رسالة الفدائية «صابحة» ناقلة خرائط تمركزات العدو على صدر طفلها الرضيع قبل وفاتها بأيام: ربنا يقويك يا ريس ويحفظ جيش مصر    إزالة بعض خيام الطرق الصوفية بطنطا بسبب شكوى المواطنين من الإزعاج    مؤسس مقاطعة السمك ببورسعيد ل"كل الزوايا": تأثير المبادرة وصل 25 محافظة    الزراعة ل«مساء dmc»: المنافذ توفر السلع بأسعار مخفضة للمواطنين    «إكسترا نيوز» ترصد جهود جهاز تنمية المشروعات بمناسبة احتفالات عيد تحرير سيناء    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    أستاذ اقتصاد: سيناء تستحوذ على النصيب الأكبر من الاستثمار ب400 مليار جنيه    استقالة متحدثة لخارجية أمريكا اعتراضا على سياسة بايدن تجاه غزة    ادخال 21 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر رفح البري    في اليوم ال203.. الاحتلال الإسرائيلي يواصل أعمال الوحشية ضد سكان غزة    موعد مباراة الهلال والفتح والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    رمضان صبحي: كنت حاسس إن التأهل من مجموعات إفريقيا سهل.. ومقدرش أنصح الأهلي    «الأرصاد» عن طقس اليوم: انخفاض في درجات الحرارة بسبب تأثر مصر بمنخفض جوي    رسالة من كريم فهمي ل هشام ماجد في عيد ميلاده    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فلسطيني يشتكي من الطقس الحار: الخيام تمتص أشعة الشمس وتشوي من يجلس بداخلها    طيران الاحتلال يشن غارات على حزب الله في كفرشوبا    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    إشادة برلمانية وحزبية بكلمة السيسي في ذكرى تحرير سيناء.. حددت ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية.. ويؤكدون : رفض مخطط التهجير ..والقوات المسلحة جاهزة لحماية الأمن القومى    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شومان: الإسلام دين السلام لا يحمل عداءً لأحد وإنما أمرنا بالدفاع عن أنفسنا ورد الاعتداء.. وحدة الأمة هي الضمانة لتحقيق التعايش السلمي ونبذ التطرف والإرهاب بكل صوره وأشكاله
نشر في البوابة يوم 17 - 12 - 2015

ألقى د. عباس شومان وكيل الأزهر، الكلمة الرئيسية في افتتاح ملتقى خريجي الأزهر بماليزيا والذي يعقد تحت عنوان "وحدة الأمة تسمو على أي خلاف" وأكد في كلمته أنه عندما شرَع في كتابة كلمته وقف أمام عدة أسئلة ليتشارك فيها الحضور الفكر لطرح الحلول، وهي: هل الأمة الإسلامية متفرقة وفي حاجة إلى الاتحاد؟ وهل الميراث الإسلامي من الكتاب والسنة ترك لنا خَيارا لنتحد أو لا؟ ولماذا هناك خلاف دائم داخل الدولة الإسلامية الواحدة في هذا الزمان تحديدا؟ أما السؤال الأصعب فهو: كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ ولماذا تتداعى علينا الأمم؟ وما الذي يحول بين الشعوب الإسلامية وتحقيق الوحدة بينها؟:
وقال وكيل الأزهر إن ما يمر به العالم اليوم من أحداث مؤسفة أصابت كثيرًا من البشر في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وكوارثَ متلاحقةٍ متلاطمةٍ تلاطمَ أمواج مظلمة (ظلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)، لم يكن عالمنا الإسلامي بمعزِل عنها، بل نال أمتَنا الإسلاميةَ منها ما لم ينل غيرها من الأمم، ونجح أعداء أمتنا في النيل من العديد من دولنا الإسلامية بأساليب متعددة، منها بث الفتن التي أشعلت حروبًا عسكرية بين دول إسلامية كما حدث بين العراق وإيران، وربما بين دول تنتمي إلى ذات القومية كما حدث بين العراق والكويت، ومنها الاستهداف الاقتصادي الذي بدأ بضرب اقتصادات النمور الآسيوية الصاعدة وفي مقدمتها بلدكم الكريم، واستخدام ذرائع وأكاذيب كادعاء امتلاك بعض الدول الإسلامية لأسلحة نووية أو دعمها للإرهاب وهو ما ترتب عليه تدمير أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن بأيديهم وأيدي بعض أبناء هذه الدول للأسف الشديد، وكذلك غض الطرف عن الفظائع التي تُرتكب من دول وجماعات عنصرية كإسرائيل التي تُنكِّل