ظلت مكة مضرب خيام القوافل. إلا في المسجد الحرام. حتي القرن الخامس الميلادي لتناوب قبيلتي جرهم وخزاعة القيام علي البيت الحرام. وكانتا تضفلان عدم الإقامة بجوار البيت العتيق. حتي يظل واضحاً للرائي فلا يحجبه شيء.. واستمر الأمر حتي اجتمع أمر مكة لقص بن كلاب الذي جمع قريشاً يشاورهم في إمكان تعمير المنطقة. والبناء وحول مكة. وانتهي الحوار إلي الموافقة. فأسرع قصي ببناء دار الندوة. وهي تشبه في العصر الحديث قصر المؤتمرات يجتمع فيها العظماء لبحث ما يهمهم من أمور. فلا يبموا أمراً من زواج أو صلح أو معاهدة. وغيرها إلا باتفاق الجميع. بدأت قريش البناء حول الكعبة. وتركت مكاناً واسعاً لطواف. وبين كل بيتين طريقاً إلي الكعبة. ورزق قصي بثلاثة بناء هم: عبدالدار. وعبد مناف وعبد شمس. ومع أن عبدالدار كان أكبرهم سناً إلا أن عبد مناف تقدم عليه منزلة وشرف. ورغم ذلك لما تقدمت بقصي السن عهد لعبدالدار بأعباء الكعبة وسلم إليه مفتاحاً ثم ضم إليه الشقاية. واللواء. والإفادة. وهي أموال تدفعها قريش لقصي كي يصنع الطعام لمن لم يكن ذا سعة ولا زاد من الحجيج. وكانت أول صدقة لقري فضت عليهم بعد أن أبعدوا خزاعة عن مناصب البيت. وعندها قال قصي قوله المأثور: "إنكم جيران الله وأهل بيته. وأن الحاج ضيف الله وزوار بيته. وهم أحق الأضياف بالكرامة. فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام الحج". لم يمض وقتط ويل حتي نفس أبناء عبد مناف علي أبناء عبدالدار توليهم مناصب الكعبة. رغم عظم مكانة أبناء عبد مناف. فاجتمع أبناؤه الأربعة: هاشم وعبد شمس. والمطلب ونوفل. وطالبوا بمناصب الكعبة من بين أيدي أبناء عمومتهم. فدبت الفرقة بينهم. وانتصرت لكل منهما طائفة. وشكل بنو عبد مناف حلفا يسمي حلف المطيبين. لأنهم غمسوا يديهم في طيب جاءوا به إلي الكعبة. كما شكل بنو عبد الدارحلفا يسمي حلف الحلاف. وأوشكت الحرب أن يستعر أوارها. لولا لجان الصلح التي انتهت إلي جعل السقاية والرفادة في عبد مناف. والحجابة واللواء في بني عبدالدار. حتي بزغ نور الإسلام!. أحيلت السقاية إلي هاشم فهو كبير إخوته وأيسرهم. ودعا جده قصياً إلي بذل الأموال لينفقها في موسم الحج. وامتد كرم هاشم إلي أهل مكة. خاصة حين أصابهم سنة شديدة الجدب. فأطعم أهل مكة جميعاً مما خفف عنهم وطأة القحط. كما أشرف هاشم علي تنظيم رحلتي لشتاء والصيف. فعم الرخاء مكة. حتي كانت عاصمة المنطقة في هذا العصر السحق. فاتصلت بالأمم المجاورة. وعقدت معاهدات الأمن والسلام وحسن الجوار. خاصة مع الإمبراطورية الرومانية. وعقد إخوه عبد شمس معاهدة تجارية مع نجاشي الحبشة. وأبرم نوفل مثلها مع الحميريين باليمن. ومعاهدة صداقة مع فارس فزادت بذلك مكة يساراً ومنعة. وتفوق أهلها في التجارة علي سائر مدن المنطقة. اهتم هاشم بمناصب الكعبة. فلم يتزوج حتي تقدمت به السن. وخيل لابن أخيه أمية بن عبد شمس أن ينافسه علي هذه المناصب. ولكنه هزم وبقي الأمر لهاشم. وفي أمية عشر سنوات إلي الشام.. وفي عودة هاشم من إحدي رحلاته إلي الشام مارا بيثرب المدينة إذ وقع بصره علي امرأة ذات شرف وحسب هي سلمي بنت عمرو الخزرجية. فأعجب بها. وسأل هل لها زوج؟! ولما عرف أنها مطلقة وخطبها عظماء القوم. فلم تقبل إلا أن تكون العصمة بيدها. فأسرع بخطبها ليري ما قول؟ ولكن سرعان ما تنازلت عن هذا الشرط. ورحبت به لمكانته في مكة والمنطقة العربية. وأقامت معه بمكة زمناً طويلاً أنجبت له فيه ولده الوحيد شيبة في نهاية القرن الخامس الميلادي. ظل هاشم بن عبد مناف يمارس رحلات التجارة في الشتاء والصيف سنين قليلة. ولم تطل إقامة زوجة سلمي الخزرجية بمكة بعد أن حملت بشيبة عبدالمطلب فعادت إلي يثرب حيث ولد. وظل في حضانتها وفي إحدي رحلات أبيه هاشم التجارية مات بغزة. وآلت مناصب الكعبة إلي أخيه المطلب رغم صغر سنه عن أخيه عبد شمس لشرفه وسماحته. فسارت مكة سيرها الطبيعي بعد هلاك هاشم.. وإلي لقاء مع البيت الحرام. والله من وراء القصد وهو المستعان.