طرد نجيب محفوظ ونوال السعداوي وتوفيق الحكيم من المكتبات.. وينتسب لحسن البنا وسيد قطب لو ألقى محاضرة في «قصور الثقافة» سيكون عنوانها «عدّية ياسين عند النقشبندية» و«أصول الرقية الشرعية» و «ما يقرأ عند ختان الولد» لا يملك مثقف «ضخم» بحجم طارق حجى الآن إلا أن يعتزل، أو ينعزل. لقد حمل على كتفيه –طوال 50 عاما– همّ «التنوير»، المصطلح الذى يمنحه شرعية الحياة والوجود فى العمل العام، عرفوه مفكِّرًا تنويريًا يقف ضد طيور الظلام فى كل زمان ومكان، له محاضرات وصلت إلى 70 مليون مشاهدة على «يوتيوب»، يحتفل بها دوريًّا، كيف يجلس على رأس مائدة المجلس الأعلى للثقافة الذى يضمه مدرس مساعد بجامعة «الأزهر» إذن؟ هذه أزمة عبد الواحد النبوي، الموظف بوزارة «الثقافة»، أنه أقلّ قيمة وقامة وشهرة وعلمًا ودرجة من كل الرموز المصرية، الجالسين فى هيئات الوزارة.. جلّ ما يؤرق نومهم، ويحلمون به ليلًا ونهارًا «التنوير»، به عزلوا «مرسي»، وطردوه من القصر.. وانطلقت رياح الثورة ضد «الإخوان» من الزمالك، حيث اعتصام فى وزارة يحتلّ دواوينها الآن وزير جاء من غياهب «الأزهر». ■ أين يقف الآن من الأزمة؟ كل من اقتربوا منه قالوا إنه لا يعلم عن الثقافة، ولا عن المثقفين شيئًا.. لديهم تعريفٌ خاص ل«دور وزارة الثقافة»، فهى التى تحافظ على مدنية الدولة، لكن «الأزهري» الذى يمسك بخيوط اللعبة يدفع الأزمة إلى الحريق، التى ستأكل الجميع، بتصريحه الأخير: «التنوير مصطلح سيئ السمعة». ■ هل كان التصريح بكل هذه القسوة؟ بالنسبة لرموز الثقافة المصرية، لقد بنوا أمجادهم على «التنوير» و«العولمة»، ومعانٍ جاء اليوم «النبوي» يقول إنها مصطلحات سيئة السمعة.. ومن يروّجون لها «مشبوهون» إذن. توابع التصريح اختار طارق حجي الذى يعرف نفسه على موقعه الرسميّ ب«مفكر ومؤلف وخبير استراتيجى مصري» أن يخرج من تحت يديه، استقال من المجلس الأعلى للثقافة، ونشر بيانا على صفحته يقول فيه: «بسبب الانحدار الذى وصل له الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الذى تمثل فى وصفه لمصطلح «التنوير» بأنه مصطلح «سيّئ السمعة» لا أملك معه إلا الاستقالة من عضوية لجنة العلوم الإدارية بالمجلس». يلمس «حجي» وترًا حساسًا لدى أغلب المفكرين والمثقفين المصريين، ولديهم رصيد ضخم فى المكتبة العربية، من تفكيك التراث الإسلامي، وتفجير الجماعات الإرهابية، يقول: «أنا كمؤلف لعشرات الكتب ولمئات المقالات التى محورها الأساس هو التنوير أشعر بالإهانة لفكرى ولشخصى من التواجد بأى شكل من الأشكال بوزارة على قمتها شخص فى حالة تضاد مع الحداثة، أو بمجلس أمينه العام لا يؤمن بأهم القيم التى أؤمن بها، وأسعى منذ صدور أول مؤلفاتى منذ 37 سنة لترسيخها فى مناخنا الثقافى». ثم يلمح «حجي» إلى أن «النبوي» وقيادات وزارة الثقافة الجدد ينتمون لجماعة «الإخوان»، خاصة بعد أن فرَّغ الوزير الكراسى المهمة بالوزارة من أحمد مجاهد، ومحمد عفيفي، قائلًا: «أنتسب (وهذا شرف عظيم لى) لرموز مثل طه حسين