بأصحاب الأرض المغتصبة وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء من الفلسطينيين على مرأًى ومسمع من العالم أجمع، وسكوت العالم على الجرائم التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وغيرها من بلاد المسلمين، فضلًا عن الصمم والعمى الذي أصاب العالم عن الفظائع التي كادت تُجهز على وجود أثر للمسلمين كما يحدث في بورما إلى وقتنا هذا، وكان من آخر مصائب عالمنا الإسلامي تلك الجماعات الإرهابية التي زُرعت بيننا برعاية ودعم كبير من أعداء الأمة التاريخيين، واتخذت من خلافات محلية وقودًا لتنفيذ مخططات تستهدف الإسلام والمسلمين، والأدهى والأمَرُّ أنها تتستر بالدين، وديننا من هذه الفظائع التي ترتكب في حق جميع البشر براءٌ براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
وأوضح إن هناك العديد من التحديات التي تواجه العالم الإسلامي وتعوق تقدمه ونهوضه إذا لم تُفهم على وجهها الصحيح، منها:
أولا: التعددية الدينية:
إن التعدد الديني لا يعد مشكلة بين المنتمين إلى بلد واحد إذا فهمنا أدياننا وبخاصة دينُنا الإسلاميُّ فهمًا صحيحًا، فقد علَّمَنا ديننا الإسلامي كيفية التعايش في ظل التعددية الدينية، وهي تتمثل في التعايش في ظل المشتركات الإنسانية وهي كثيرة جدًّا تشمل كل مناحي الحياة الاجتماعية، ويبقى جانب الاعتقاد والعبادة، ولا يضر علاقات البشر في أمور حياتهم اختلاف تعبدهم لخالقهم، فشعار ديننا الحنيف: «لا إكراه في الدين»، و«لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»، وبهذه النظرة السمحة عرفنا أن كل الناس إما إخوة في الدين وإما نظراء في الإنسانية، وقد تعامل رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - مع غير المسلمين وجعل من عبد الله بن أريقط - وهو على غير الإسلام - دليله في رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة، وتعايش مع قبائل اليهود في المدينة وعقد معهم معاهدات سلام لم ينقض منها واحدة حتى نقضوها، وقد علِمنا من ديننا أن الأصل في التعامل بين المسلمين وغيرهم هو السلام، قال تعالى: «وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ»، وعلَّمنا ديننا حرمة دماء غير المسلمين غير المعادين للمسلمين كحرمة دماء المسلمين، وأنه لا يجوز الاعتداء عليهم في دم ولا عِرض ولا مال بأي صورة من صور الاعتداء، وأن المعتدي عليهم من المسلمين يعاقَب كما لو اعتدى على مسلم، ويكفينا في هذا قول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدًا لم يُرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفًا».
وعلى ذلك فإن المتذرعين باختلاف الدين في إحداث القلاقل بين أبناء البلد الواحد وارتكاب الجرائم واستحلال الدماء والأعراض والأموال بدعوى مخالفة الدين؛ لا يفهمون دينهم فهمًا صحيحًا، وعليهم مراجعة أنفسهم للرجوع لجادة الصواب، وعلى أولى الأمر ردعهم ولو بالقوة إن لم يرتدعوا بغيرها.
ثانيًا: الاختلاف المذهبي العقدي:
إن من أهم وسائل إيقاع الشقاق بين المسلمين تقسيمهم إلى مذاهب عقدية، أي تقسيمهم إلى سنة وشيعة، وإذكاء روح الخلاف بينهم لتصل إلى اتهام بعضهم الآخر بالبعد عن الإسلام.
لقد وقع هذا الاختلاف العقدي في فجر الإسلام قبل انتهاء زمن الخلافة الراشدة، وانقسم الناس إلى سنة وشيعة وخوارج في زمن على بن أبي طالب – رضي الله عنه - فلم يكفِّر أحدًا منهم، بل رفض تكفيرهم قائلًا: «إخواننا بَغَوْا علينا»، وكان يقول للخارجين عليه: «لكم علينا ألا نمنعكم مساجد الله ولا نبدؤكم بقتال». ولذا فإن هذا التباعد بين المسلمين السنة والشيعة يمكن تضييق فجوته بالاتفاق على الثوابت التي تحترم الآخر وما يعتقده، واحترام آل بيت النبوة وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم – بحيث يبقى الإسلام هو الشجرة التي يستظل الجميع بظلها الوفير، ومن ثم لا يكون هناك حاجة لأن يسعى السنة إلى جلب الشيعة إلى مذهبهم، ولا الشيعة إلى تشييع السنة.
