«بحضور المحافظ وأساقفة عموم».. تجليس الأنبا مينا كأول أسقف لإيبارشية برج العرب والعامرية (صور)    الإسعاف الإسرائيلي: 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بالمر يقود تشكيل تشيلسي ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    مدحت شلبي عن أزمة ضربة الجزاء: ما حدث لا يليق    الأرصاد تكشف مفاجآت بشأن حالة الطقس فى الصيف: 3 منخفضات جوية تضرب البلاد    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    استوديو «نجيب محفوظ» في ماسبيرو.. تكريم جديد لأيقونة الأدب العربي    «الصحة»: ملتزمون بخدمة المواطن وتعزيز الحوكمة لتحقيق نظام صحي عادل وآمن    «سياحة النواب» توصي بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية بالأقصر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    فيفا يشكر كل من شارك في إنجاح مباراة افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامي    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    الجالية المصرية فى لندن تحتفل بعيد الأضحى    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏.‏ إبراهيم بدران يكشف أسرار يناير‏(1977)!!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 07 - 2010

ذاكرة محملة بالرياحين والخضرة والفضاء الذي يتسع للمئات من الرواد والآباء المؤسسين الذين يتقدمون عصورهم . لذلك تخلد ذكراهم بالتماثيل البرونزية التي يشاركونها في صلابتها سموا ومكانة ورفعة وبلوغ أرقي مدارك العلم الأستاذية تلك الدرجة التي وصل إليها د‏.‏إبراهيم بدران شيخ الجراحين ووزير الصحة الأسبق الذي كان تلميذا لهؤلاء الكبار المبجلين الذين اعتادوا أن يرجعوا الفضل لذويه لذلك لم يجد غضاضة في أن يقبل يد استاذه وهو وزير واستاذ فاضل وعالم جليل‏,‏ ممن يحملون الأحجار الثقيلة فوق ظهورهم ويلحون في طلب العلم الحاحا ولاينفضون عن كاهلهم التزامهم تجاه أبناء بلدهم حتي الرمق الأخير‏.‏ د‏.‏بدران تنطبق عليه هذه الآية الكريمة ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فالأنامل التي تشد الأوتار وتضم الأنسجة وتداوي العلل صاحبها أحوج مايكون لمن يخفف عنه ذلك الجرح الذي أنفتح بوفاة ابنه بين يديه ولن يندمل أبدا ونحن هنا لاننكأ جراحه قدر حرصنا علي اظهار روح التفاني والعطاء التي تمثل جوهر شخصيته فهو محارب فعلا ومجازا يتكلم بلغة العصر الذي يحياه ولاينفصل عنه ابدا والقاعدة العامة في العلم ان البداية الصحيحة تبدأ دائما حيث إنتهي الآخرون لذلك يرفض المغالاة في الأنين والتحدث عن الواقع المأزوم والأفضل أن نضئ شمعة بدلا من ان نلعن الظلام شذرات من حكمته وفلسفته والخبرة المتراكمة كلها تؤكد أن أي نظام عظيم بأمته وليست الأمة عظيمة بنظامها فالأنظمة المستوردة علميا وتعليميا لاتعمل وحدها‏.‏ د‏.‏بدران يزهو ألقا باساتذته والاعجاز العلمي في القرآن ويدعو لتحريك العقل في جميع الاتجاهات‏..‏ ينشد دائما مقام الرضا والحمد بصوفيته النقية ويقينه ان التراث ليس مانرثه بل مانورثه للأجيال اللاحقة بالقيمة العلمية المضافة‏.‏
