كنت أحب مشاهدة كارتون سندباد فى أيام الإجازة والنزول صباحاً إلى الشارع لأكل زلابية سعدية.. والذهاب الى جدى قبل خروجه للدكان.. أفعل كل ما سبق قبل قيام أبى من نومه كنت أهرب من الذهاب معه.. وأفضل الذهاب مع جدى الذى يسير بى على كورنيش النيل من روض الفرج حتى كوبرى أبو العلا.. مسافة العمر الجميل.. يده الضخمة تخفى يدى وجلبابه يخفى عنى سيارات الطريق.. لا أرى سوى النيل الذى يكشف لى كنزه الفضة أضحك وأنا أشير تجاه الكنز الذى يضوى فى عينى.. وجدى يحكى لى عن السمكة التى تصاحبه وهو قادم من الكوامل بسوهاج على ظهر صندل النهر.. يجلس جدى على سور الكورنيش ثم يلتفت إلى هاوريلك السمكة الفضة علشان لما أموت تبقى تيجى تشوف السمكة ما فهمتش حاجة واعتبرت الكلام ده حدوثه ذى الحواديت اللى جدى بيكتبهالى كل شويه.. وصلنا لكوبرى أبو العلا ووقف كعادته وسط الكوبرى عند صباح يكلمها وانا أكل السودانى وابطى على فضة النهر وعينى بتدور على السمكة.. المرة دى كانت أجمل مره خرجت مع جدى.. كان جميل بشوش.. وكانت الناس بتهل عليه تسلم وتشد فيه علشان يقعد معاها وصلنا الدكان وبدأ جدى يرقص على غير عادته وسط النهار.. صوت الذكر يحركه.. يدور جدى وسكان الزمالك يتابعونه بشغف. أيقظتنى أمى وهى ترتدى طرحتها وينظر الى أبى ولا يدعونى للذهاب معه.. مستشفى اليونانى كالجنة بيضاء اللون بلا جدران.. عالية بلا سقف الشجر فى كل مكان.. وقفت أمام النافورة أنظر إلى الماء تذكرت سمكه جدى.. جدى يبطء فى تنفسه... جلست بجواره.. كان يبتسم لى فقبلت يده لم يحملنى على كتفيه كعادته.. بكيت وحدى أمام فضة النهر.. اتذكر جدى وهو يخفى كفى فى كفه.. غفوت أمام النهر فخرجت سمكه جدى الفضه تقترب تجاهى كأنها تسير على قدميه فوق النهر تجمدت ى اتقدم ولا أتراجع.. نظرت فى عينى وهى تعزينى فى جدى.. وتدعونى لارى ملكه فى النهر.. كالمسحور دخلت فضة النهر.. على كوبرى أبو العلا لم أجد صباح بائعه السودانى وانقطعت علاقتى العاطفية بالزمالك لم أذهب اليها الا غصب كأن مفتاحها مع جدى حمدان .. يحاول أبى إخراجى من حزنى بلا جدوى كنت أهرب من البيت الى النهر أجلس بصبحه السمكه الفضة، تبدل بيت جدى .. كرهته بدون جدى.. وعدت إلى حضن ابى ابكى لم أخرج من غرفتى أياما ويحدثنى أبى ويدعونى للذهاب معه وافقت وركبت الفيسبا.. كان يوما شديد الغرابة.. كأن القاهرة تخرج بالكامل كل شىء يتهشم.. يميل الترماى وهو يلفظ الركاب.. وتحرق الدكاكين الناس تجرى تصرخ.. حجر اصاب رأس ابى كنت أمسك بجلبابه فى خوف وهو يقود الفيسبا على طريق الكورنيش التفت فضه النهر حيث خرجت السمكة لأعلى تلوح لى لم أستطع مبادلتها التحية يميل أبى تجاه شارع السبتية والدماء تسقط من رأسه.. صرخت ولم يلتفت أحد.. توقف على ناصية الشارع الناس تجرى والدماء تسقط من رأس أبى.. وضعت يدى فوق جرحه فرأيت عينيه تدعونى للصمت والهدوء يقول لى ( هاترجع البيت امسك فى جلابيتى واوعى تبص وراك) فى طريقه الى البيت وعينى تهرب من رؤية تجمعات الناس وهم يهشمون زجاج السيارات وواجهات مطابع الأهرام ومستشفى الرمل.. يفرد ابى جسمه على السرير.. تضع ابى البن فوق جرحه.. ويعرض التليفزيون مظاهرات 77 وأم تركت غرفة أبى لأنام وهو يدعونى لقراءة الفاتحة.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، ظللت أردد الفاتحة وأنا فوق الكنبة أحاول النوم حتى سمعت الهدهد يردد الفاتحة من خلف شباكى يختفى السندباد من شاشة التليفزيون ليظهر الرئيس السادات يتحدث عن مظاهرات 1977 ينظر أبى إلى خطبة السادات وهو يلمس الجرح على جبهته....