ثالثا: الخلاف المذهبي الفقهي:
ينبغي ألا يعد الخلاف الفقهي من الأسباب المؤثرة في استقرار المجتمعات المسلمة أو المعيقة لانطلاقتها نحو التنمية والتقدم، بل ينبغي أن يكون من عوامل التيسير على الناس في حياتهم، حيث إن الخلاف الفقهي بين المذاهب الفقهية المتعددة يرجع إلى أسباب علمية معروفة كاختلاف الدلالات اللغوية لبعض الألفاظ، والاختلاف في فهم المراد من النص، وظنية العديد من النصوص الحاملة للأحكام، وهو ينحصر في الفرعيات التي لا يضر الامتثال إليها على أي مذهب فقهي معتبر، فالقاعدة أن «كل مجتهد مصيب»، وقد بُنيت هذه القاعدة على قول رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد»، والخطأ في الاجتهاد غير الغلط، فمعنى الخطأ: عدم توفيق المجتهد في الإتيان بحكم في المسألة الفرعية يتوافق وحكمها الذي هو في علم الله، ولما كان إدراك الحكم الذي في علم الله مستحيلًا بعد انقطاع النبوة كان المجتهد مَعفُوًّا عنه وغير مطالب به، وإنما عليه بذل الوسع واستنفاد الجهد واتباع القواعد، فإن فعل فما توصل إليه من حكم فهو صحيح في حق المكلفين ولذا أُجِرَ عليه، ولو كان خطأ بمعنى الغلط لأَثِمَ ولم يؤجر عليه ولو بأجر واحد، أما مسائل الأصول وهي الثابتة بأدلة قطعية ثبوتًا ودلالة فلا خلاف حولها كأركان الإسلام الخمسة والمحرمات كالردة والقتل والسرقة وغير ذلك.
رابعا: الانهزام والإحساس بالضعف:
إن من أكبر التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية عدم الثقة بالنفس والتهويل من قوة الآخر والافتتان بحضارته، مع أن حضارات الآخرين تعتمد في كثير من مقوماتها على حضارة المسلمين، وحتى اقتصاداتهم التي احتلوا بها الصدارة في عالم المال والاقتصاد مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باقتصادات وأموال المسلمين، وهذا الشعور بالضعف والهوان جعل الكثير من دولنا الإسلامية يدور في فلك هذه الدول التي لا تعرف إلا مصالح شعوبها ولا يعنيها معاناة المسلمين ولا تسعى لتخفيفها بل كل أفعالها تشي بسعيها لمزيد من إضعاف أمتنا الإسلامية والعربية ونهب ثرواتها، وهذا الشعور بالضعف هو الذي يذهب قوة المسلمين ويفقدهم هيبتهم في نفوس هؤلاء المتغطرسين، وحقيقة الأمر أننا لسنا أمة ضعيفة بل إننا نملك الكثير من عوامل القوة القاهرة لمن تسوِّل له نفسه النيل من الإسلام والمسلمين اقتصاديًّا أو عسكريًّا، والتاريخ حافل بمشاهد النصر للمسلمين في كل الميادين حين كان المسلمون يعتزون بإسلامهم ويلتزمون منهجه وضوابطه وقيمه، ولم يبادروا بالانسلاخ من هُويتهم جريًا وراء سراب وبريق خادع لحضارات هشة أشبه ببيوت خَرِبَة أساساتها سطحية غير أنها طُليت بطلاء الحرية والعدالة والديمقراطية.
