كنت في مدرسة الإيمان الثانوية.. والإيمان الثانوية بنات كنا نتسابق لكي نصل إلى المدرسة قبل السابعة حتى نرى بنات الإيمان الثانوية يتجاوزن مدرسة الثانوية بنين في شارع ابن الرشيد حتى يتجهن الى جزيرة بدران والوصول الى مدرسة الإيمان الثانوية بنات.. الهدهد يقف على شباك غرفتي لأفتح له شباكي.. يطوف مرة أو اثنتين ثم يخرج إلى شارع على خلف.. لا أذكر أحدا أيقظني طوال ذهابي للمدرسة كل يوم قبل السادسة يوقظني الهدهد وقرآن عم إسماعيل القهوجي. قبل الشروق أخرج من البيت الى الشارع... أحياناً أفطر كسكسي من عند سعديه التي تجلس بحلة الكسكسي على ناصية الشارع وأحياناً أقف عند عربة الفول بالقرب من سيدي الحلي وأحياناً أشق طريقي داخل سوق روض الفرج للأفطار مع العمال والفلاحات عدس بالسمن البلدي... ثم أقف على ناصية مدرسة الإيمان الثانوية مع أصدقائي كمال ومجدي وعمرو ومنعم كنت أنتظر قدوم إيفون... وعند إقترابها أتحرك في سرعة خاطفة حتى أصل الى مواجهتها عند ناصية جزيرة بدران أتلقف أنفاسي وأنا اركز في اصطياد نظراتها... وعندما تتقابل نظراتنا ويشرق وجهها بإبتسامتها الخجولة.. أعود نشوة وراحة الى شارع بن الرشيد قبل غلق باب المدرسة ... أستمرت علاقتي بإيفون على تلك الحالة عاماً كاملاً... لا أذكر أني سمعت صوت إيفون طوال العام الثانوي الأول.... ثم أجازة نهاية العام... والذهاب الى دكان الجد في شارع الصناديلي بسيدنا الحسين... وكلما أتوقف أمام فتاة أتذكر ابتسامة إيفون ولؤلؤه عينها الجميلة. بداية العام الدراسي الثاني... أخترت القسم الأدبي وكالعادة نبدأ في إقامة مباريات عنيفة متنافسة بين الشوارع والأحياء فوق أسفلت شوارع المساكن ... الجمعة موعد المباراة.. جهزت نفسي ونزلت من البيت في السادسة صبحاً كنت أحب الكره لإجادتي التصويب بقوة جريت جري هادىء من شارع على خلف حتى مساكن سيدي فرج.. فوجئت بزحام شديد من جمهور هذه المبارايات وبدأ المباراة ... وفجأة وقعت على رصيف الشارع، كسرت جمجمتي من الخلف ... حملني أصدقائي أحمد صابر وأيمن وعماد وبهاء وكمال الى مستشفى رملة بولاق العامة ... ارتجاج المخ الذي أصابني أفقدني الذاكرة... بشكل مؤقت ولمدة خمسة عشر يوماً ... وعندما أدركت أبي وأمي وأخوتي مر وقت طويل... نسيت فيه كل شىء حتى مادرسته لم أتذكر منه شىء لدرجة عدم إستطاعتي كتابة إسمي... لذلك لازمت غرفتي لا أحدث أحد ولا أحد يحدثني سوى هدهد الصباح الذي لم ينسى إيقاظي في السادسة من كل يوم رغم عدم ذهابي للمدرسة كنت أستيقظ ليدخل الهدهد ثم أعود للنوم والذهاب لدكتور العلاج الطبيعي وهكذا حتى جاء اصدقاء المدرسة يتضاحكون ويتسامرون وأبي يستمع اليهم في لطف تعوياً عن صمتي أو لعل حكاياتهم تذكرني بحكايتي التي نسيتها ... يضحك مجدي أو الطاهر وهو مطرب الحي الى الآن وهو الشخصية الحقيقية التي جسدها (محمد نجاتي) في فيلم المدينة 1998م – 2000م... مجدي يخبر أبي أنهم قرروا جمع نقود من فصول المدرسة بسبب الحادثة التي تعرضت لها وحقق هذا المرور على الطلبة جمع عشرين جنيهاً وبدلاً من إحضار هدية لي بالمبلغ .. قرروا مجدي وعمرو ومحمد حسين وكمال سعد أن يقضوا بالمبلغ يوماً كاملا صباحاً في حديقة الأسماك ومساءاً داخل السينما... يضحك أبي في لطف ودون عتاب .. في العام التالي بدأت أستجمع ذاكرتي وصحتي فبدأت أذهب الى مدرسة الإيمان من جديد وأول شىء تذكرته وانا اقترب من شارع ابن الرشيد هو وجه إيفون الملائكي... تذكرت إبتسامتها ... ورقة حركتها وضعف بنيانها ونعومة شفتيها وطول شعرها... ولون بشرتها الخمري والدقة في ذقنها ... تذكرت إيفون فوقفت على ناصية المدرسة بتلقائية وتقترب إيفون وبدلاً من الجري الهستيري حتى أواجه بسمتها فوجئت بنفسي تتحرك في هدوء حتى وقفت أمامها وسط ذهول أصدقائي وأصدقائها ... قلت لها (أنا بحبك يا إيفون)... ثم أستدرت ولا أذكر أني تحدثت فيما فعلته حتي اليوم التالي لتقترب إيفون وتقف أمامي بنفس الجرئة وتطلب اللقاء عند دكان عم قاسم بائع الإيس كريم بشارع شبرا... وطوال الطريق من إبن رشد حتى شارع شبرا مروراً بجزيرة بدران .. كان أصدقائي ينصحون أذني التي لم تسجل أي شىء... بعد صوت إيفون وهي تذكرني موعد القاء عند كان عم قاسم .. يقترب الموعد .. يزداد توتري ... تقترب إيفون وهي تمسك بورقه.. نظرات إليّ ومدت يدها لتعطيني الورقه الجواب حاولت أن أدعوها لنأكل آيس كريم قاسم لكنها إمتنعت لتستدير وتنصرف فما كان مني إلا شراء بسكوته آيس كرييم ثم الهرولة خلفها لأقدم لها الآيس كريم.. ولم أجرؤ على فتح جواب إيفون حتى وصلت إلى غرفتي ... فتحت الجواب..(أنا معجبه بيك لكن ماينفعش الحب ده يكبر لأنك مسلم وأنا مسلم وأنا مسيحية من فضلك بلاش تحرجني وتستناني تاني... إيفون) وفي اليوم التالي دخل الهدهد غرفتي وأنا أجري الى الشارع لأقف على ناصية ابن الرشيد أنتظر إبتسامة إيفون. تمت بحمد لله