الحياة العامة بدون شك تحمل دلائل العصر ولكن الخطوط العريضة للحياة الخاصة للمعاصرين تكون أكثر صدقا‏..‏ فحكاية واحدة قد تكون ابلغ من عشرات الكتب فهل تسمح لنا بالإطلاع علي سيرتك الذاتية من الثقب المفضل لديك؟
يجيب د‏.‏ بدران بتواضع واعتزاز في آن‏:‏ والدي كان ضابطا بالبوليس وفقدت والدتي وأنا في الرابعة من العمر لكني مازالت اذكر كيف فجاءتها آلام المرض ومحاولات د‏.‏ مصطفي الديواني ود‏.‏ غليونجي لانقاذها‏..‏ والدي احاطني بالمحبة والحنان وكان بطبعه عطوفا جدا فقد أصيب بالشلل لمدة ثماني سنوات واقعد نتيجة لحزنه علي فقدان اثنين من اعز اصدقائه أنها سمات العصر كما ذكرتي فالصديق كان بمثابة توءم الروح صداقة ومحبة خالصة لوجه الله وتجسد وفاء أصدقائه تجاهه في تلك المحنة في أروع صورة فكان زوج ابن عمتي محمود بك محيي الدين جد الوزير محمود محيي الدين يعوده يوميا وكذلك أنيس بك سلامة رئيس قسم الباطنة بالقصر العيني وكان جارنا في جاردن سيتي توفي والده وترك له عشرة أخوة وأخوات أكمل مسيرته معهم ولم يتزوج وكلهم وصلوا إلي أعلي المناصب وهو شقيق التربوية الشهيرة ماري سلامة لم ينقطع عن زيارة والدي يوما حتي آخر يوم في حياته وفي طفولتي كانت العيدية جنيها ذهبيا أضيف له خمسة تعريفة واستبدله بجنيها ورقيا تصوري‏!!‏ وكانت مطابع الغزل والنسيج بالمحلة الكبري تكفي جميع دول الحلفاء أما عظماء مصر فكانوا يملأون قارة في الطب والاقتصاد والفن والعلم ونتيجة لمرض والدتي ووفاتها شعرت بسمو مهنة الطب ورسالته الإنسانية الرفيعة فالتحقت بكلية الطب جامعة القاهرة وتخرجت عام‏1947‏ وصافحت الملك فاروق في حفل التخرج ونظرا لأنني كنت من السبعة الأوائل في الكلية فقد صدر أمر بتكليفنا بالسفر إلي الجبهة في فلسطين عام‏1948‏ وكنا فرحين للغاية لأن الله أكرمنا بهذه المنحة أي الشهادة في سبيل الله‏.‏
وما الذي تذكره عن حرب‏1948‏ التي وصفها عبدالناصر بأنها كانت حربا بلا حرب‏,‏ تقدم بلا نصر لأنها كانت حربا سياسية؟
كنت طبيبا بمستشفي العوجة جنوب رفح بنحو ستين كيلو مترا التسليح بصفة عامة كان أقل من المتوسط لكننا بالرغم من ذلك كنا قاب قوسين أو أدني من تل أبيب يفصلنا عنها‏(12‏ كيلو مترا فقط‏)‏ وكانت جميع انتقالات الجيش المصري تتم عن طريق شركة‏(‏ فرخة‏)‏ وهو اسم فلسطيني كان يملك أسطولا من الأتوبيسات شبيه بأتوبيسات‏(‏ كيداهم‏)‏ التي كانت تسير في شوارع القاهرة لم يكن تقدمنا سيئا بالرغم من عدم الإعداد للحرب لكن الحماس كان يملؤنا والحمية الوطنية ولا أنسي الشهيد البطل أحمد عبد العزيز الذي ذهب إلي فلسطين مع مجموعة من المتطوعين وكان حريصا علي إذكاء الأمل في نفوسنا يتعامل معنا بأبوة حانية ولكنه استشهد علي يد عسكري من الهجانة لأنه لم يكن يعلم كلمة سر الليل كما هو متبع‏..‏ بعد إعلان الهدنة الأولي انقلبت الموازين العسكرية لصالح إسرائيل وفتح جسر جوي بين براغ وتل أبيب وأثناء الهدنة الأولي طلبت من القائد المباشر الذهاب لزيارة صديقي د‏.‏ محمد صفوت في المجدل ووصلت اليه في خيمته وفرح بلقائي كانت الساعة لا تتجاوز العاشرة صباحا ووجدت شخصا نائما في السرير المجاور فقال لي صفوت أرجوك تحدث بهدوء لان زميلي هذا يسهر طوال الليل يوميا يرسم خرائط ويكتب تقديرا للموقف واختصاصات عسكرية من هذا القبيل وانصرفت عقب زيارة استمرت علي هذا الوضع حوالي خمس ساعات وبعد قيام الثورة دعاني د‏.‏ صفوت لحضور حفل زفاف ابنة شقيقته علي شخص يدعي حافظ إسماعيل الذي سيصبح مستشارا للأمن القومي فيما بعد وكان جمال عبد الناصر شاهدا علي عقد القرآن وقدمني إليه صديقي د‏.‏ صفوت قائلا‏:‏ د‏.‏ إبراهيم بدران وصافحني بابتسامة قائلا‏:‏ أنت الذي قمت بزيارة صفوت في الخيمة في الحرب وأنا نائم أليس كذلك؟ وفي ذلك إشارة واضحة لقوة ذاكرته وبراعته في معرفة السمة البارزة في الأشخاص‏.‏
وما هي أبرز صفاته التي لمستها عن قرب؟
عبد الناصر رحمه الله كان حلما وأماني ووهما بل أنه كان طيفا لأنه لم يكمل رسالته عبد الناصر ينبوع وطنية وإخلاص كان يعشق تراب مصر حقيقة لا مجاز وهو باعث نهضتنا بعد محمد علي فالتجربة المصرية في الخمسينات والستينات حفلت بإنجازات وخبرات لا ينكرها إلا جاحد بعض معاونيه أساءوا اليه ولكن البعض الآخر كانوا من الأوفياء والأمناء أيضا لكنه مات معنويا بعد نكسة‏1967‏ كانت صداقته بالمشير عامر مضرب الأمثال في الارتباط والحميمية واذكر أثناء حضوري حفلات زفاف بنات عبد الناصر في نادي الضباط أن المشير عامر كان يتبع عبد الناصر إذا ذهب لدورة المياه وكانت تصرفاته منبعها المحبة فالمشير كان يتصف أيضا بالشهامة الصعيدية ولكن شيطان السياسة فرق بينهما أما السيدة الفاضلة تحية عبد الناصر فهي امرأة استثنائية للغاية فقد كانت السيدة الأولي لكنها كانت في غاية التواضع واذكر أنها طلبت مني في أحد الأيام وهي ترجوني بصدق أن أعاملها مثل زوجة البواب‏!‏ فسألتها لماذا يا هانم؟ أجابت لأنني أعاني من كيس ذهني بسيط والأطباء يريدون سفري لاستئصاله في الخارج وأنا لا أريد السفر فهل زوجة البواب تسافر للخارج؟
ما هي الآثار السلبية لهزيمة‏1967‏ من وجهة نظرك ونطاق تخصصك؟
لقد تغير النمط الطبي وسمعنا عن أمراض لم تكن شائعة بمصر مثل تقرحات القولون نتيجة للقلق النفسي وكان أول حالة اكتشفها لطالبة في كلية الآداب فمشاعر الحب علي النقيض ترفع من كفاءة جهاز المناعة فالنكسة كانت من أبرز الأحداث التي هزت كيان الوطن فمصر في القرن الماضي تعرضت لمواقف تسترعي التأمل واستخلاص الدروس المستفادة وأهمها قانون الإصلاح الزراعي والتأميم وإغلاق مضايق البحر الأحمر وسحب قوات الطوارئ الدولية ومن ثم قامت حرب‏1967‏ ورغبة في التخفيف من الشعور بوطأة الهزيمة تم التوسع في التعليم علي نطاق كبير دون وجود مخصصات مالية كافية لأن المقدرات المالية كانت موجهة للتسليح العسكري وإعادة بناء الجيش الأمر الذي تسبب في تدني مستوي التعليم إضافة لاهتزاز كيان الأسرة نتيجة لغياب الآباء وفتح باب الإعارات‏,‏ كل ذلك ساهم في عدم رفع المستوي التعليمي في مصر لمدة خمسين عاما تقريبا تضاعف العلم خلالها وحققت البشرية خلال تلك المدة ما لم تحققه في ألفي عام فالأولويات العسكرية استنفذت كل الطاقة البشرية والصحية وتضاعف عدد السكان ثلاث مرات تقريبا خلال ستين عاما وتزايد متوسط العمر مرتين فميزانية البحث العلمي لجامعة القاهرة كانت تقدر ب‏4000‏ جنيه بعد حرب‏.1973‏
