سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحسوم" تستحوذ على أيام الشتاء الأخيرة.. وسماتها المناخية باتت ذكرى من الماضي.. تتساوى فيها ساعات الليل والنهار لحين وقت الاعتدال الربيعي.. والعرب أطلقوا أسماءً مختلفة على كل أيامه
تشهد مصر حاليا موجة من الطقس الحار، متواصلة للأسبوع الثاني على التوالي، حيث تتعرض البلاد لارتفاع في درجات الحرارة نتيجة تعرضها ودول المنطقة العربية لما يعرف "بأيام الحسوم"، وعددها 8 أيام تبدأ من يوم 11 مارس إلى يوم 18 مارس من كل عام، وتلك الفترة هي المرحلة الأخيرة الفاصلة بين فصلي الشتاء والربيع وعندها يتجه الليل والنهار إلى التساوي في عدد ساعاته إلى أن يحين وقت حدوث الاعتدال الربيعي حول يوم 21 مارس من كل عام. تخلى الكثيرون عن ثيابهم وأغطيتهم الشتوية، لكن نشاط هواء الحسوم ليلا جعلهم يتدثرون بثياب ثقيلة تقيهم البرد، حيث بدت البرودة أشد ما تكون في المدن الساحلية وفى المناطق الريفية، وأيام الحسوم وهى فترة ذات مكانة خاصة لدى الفلاحين والمزارعين فعليها يضبطون مواعيد البذر والزرع والحصاد، فهي دليلهم ومعتقدهم وتجربتهم في الحياة مع الزراعة، حيث تتميز تلك الفترة بهبوب الرياح التي تساعد على تلقيح الأشجار والنباتات بصفة عامة. وفي أصل اللغة العربية الحسوم يعنى التتابع، فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوله عن آخره قيل له الحسوم، وفيه تباينت الأقوال في سبب تسمية أيام الحسوم بهذا الاسم ولكن الغالب ما يوحي إليه معنى اللفظ، وهو البت والحسم، فتلك الأيام فاصلة وحاسمة بين الشتاء والربيع، وهناك أقوال تفيد أنها أيام قاسية متتابعة، ويؤكد هؤلاء أن أيام الحسوم هي المذكورة في القرآن الكريم في سورة الحاقة (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) والمقصود العذاب الذي نزل بقوم عاد بسبب كفرهم وتكذيب الرسل. وعادة ما كانت أيام الحسوم قديما تتميز عن غيرها بهواء شديد البرودة، وهطول الأمطار الغزيرة، والرياح الشديدة، حيث يستعد الشتاء للرحيل ليحل محله الربيع، ولكن نتيجة لتقلبات الطبيعة والتبدلات المناخية التي سادت العالم خلال العقدين الماضيين، فقد باتت هذه السمة المناخية ذكرى من ذكريات الماضي، وبقيت فعالية الحسوم ضعيفة، إذا ما قورنت بما كانت عليه منذ ربع قرن، حيث كان بردها سلاما على الأبدان، واليوم فإن الناس تشعر بضيق شديد لهذا الطقس المتقلب بما يحمله من أمراض وأتربة علقت به ومناخ ملبد بالغيوم يثير على الاكتئاب. واللافت في الموروث الشعبي التباين الكبير في مناخ أيام الشتاء الأخيرة التي تستحوذ عليها الحسوم، حيث كان العرب قديما يطلقون اسم معينا على كل يوم من أيامها، فاليوم الأول يسمونه الأول" الصر" بمعنى شدة البرد،الثاني "الصنبر" وهو الذي يترك الأشياء كالصنبرة ما غلظ وخثر، الثالث "الوبروفيه" يقال وبر آثار الأشياء محاها وأخفاها، الرابع "الآمر" الذي يأمر الناس بالحذر منه، والخامس "المؤتمر" وهو يأتمر بأذى الناس ويرى لهم الشر ببردة، أما اليوم السادس فهو "المعلل " لأنه يعلل الناس ( يعدهم ) بتخفيف البرد، واليوم السابع "مطفئ الجمر" وهو أشد تلك الأيام لدرجة أن شدة ريحه الباردة تطفئ الجمر. ولا تقتصر فائدة فترة الحسوم على الزرع والزراعة، بل أن حلولها ذو فائدة كبيرة لجسم الإنسان إذا ما سبح في البحر في تلك الفترة، إذ يقال أن السباحة في البحر في وقت الحسوم تقي من الزكام الشديد الذي يتعرض له العديد من البشر في أيام الشتاء، وقديما وفى أقوال مأثورة في بعض الدول العربية قالوا " إذا دخل الحسوم انزع كساك وعوم"، وما هو ما يدل أيضا على بداية حلول فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة.