«أبرهة الحبشى» بطل القصة التى خلدها الله فى قرآنه لتبقى على مر الزمان شاهدة على قدرة الله ومصير من يتحدى إرادة السماء. خطيئة أبرهة الكبرى والتى أدت لهلاكه هى «الطمع»، فحينما رأى العرب يحجون إلى الكعبة ويقدسونها وذلك أثناء ما كان نائبا للنجاشى على اليمن، لم يعجبه ذلك وأراد أن يحول أنظار العرب وقوافلهم وتجارتهم إلى صنعاء، فشرع فى بناء كنيسة كبيرة بديلا عن الكعبة يحج إليها الناس كل عام بدلا منها، قيل إنه بناها بالسخرة فعذب العمال عذابا شديدا فمن تأخر عن العمل حتى تطلع الشمس قطع يده حتى أتم البناء، ونقل إليها رخاما من قصر الملكة بلقيس وأحجارا ومتاعا عظيما، كما ركب صلبانا ذهبية وفضية ومنابر مصنوعة من العاج والأبنوس. أثناء مرور رجل من بنى كنانة باليمن سمع حديثا عما فى نوايا الحبشى ورغبته فى استبدال الكعبة بكنيسته، فأراد أن يسخر منه، فتسلل إلى الكنيسة ليلا فنجسها بالبول والبراز، وحينما علم أبرهة سأل من فعل هذا؟ فقالوا له: رجل من العرب من أهل البيت الذى تحج العرب إليه بمكة. وبعد أن كانت أطماعه وحدها تحركه ملأ الغضب قلبه، رغبة فى الانتقام من العرب وكعبتهم المقدسة وأقسم أن يهدمها فجهز جيشا كبيرا، وأرسل للنجاشى يطلب منه أن يرسل إليه فيلا يملكه يدعى «محمود» لم ير مثله عظما وجسما وقوة، وتحرك الحبشى وجيشه العظيم صوب الكعبة. وخلال مسير أبرهة سمع بعض قبائل العرب بما ينويه فحاولوا منعه، فخرج عليه ملك من ملوك اليمن يدعى «ذو نفر» ولكنه هزم ووقع أسيرا بيد الحبشى، واستكمل مسيره حتى خرج عليه نفيل بن حبيب الخثعمى بأرض خثعم ومن تبعه من قبائل العرب فهزمهم ووقع نفيل بالأسر هو الآخر. وحينما وصل أبرهة إلى مشارف مكة أرسل حناطة الحميرى لأهلها وقال له: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم، ثم قل له: إن الملك يقول: إنى لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب، فلا حاجة لى بدمائكم، فإن هو لم يرد حربى فائتنى به. وقبل أن يتوجه الحبشى لهدم الكعبة استأذن عبدالمطلب للقائه، وكان قد أثار إعجاب الحبشى لما له من هالة وحضور، فسأله أن يرد إليه 200 بعير أخذها منه، فقال الحبشى «كنتَ قد أعجبتنى حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى، أتكلمنى فى مائتى بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمنى فيه»، حينها كان رد عبدالمطلب الباقى إلى يومنا هذا «إنى أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً يحميه»، فأجابه أبرهة بكبر وغرور «ما كان ليمتنع منى». بدأ أهل مكة يفرون إلى الجبال يحتمون فيها، فى الوقت الذى شرع فيه أبرهة فى تعبئة جيشه وفيله العظيم لدخول مكة، فلما وجهوا الفيل إلى مكة اقترب نفيل بن حبيب من الفيل ونادى بأذنه «أبرك محمود، وارجع راشدا من حيث أتيت، فإنك فى بلد الله الحرام»، فما كان من الفيل إلا أن برك فى وادى محسر -بين مزدلفة ومنى- ورفض التقدم نحو الكعبة، حاول جنود أبرهة توجيه الفيل فلم يستجب إلا باتجاه الجنوب والشمال أو الشرق، وكلما وجهوه صوب الكعبة برك. ثم جاء انتقام رب البيت فوجد أبرهة وجنوده أنفسهم محاصرين بأسراب من الطيور المتتابعة تحمل فى منقارها وأرجلها أحجارا صغيرة، قيل إنها لا تصيب منهم أحدا إلا تقطعت أعضاؤه وهلك. تفرق ما تبقى من جند أبرهة متقطعة أوصالهم ينشدون العودة لليمن، أما أبرهة الحبشى فقد أصيب بشدة وألم به داء تساقطت بسببه أنامله، فلما وصل صنعاء مات بعد أن انصدع صدره عن قلبه.