بعض المتشائمين وما أكثرهم يروجون أن مصر اقتربت من الحضيض وهي تنحدر مثل عربة تتدحرج في هوة سحيقة لا سبيل لإنقاذها إلا حين تصل للدرك الأسفل تماما فيتم انتشالها؟
يا إلهي مصر قد تكون مرهقة أو مجهدة لكنها لن تشيخ أو تموت أبدا ما اذكره‏..‏ ليس كلاما مرسلا ولكنه تاريخنا الرسمي الذي يؤكد أننا في عهد الهكسوس وما أحدثوه من دمارلم تنته مصر حتي أن المصريين كانوا يشربون بول البغال والحمير وأكلوا الجيف في بعض العصور وفي عهد شجرة الدر تخلفت مصر بدرجة كبيرة وانتشر الحشيش وكانت إذا أجهضت سيدة تتعارك أسرة الزوجة والزوج أيهما أحق‏(‏ بأكل الجنين‏)‏ نتيجة للضنك والعوز‏.‏ ولكن في عهد محمد علي نهضت مصر مرة أخري وكانت أول دفعة في الطب عام‏1832‏ وكان عددهم‏12‏ طالبا وأمر محمد علي كلوت بك بسفرهم إلي مونبلييه بفرنسا ليطمأن علي مستواهم العلمي بالنسبة لااقرانهم وكانت المفاجأة أنهم حصدوا المراكز الأولي في أوروبا بأكملها ورفعوا شأن فرنسا أيضا وقاموا بترجمة‏76‏ كتابا من الفرنسية إلي العربية وللأسف الشديد بعض وسائل الإعلام أساءت لسمعة الطب في مصر بالرغم من ريادتنا فلدينا أطباء عظماء ينتمون لمهنة عريقة‏.‏
كيف نعيد أذن مشاعر الثقة والانتماء التي كنتم تتمتعون بها للأجيال الحالية؟
الانتماء في جوهره أخذ وعطاء‏(‏ عشم‏)‏ كما نقول بالعامية شعور بالوحدة فالوطن لا يمن علينا ونحن كذلك‏..‏ مصيرنا مشترك والثقة والإيمان بالله وزرع الأمل في النفوس والوعي بأهمية الوقت فالساعة التي تنقضي هباء لا تعود أبدا‏!!‏
تتلمذت علي يد أعلام الطب فما الذي كان يميز الأجواء الدراسية آنذاك؟
يجيب د‏.‏ بدران باعتزاز‏:‏ أساتذتنا هم‏(‏ أسيادنا‏)‏ هكذا نشأنا علي تبجيلهم وإدراك مبلغ علمهم فلم يبخلوا علينا بالوقت والنصائح والصحة أيضا فبعضهم ونحن في المدارس الثانوية كان يعاني أمراضا مزمنة ويستمرون في الشرح بعد انتهاء الحصة أما في كلية الطب فقد حالفني الحظ بمعاصرة الفطاحل أمثال د‏.‏ عبد الوهاب مورو ومصطفي الشربيني ونجيب مقار وغيرهم وكان إذا تعذر علينا الوصول لاعراض مرض ما أو نجد صعوبة في التشخيص نذهب بالمريض إلي أحد أساتذتنا شفيق شلبي أو عبد الله الكاتب مثلا وكانوا يطلبون منا ذلك فلم نعهد منهم إلا الشفافية والصدق والتفاني فأنا انتمي لجيل كان يعرف مريض الحمي دون عمل التحاليل وكان أساتذتنا يعرفون مريض الحمي من مجرد شم رائحة غرفته اذكر ونحن أطفال صغار كنا نسكن في حي المنيل نلعب كرة القدم في قطعة أرض فضاء ملاصقة لفيلا سليمان باشا عزمي عميد كلية الطب وأستاذ أمراض الباطنة وكثيرا ما كان يجري بواب الفيلا خلفنا بالمقشة لكي يصرفنا عن المكان لأننا كنا نحدث دوشة والباشا نائم لأنه سهران طول الليل يذاكر علي حد تعبيره حتي أنه بلغ الستين نتيجة لانغماسه في العلم ولم يتزوج إضافة إلي أن السنتين اللذين كنا نقضيهما في بيت النواب في الكلية كنا نستفيد منهما للغاية فنحن نتحدث مع بعضنا البعض ما يقرب من‏18‏ ساعة يوميا في الطب جرعات مكثفة من المعرفة فكان يتحقق تراكم معرفي ونقل الخبرات والتجارب مع الآخذ في الاعتبار أن المدرس هو القوام الرئيسي للعملية التعليمية وأي تقدم يرتجي فعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار دول بأكملها كانت دول أوربا وعلي رأسها ألمانيا تجلس أبناءها علي هذه الأرض وفي الحقول لأن المدارس هدمت لكن المدرس هو الأبقي والأهم من أي بنيان‏!!‏
