الاسهامات الأصيلة في قضية الحرية عبد الرحمن الكواكبي، بينما لا ينسى العديد من كبار السن في مصر سنوات الوحدة بين مصر وسوريا في "الجمهورية العربية المتحدة" التي تأسست يوم 22 فبراير 1958 وانتهت بالانفصال في 28 سبتمبر 1961 وإن بقت مصر لسنوات تالية محتفظة بإسم دولة الوحدة.
وربما كانت سوريا هي البلد الوحيد الذي لم يقم خياما للاجئين لأن العربي ظل دائما صاحب بيت هناك، كما أوضح الكاتب الصحفى المصري فهمي هويدي، مشيرا في هذا السياق إلى المعاملة الكريمة التي حظى بها فلسطينيون وعراقيون ولبنانيون ويمنيون وغيرهم من جانب الشعب السوري.
وأكد على أن للشعب السورى دينا فى أعناق العرب "هذا أوان سداده"، مضيفا: "لا يكاد المرء يصدق عينيه حين يرى أن السوريين أدرجوا ضمن الشعوب المنكوبة والمبتلاه بالتشرد واللجوء، وهم الذين ظلوا مفتوحي الأذرع والقلوب لكل من لجأ اليهم.. فبيوتهم كانت ملاذا لكل عربي يبحث عن مأوى".
وحسب احصاءات معلنة، يقدر عدد السكان فى سوريا بنحو 20 مليون نسمة، فيما تصل نسبة العرب السنة من السوريين إلى نحو 70 في المائة.
ويظهر طرح منشور لشلومو بروم بمعهد أبحاث الأمن القومي في اسرائيل أن العديد من الأطراف الإقليمية والدولية منهمكة في حسابات الربح والخسارة فى خضم الصراع الحالي بسوريا وسط حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل.
غير أن ماثيو نيمتز، نائب وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، كان أكثر وضوحا عندما حدد النموذج الأطلسي المنشود للنظام المطلوب في منطقة البحر المتوسط عندما عاد لعصر الإمبراطورية الرومانية "حيث سيطرت ثقافة واحدة على كل المنطقة"، معددا انجازات هذا العصر من نظام أمني منسجم واقتصاد مندمج نسبيا وحياة ثقافية مشتركة، وهذا هو النموذج المنشود للناتو فى المنطقة، وهو نموذج لابد وأن يثير القلق العربي قوميا ووطنيا واستراتيجيا.
ويزيد من شدة القلق أن المنطقة تعيش في "موزاييك" هويات متداخلة حيث بعض الدول مثل سوريا ذات ديموجرافيا مركبة، وتعاني من بيئة استبدادية تكرس أفكار الثقافة الفاشية الطائفية وتوفر أرضا خصبة للتدخل الخارجي بكل ألوانه.
إذا كانت مدينة القصير ورقة جديدة من أوراق الحزن العربي، فإن الموت الحاقد لن يعربد طويلا في ربوع الشام، ودمشق لن تتشح طويلا بالسواد ولن تكون سوى مقبرة للطغيان بقدر ما هي مساحة حرية وقصيدة حب لمدينة هي سيدة القصائد وملهمة الشعراء.. وغدا تشرق الشمس وتخلع سوريا وجعها المزمن وتهزم الثقافة الفاشية الطائفية.. غدا يتصالح الزمان مع المكان ويكف الصخر عن البكاء!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.