خامسا: التشدد والفكر التكفيري:
إن الحديث عن خطورة الفكر التكفيري يدعونا إلى الاستفادة مما قدمه العلماء الثقات من أنحاء المعمورة الذين أجمعوا على خطورة الفكر التكفيري وبيَّنوا للناس أن ديننا دين السماحة يأبى تكفير الناس إلا بيقين، وأنه لا مجال لتكفير من نطق بالشهادتين إلا بجحدهما جملة أو إحداهما، أو أنكر ما عُلِمَ من ديننا بالضرورة، كما بينوا أن الحكم بالتكفير إنما هو من اختصاص القضاء، أما العلماء فمجال حديثهم في التكفير يقتصر على التحذير منه، وبيان خطورته، وتوضيح الأمور المكفرة دون إسقاط أحكام الكفر على الناس كما يحلو لكثير من مدعي العلم في زماننا، وأمر هؤلاء يثير الشفقة عليهم في نفوس العلماء العارفين بخطورة التكفير، ويكفي لبيان غفلة هؤلاء المكفِّرِين قول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المرء لأخيه يا كافر فقد باء بإثمها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رُدت إليه»، ولعلهم سمعوا يوما قول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لسيدنا أسامة بن زيد منكرًا قتله لرجل قال لا إله إلا الله حين أدرك أنه مقتول: «فهلّا شققت عن قلبه»، وإنكاره كذلك – صلى الله عليه وسلم - على سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد قتله جماعة في معركة بعد أن قالوا: «صبئنا»، وهي مجرد كلمة لا تعني أكثر من الخروج من دين إلى دين آخر، ولذا تَصدُقُ على من خرج من الإسلام إلى الكفر، وعلى من خرج من اليهودية إلى النصرانية، ولا تختص بالدخول في الإسلام أو الخروج منه، ومع ذلك رآها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كافية وموجبة للتوقف عن قتالهم حتى يعلم حقيقة أمرهم، لاحتمال دخولهم في الإسلام؛ حيث كانوا يقاتَلون عليه، ولذا أنكر رسولنا الكريم على سيدنا خالد وتبرأ من فعله فقال: «اللهم إني لم آمر، ولم أشهد، ولم أرضَ إذ بلغني، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». فإذا كان مجرد الشبهة كافيًا لعصمة النفس، وإن احتمل وجود الكفر فيها، فما بالنا بأناس يكفرون قومًا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون لمجرد اختلافهم معهم في أمر من أمور الدنيا قد يكون اعتناق نهج سياسي لا يرضي حَمَلَةَ صكوك التكفير والإيمان ممن ابتلينا بهم ممن يحسبهم الناس من علماء الزمان وليسوا كذلك، بل إن العالم الحقيقي لا يحكم بكفر شخص احتمل الكفر من ألف وجه واحتمل الإيمان من وجه واحد، حذرًا من أن يكفِّرَ مؤمنًا فيكفر.
وأكد وكيل الأزهر إن هذه التحديات التي ذكرتها وغيرها مما يعوق انطلاقة الأمة الإسلامية واستعادة مجدها وريادتها، لا سبيل لمواجهتها إلا بالتحرك العاجل لتحقيق وحدة قوية بين سائر الدول والشعوب الإسلامية تحقيقًا لقوله تعالى: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ»، فقد علمنا من كتاب ربنا أننا ينبغي أن نكون أمة واحدة وإن تباعدت أقطارها، قال تعالى: «وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً».
وليس المقصود من الوحدة المنشودة اليوم أن تصبح دول المسلمين دولة واحدة؛ لأن هذا غير ممكن في زماننا لعدم الاتصال الجغرافي، كما أنه ليس مقصودًا وحدة الحكم والحاكم الذي يحكم جميع المسلمين تحت نظام واحد؛ حيث إن شريعتنا تستوعب أنظمة الحكم الحديثة وإن اختلفت مسمياتها وتعددت، فكل ما يتعارف عليه الناس من أنظمة الحكم التي يرتضيها الناس بينهم لا تأباها شريعتنا السمحة، ولكن المقصود وحدة الهدف الذي يسعى إليه المسلمون، وهو العمل على رفعة الأمة وقوتها واستقرارها وأمنها، ووحدة القرار المتخذ لمجابهة الأزمات التي تتعرض لها الأمة مجتمعة كالتصدي لمحاولات أعدائها لإضعافها، أو تلك الأزمات التي تهدد استقرار وأمن دولة من دول المسلمين، كفلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من بلاد المسلمين، وما يتهدد الأقليات المسلمة كما في بورما وأفريقيا الوسطى والعديد من الدول الأوربية وغيرها، فقد عرفنا من شريعتنا أن «المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضه»، وأن غير المعنيِّ بأمر المسلمين ليس منهم، فلا يشترط لانزعاج دولة مسلمة أن يكون هذا المزعج قد داهم حدودها، ولكن جسد الأمة الإسلامية جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وأوضح د.عباس شومان أن تحقيق حلم وحدة الأمة ليس مستحيلًا وإن كان تحقيقه غير منظور في الأفق القريب، فلسنا بأقل من الأمم الأوربية التي حققت الوحدة بين دولها على كثرة الخلافات فيما بينهم من تعدد الديانات وتباعدها واختلاف الثقافات وتنوعها أكثر مما بين المسلمين، فإن العديد من دول المسلمين يتحدث بلغة واحدة هي لغة القرآن الكريم، وحتى من يتحدثون بغير العربية يجمعهم كتاب الله وسنة رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم - ولذا فينبغي ألا يعد اختلاف الألسنة عائقًا يحول دون تحقيق الوحدة المنشودة.
