لم تخلو أي حقبة زمنية في تاريخ العرب، أو ما كان يعرف بالدولة الإسلامية، من محاولات لإضعافها والنيل منها، وهو ما كانت الشعوب العربية تقف له بالمرصاد، سواء بالموجهات العسكرية، مثل الحروب الصليبية وحروب التتار، التي ردت الغزاة عن المنطقة العربية، أو بالمواجهة الفكرية، التي تصدى ليها مفكرو ومثقفو العرب، الذين صنعوا ثقافة عربية لا تزال هي المنبع الأول للمواطن العربي. وهكذا ظل حلم النيل من الوطن العربي صعبا أمام المحتل والمستعمر الغربي الطامع في خيرات المنطقة، طالما بقيت المنطقة وحدة واحدة أو شعب عربي واحد أمام أي هجمات، وهو الأمر الذي أدركه الغرب جيدا منذ سبعينيات القرن الماضي، فبعد أن كان الوطن العربي في أوج قوته بعد إنهاء العديد من الدول الحقب الاستعمارية، وخوض الجيوش العربية حرب أكتوبر ودحر المحتل الإسرائيلي، كان وقتها جميع الدول العربية لها التوجهات نفسها في المنطقة، وكان العدو واحدا، ولا ثمة خلافات بين دول المنطقة، حيث كانت إيران دولة صديقة للعرب ويحكمها نظام الشاه المقرب من السنة، وهنا كانت الثغرة التي يجب أن تتسلل منها الولاياتالمتحدة الى المنطقة، فبدأت في إعلاء النزعة المذهبية في المنطقة، وتقسيمها إلى دول سنية ودول شيعية، مع إشعال الخلافات المذهبية بين أصحاب البلد الواحد، فبدأ التقسيم الطائفي متزامنا مع التقسيم الجغرافي، فأصبحت المنطقة مقسومة بين إيران وأحلامها التوسعية، والدول العربية التي تدافع عن هويتها أمام محاولة إيران تذويب المنطقة في الثقافة الفارسية وليس حتى الإسلامية. وكشفت حرب الخليج الأولى بين العراق العربي وإيران الفارسية، أولى طبائع الدولة الجديدة في المنطقة، حيث بدأت الخلافات تحدث في المنطقة العربية لأول مرة بين دولتين كانتا قريبا تحت شعار أكبر هو الدولة الإسلامية. خرجت المنطقة من حرب الخليج الأولى لتواجه واقعا جديدا هو وجود دولة على الجوار لاتتفق مع توجهات الانظمة الموجودة في المنطقة الخليجية، وهي دولة ليست صديقة بل تسعى إلى السيطرة على المنطقة، ولم يكن أحدا يعلم أن حرب الخليج مجرد شرارة لفرض عقوبات على دولة العراق، حيث بدأ مسلسل العقوبات على العراق واتهامه بحيازة أسلحة نووية، حتى تم إسقاط النظام العراقي وتسليمه لإيران العدو القديم، وهنا بدا أن حلم تقسيم المنطقة أقرب من ذي قبل. كان العراق هو حصن العرب من الشمال، أمنه هو أمن قومي لدول الخليج، وقبل سقوطه في براثن الغزو الأمريكي، لم يكن ثمة مشكلة في دول الخليج وكانت الحركات الإرهابية الموجودة غير مدفوعة سوى من بعض الأفكار الهدامة من قبل بعض المتطرفين، لكن لم يكن هناك جماعات مدفوعة من الخارج، فبدأت إيران للمرة الأولى في التسلل للبحرين والسعودية من جهة العراق، حيث صار الأخير ليس فقط مصدر الأوامر لأذناب إيران في البحرين، ولكنه صار أيضا ساحة لتدريب العناصر الإرهابية التي تنفذ عمليات إرهابية في كل من البحرين والسعودية، إذ تكشف التحقيقات الأخيرة التي قامت بها السلطات البحرينية لدى ضبطها الخلية الإرهابية المسماة بسرايا الأشتر، أن العناصر المضبوطة تدربت في العراق على تنفيذ العمليات الإرهابية. إذن فقد نجح الغرب أخيرا في تقسيم المنطقة سياسيا وطائفيا، وبعد انتهاء المخطط عادت العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدةالامريكية كما كانت في السابق قبل 1979، وأصبح من السهل التدخل في الشوؤن الداخلية لدول الخليج، بالتعاون بين أمريكاوإيران، وهو التطور الذي أصبح بفرض توجهات جديدة في المنطقة التي تحارب الإرهاب، إذ لم يعد مقبولا أن يتم محاربة الإرهاب من منظور عسكري فقط، فإذا أردات الدول العربية محاربة الإرهاب حقا فعليها أولا محاربة الطائفية في المنطقة ومقاومة النزعة الطائفية في مقابل إعلاء النزعة الوطنية أو القومية العربية، وهو ما يستدعي تغيير الدساتير في دول الخليج العربية لحظر كل ما هو طائفي بداية من الجمعيات السياسية الشيعية في البحرين ومنظمات حقوق الإنسان الطائفية المدافعة عن أذناب إيران في المنطقة، ومنع كل من له صلة أو ارتباط بالخارج من ممارسة العمل السياسي، صونا وحفاظا على وحدة وهوية الأمة العربية.