السياسة في مفهومها العام تعني الوعي بالبشر والأحداث ومعالجة الأمور بحكمة واستشراف الآفاق البعيدة ما هي الملامح التي تختزنها ذاكرتك كسياسي في عهد عبد الناصر والسادات؟
في عهد عبد الناصر كنت وكيلا لكلية الطب وحدثت مظاهرات الطلبة التي انتهت ببيان‏30‏ مارس عام‏1968‏ وتصادف أن قابلت علي صبري في مستشفي الدكتور مجدي فطلب مني التوجه إلي الجامعة مع بعض الأساتذة الأعزاء للوقوف علي الحالة العامة وكانت الأمور تسير علي ما يرام في كلية الطب وهناك واقعة أخري تتعلق بأستاذي د‏.‏ مصطفي الشربيني حيث تعرض لبعض المضايقات وشاءت الأقدار أن التقي بشعراوي جمعة وكنت اعالجة من جمرة في رقبته فشرحت له أن استاذي لا شأن له بالسياسة وهو رجل علم فطلب مني الانخراط في الاتحاد الاشتراكي لكي أتابع موقفه ووافقت علي ذلك شفهيا من أجل استاذي وفي عهد الرئيس السادات كنت وزيرا للصحة في حكومة ممدوح سالم ووقعت أحداث يناير‏1977‏ التي اسماها الرئيس السادات بانتفاضة الحرامية وأشهد أمام الله للتاريخ أن ممدوح سالم أمر رجال الشرطة بعدم استعمال القوة ولا العصي مع المتظاهرين لذلك كانت نسبة الإصابات في تلك الثورة الشعبية تبلغ‏40‏ عسكريا مقابل ثلاثة مدنيين وفقا لسجلات وزارة الصحة واسترعي اهتمامي كسياسي ووزير مسئول أن الفئة العمرية التي اشتركت في الأحداث معظمها يتراوح ما بين‏12‏ 19‏ سنة وشاءت الظروف أن أرد زيارة لوزيري الصحة العامة ووزير المشوهين بانجلترا وكان الأخير أخرس وأبكم لكنه يتحدث من خلال جهاز حساس موضوع علي احباله الصوتية يحول الحشرجة إلي كلمات وحين وطئت قدماي البلاد وسئلت عما أريد مشاهدته طلبت نتيجة لما صدر من تصرفات الناشئين والمراهقين في أحداث‏1977‏ رؤية كيفية تعامل الشرطة مع الشباب وذهبت إلي سجن بركستون الخاص بانحرافات الشباب وكانت المفاجأة أن المسئول عنه استاذا في الأمراض النفسية بجامعة لندن وبهدوء أجاب عن سؤالي قائلا نحن لا نتعامل يا عزيزي مع الشباب مباشرة ولكننا نبدأ بمراقبة المواليد وهم أجنة في بطون أمهاتهم من خلال متابعتنا للأسرة ككل وتلك المهمة منوطة بممرضة مشتركة بين وزارتي الصحة والداخلية وكل منطقة بانجلترا بها‏(‏ ممرضة أسرية‏)‏ تراقب سلوكيات الأسرة وتجنب الأم الأدوية الخطأ أو أي انحراف ترتكبه الأسرة ومن شأنه التأثير علي سلامة الجنين فمن المعلوم طبيا أن الأم الخائفة أو المقهورة أو الجائعة لا يمكن أن تلد طفلا سليما وأضاف الرجل بأن‏97%‏ من الأسر الإنجليزية أسر سوية أما الاسر المنحرفة فيأخذون إنذارات متوالية من الممرضة الأسرية وإذا لم يلتزموا يتم اعطاء الرضيع بعد ولادته لأسرة لا تنجب لذلك كل منطقة في انجلترا تحتفظ بسجل دقيق للمجرمين والمؤهلين له بحكم تاريخهم الأسري والجيني أيضا ففي بعض الحالات يكون العامل الوراثي أساسيا في الجرائم لأنه متوارث ومن هنا جاءت سمعة سكوتلانديارد العالمية ولكن في معظم حالات الانحراف يتم الاستفادة أيضا من هذه المواهب المنحرفة فمن يجيد تسلق المواسير يتم تدريبه والاستعانة به عند حدوث حريق لكي يصعد الأدوار العليا مثلا‏.‏