وحتى تتحقق هذه الوحدة يلزمنا القيام ببعض الأمور اللازمة، منها:
- القناعة بأن هذه الوحدة هي سبيلنا الأوحد وخيارنا الإستراتيجي الذي لا بديل عنه.
- الإيمان بالتعددية المذهبية والفقهية، وعدم سعي فريق للاستحواذ على فريق آخر أو النيل من معتقداته.
- السعي الحثيث لإحداث تقارب بين السنة والشيعة ونبذ صور التعصب المقيت الذي يباعد بين الطرفين ويضع العراقيل التي لا يمكن معها تحقيق أي وحدة بين المسلمين.
- احترام أنظمة الحكم وقوانين كل دولة من دول المسلمين وعدم التدخل في شأنها الداخلي.
وأشار إلى أن هناك صورًا متعددة تدعم اتجاه الأمة الإسلامية إلى الوحدة، منها:
1- الوحدة الفكرية:
ويراد بها الاتفاق على معايير ومنطلقات محددة تضبط حركة الفكر الإسلامي ليبني خطابًا غير متنافر ولا متضارب ينطلق من ثوابت الدين مستفيدًا من تراثنا ومناسبًا لزماننا، وهذا يقتضي تبني مناهج تعليمية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة وتراعي التفاوت الثقافي بين الدول والشعوب، مع تبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية والدعوية والثقافية في الدول الإسلامية.
2- الوحدة الاقتصادية:
وهذه الوحدة لا تعني بالضرورة انتقال ثروات الدول الإسلامية الغنية إلى الدول الفقيرة، ولكنها تعني إقامة الأسواق المشتركة التي تحقق التكامل بين الدول الإسلامية وتغني إلى حد كبير عن الاعتماد على الأسواق الأوروبية والغربية التي تتأثر بالاختلافات السياسية وتستخدم في كثير من الأحيان للتأثير على قرارات وتوجهات الدول الإسلامية.
3- الوحدة العسكرية:
التكامل العسكري بين الدول الإسلامية أمر في غاية الأهمية، وليس بالضرورة أن يكون للمسلمين جيش واحد وقيادة واحدة، ولكن توقيع اتفاقات بين الدول الإسلامية للدفاع المشترك ضد أي اعتداء يقع على أي دولة إسلامية، ولا مانع من تكوين تحالف على غرار «حلف الناتو» مثلًا تشارك فيه جميع الدول الإسلامية وتحدد اتفاقياته كيفية تعامله وتدخله عند حدوث الأزمات دون تعقيدات ومفاوضات قد لا يحتملها الوقت عند حدوث الأزمة.
وفي ختام كلمته قال وكيل الأزهر إننا اليوم في حاجة ماسة إلى إزالة كل أسباب الاحتقان بين مكونات وأنسجة الشعوب في دولنا الإسلامية لنتوحد جميعًا ضد هجمات ومؤامرات تحاك لبلادنا وتسعى لإيقاع الفتن بيننا مستغلة تعددات عقدية أو مذهبية عرفها تاريخنا الإسلامي منذ الصدر الأول للإسلام ولم تؤثر على لُحمة أسلافنا وتعايشهم السلمي مع مخالفيهم من بني أوطانهم، بل أقر ديننا الحنيف هذه التعددية بنصوص قرآنية كثيرة، منها قوله تعالى: «لا إكراه في الدين»، وقوله: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم أجمعين أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، وقوله: «لكم دينكم ولي دين».
وأود التأكيد في ختام كلمتي هذه على أن ديننا دين السلام لا يحمل عداءً لأحد، وإنما أمرنا بالدفاع عن أنفسنا ورد الاعتداء، وأن هذه الوحدة هي الضمانة لتحقيق التعايش السلمي ونبذ التطرف والإرهاب بكل صوره وأشكاله.. حفظ الله بلاد المسلمين، ورفع راية الإسلام عالية خفاقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.