الليالي حبالي بالأحداث والأيام في ترقب وانتظار لكل ما يجري بمكة بعد أن باتت تئن من تهديد أبراهة الأشرم عامل النجاشي علي اليمن للكعبة والبيت الحرام بعد أن بلغت مكة شأنا عظيما ومكانة عالية بهذا البيت والأفئدة التي تهوي إليه ليل نهار مما حدا ببعض البلاد وإن كانت بعيدة بعض الشيء أن تقيم لها معابد لعلها تصرف الناس عن مكة وبيتها فأقام الغساسنة بيتا بالحيرة بالعراق وأقام ابرهة بيتا في اليمن عني بزخرفته وجلب له فاخر الأثاث والزينة حتي خيل إليه أنه سيصرف العرب بل أهل مكة أنفسهم إليه!! طاش سهم ابرهة حينما رأي العرب لا تتجه إلي بيت اليمن بل تيمم إلي البيت العتيق وأن أهل اليمن أنفسهم يهجرون بيتهم ولا يعتبرون حجهم مقبولا إلا بمكة فلم يجد والي اليمن بدا من هدم بيت إبراهيم وإسماعيل حتي يتفرغ الناس والعرب للحج إلي بيته الحديث وتهيأ للحرب في جيش جرار يتقدمه فيل عظيم يركبه ابرهة وعلمت العرب بذلك فخافت العاقبة واسقط في يد أهل مكة أن يقدم رجل حبشي علي هدم بيت حجهم ومرتع أصنامهم وهب رجل من أشراف اليمن وملوكها ويدعي ذانفر فاستنفر قومه ومن أجاب غيرهم من العرب لمقاتلة ابرهة وصده عما يريد من هدم بيت الله الحرام. لم يستطع "ذانفر" أن يصمد طويلا أمام جيش ابرهة بل هزم وأخذ أسيرا وكذلك تبعه نفيل بن حبيب الخثعمي من جمع مقاتلة قبيلتي شهران وناهس ولما وقع في الأسر وأراد أن يفتدي نفسه رضي أن يكون دليلا لابرهة وجيشه إلي البيت الحرام ولما نزل ابرهة بالطائف كلمه أهلها بأن بيتهم ليس هو البيت الذي يريد وإنما المراد هو بيت اللات وبعثوا معه من يدله علي مكة!! بلغ ابرهة مشارف مكة وقبل أن يصلها بعث رجلا من الجيش مع كوكبة من الفرسان فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم وبينها مائة بعير لعظيم مكة عبدالمطلب بن هاشم وهمت قريش ومن معهم من أهل مكة بالتصدي لابرهة ثم رأوا أنه لا طاقة لهم به فقرروا عدم مواجهته وعاد عبدالمطلب إلي مكة نصح الناس أن يخرجوا إلي شعاب الجبل خيفة ابرهة وجيشه وهم يدخلون البلد الحرام لهدم البيت العتيق!! أراد ابرهة أن يعلم عبدالمطلب أنه لم يأت لحرب وإنما جاء لهدم البيت فإن لم تحاربه مكة فلا حاجة لدخاء أهلها وأرسل إليه أحد رجاله ويدعي حناطة الحميري فلما ذكر له رسالة ابرهة رد عليه عبدالمطلب بمثلها وأن مكة أيضا لاتريد حربا وهنا اصطحب حناطة عبدالمطلب مع بعض أبنائه حتي بلغوا معسكر جيش العدو فأكرم ابرهة وفادته وأجابه إلي رد إبله ولما تعجب ابرهة من ذلك قال له عبدالمطلب قوله المأثور: أما الإبل فهي لي وأما البيت فله رب يحميه!! وفي الليلة التي عزم فيها ابرهة علي التنفيذ ذهب عبدالمطلب ومعه نفر من قريش فأمسك بحلقة باب الكعبة وهو يدعو ويقول: اللهم إن العبد بمنع رحلة ما منع حلالك.. وانصر علي آل الصليب وعابديه اليوم آلك ولما انصرفوا وخلت مكة منهم وعمد ابرهة ليتم ما اعتزم عليه ويعود إلي اليمن إلا أن وباء الجدري تفشي بالجيش وبدأ يفتك به وتمكن الوباء من ابرهة فلم يصل صنعاء إلا وقد تناثر جسمه من المرض بعد أن أمر جشيه بالعودة إلي اليمن خائفين مذعورين وحفظ الله بيته.