وسلامة موسى وحسين فوزى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ونوال السعداوى، ومن ينتسب لمثل هؤلاء العمالقة لا يمكن أن يجمعه شىء بمن يتبرأون من التنوير، وكأنهم يقولون نحن نتبرأ من فولتير وديدرو وروسو وننتسب لحسن البنا وعبد القادر عودة والسيد سابق وسيد قطب». يزايد «حجي» على كل من يتهم عبد الواحد النبوى بالفشل فى إدارة وزارة «الثقافة» المصرية، إذ أنّ كل من يشككون فى الرجل، يذهبون إلى صفقته مع وزارة «الأوقاف»، وكونه من خلفية أزهرية، إنما «المفكر المغرور» يصيب بالسهم منتصف الهدف.. يعاير «النبوي» ب«جهله».. يقول: «عناوين مجموعة محاضرات سيلقيها المثقف الكبير عبواحد عبواحد للشباب من خلال قصور الثقافة: نظرة جديدة لروايات فلوبير... الوجودى ما بين مسرح ألبير كامو ومسرح سارتر... إعادة اكتشاف بودلير... نظرات فى مسرح هنريك إبسين... أثر المسرح الإغريقى على جان جيرودو... معرفة جوته بالشرق والإسلام... التعريف بجون شتاينبيك... مقدمة لأدب سميزدات: أليكسندر سولجينيستين كمثال... الديالكتيك: من هيجل إلى ماركس مرورا بفويرباخ... عن نيتشة وفاجنر... لويجى بيرانديللو فى كتابات مى زيادة... عالم برتولد بريخت... مقدمة لمسرح تشيخوف... عدية ياسين ما بين الطريقة النقشبندية والطريقة التيجانية... أصول الرقية الشرعية عند الإمام بارم ديله... ما يقرأ عند ختان الولد... ونظرًا لخصوصية لغة المثقف الكبير عبواحد عبواحد، فسيلقى الشيخ زوبعة أبو سروال أحمر أستاذ فقه اللغة بجامعة الأزهر محاضرة عن خصوصية لغة العلامة عبواحد عبواحد تحت عنوان: الوزير يقول إحنا بنعمل كذا حاجة فى الخباثة! فما هى المدلولات الفيلولوجية لهذا التعبير العبقرى الفريد». لا يجد «حجي» ما يعيبه فى أن يهاجم عبد الواحد النبوى بلا رفق، لا تأخذه به رحمة، صديق سأله: خلال العقود الأربعة الأخيرة، شغل منصب الوزير فى حكومات متعاقبة، من هم أسوأ من عبد الواحد.. لماذا يضايقك اختياره الآن؟ كانت الإجابة حاضرة وساخنة عند «حجي».. ردّ: «أى وزير عندى شيء ووزير الثقافة شيء آخر، أنا إنسان أرتبط بالقراءة والمعرفة منذ سنة 1960، ولم يمر يوم فى حياتى دون قراءة حدها الأدنى أربع ساعات وأحيانا 12 ساعة، والثمرة: مكتبة بها أكثر من 25 ألف كتاب، ورغم إننى تعاملت ولا أزال مع العديد من رؤساء الدول والمليارديرات وكبار الساسة العالميين، يعلم الله أن إجلالي للثقافة ولكبار المثقفين هو الأعلى، لذلك، فإن وجود عبد الواحد فى منصب وزير ثقافة مصر يمثل عندى إهانة لأكثر ما أقدس فى الحياة، بل وأجده يمثل إهانة رباعية الأبعاد: إهانة لمصر وإهانة للثقافة وإهانة للمثقفين وإهانة للدولة المدنية التى كانت الهدف الأسمى لثورة 30 يونيو 2013، وكما قال عباس العقاد فى 1935 وهو يخاطب مصطفى النحاس إن محمد توفيق نسيم رئيس وزراء مصر وقتئذ سيسقط قبل أن يبلى قلمه الرصاص، فأنا أقول إن قلمى لن يتوقف عن الكتابة قبل أن تتحرر وزارة الثقافة ممن رمتهم علينا رياح الأصولية الرديئة».