النزعة الدينية تغلف معظم توجهاتك العلمية والحياتية فلتحدثنا عن بعض الدروب التي تتبعها‏..‏ فربما اضاءت للآخرين؟
نحن جديرون بإمعان النظر والتأمل في الإعجاز العلمي في القرآن دون مبالغة لأن القرآن ليس كتابا علميا‏..‏ فمراحل تكوين الجنين مذكورة في القرآن ولم يكتشفها العلم إلا مؤخرا في الثلاثينيات فالقرآن بداخله‏(‏ كوامن‏)‏ لم تكتشف بعد‏,‏ وأنا غير مؤمن بالدورانية فالإنسان لم يتطور تاريخيا من القرد كما أنني أؤمن بالعلم اللدوني الذي وهبه الله لسيدنا سليمان وسيدنا الخضر فالصادقين ينور الله بصيرتهم دائما لفعل الخير ودائما إذا تأزمت الأمور اتذكر هذه الآية الكريمة ولسوف يعطيك ربك فترضي فالرزق لا يقتصر علي المال أو الجاه وإنما هو رضا بالمقام الأول وراحة بال‏..‏ إضافة إلي أن الإيمان والاستيعاب الكامل للنص القرآني يؤكد وحدة الرسالة التي نزل بها الرسل‏,‏ وان كانت بإيمانيات مختلفة سواء كانت يهودية أو مسيحية أو إسلام ومدي السماحة في الديانتين المسيحية والإسلامية علي وجه الخصوص‏.‏
كما أن العلم منحة يجب أن ترد للآخرين والتفكير العلمي هو أفضل سياج لأن العقل إذا كان خواء ترسبت فيه أسوأ الأفكار علي حد تعبير الشيخ أمين الخولي‏.‏
قمت بوضع سياسة تكنولوجية لمصر لأول مرة عام‏1984‏ حين كنت رئيسا لأكاديمية البحث العلمي فما هو مالها الآن وهل المناخ العام في المجتمع بكل ما يكتنفه من ارتجال في التخطيط وأصولية دينية تؤمن بالحقائق المطلقة من الممكن أن تعرقل شيوع النزعة العلمية في المجتمع؟
التحديات عديدة ما أكثرها ومنذ عدة عقود وصف العالم الكبير جمال حمدان مصر بأنها العقل المكتسح والجسم الكسيح فمعظم الأفكار العظيمة والإبداعات تنهزم في مرحلة التنفيذ بين أيدي الإدارات الدنيا‏..‏ فالنداء الإلهي اليومي يحثنا‏'‏ حي علي الصلاة حي علي الفلاح‏'..‏ فالتزامنا بالصلاة ونسينا الفلاح وهو يعني التجويد والأخذ بأسباب العلم والإصلاح‏..‏ ففي أوائل الثمانينات بدأنا نفكر في وضع سياسة تكنولوجية لمصر وكان لنا في الهند أسوة حسنة لأنها أول دولة نامية تقتحم المجال التكنولوجي في الخمسينيات والستينيات وأخذت أنديرا غاندي علي عاتقها إعادة بناء الهند واستعانت ببعض العلماء المشهورين مثل تاتاومنون وأحضرنا هؤلاء العلماء وعلماء آخرين من كوريا وفرنسا وسافرت إلي فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية التي بدأت نهضتها عام‏1974‏ وأنتجت أول مليون طن حديد صلب سنة‏1974‏ بتكنولوجيا مستوردة بنسبة‏95%‏ وكورية بنسبة‏5%‏ ولكن بحلول عام‏1982‏ كانت النسبة معكوسة لصالح التكنولوجية الكورية‏(‏ أي‏95%‏ تكنولوجيا كورية‏)‏ بينما نحن في مصر بدأنا صناعة الصلب عام‏1954‏ لنصف مليون طن‏..‏ زادت عام‏1970‏ لثلاثة أرباع طن‏..‏ ولكن مصر لم تعدم يوما كفاءاتها العلمية فاستطعنا بالتعاون مع الهند من إنتاج طائرة كانت تنتج الهند جسمها ونحن الموتور وطارت هذه الطائرة في الهواء‏..‏ وقمنا بعمل صاروخ لكن كان ينقصه جهاز التوجيه ولكن أجهضت هذه المحاولات من قبل إسرائيل وتم تهديد العلماء وأصيب بالفعل أثنين من العلماء الألمان بالعمي‏..‏ نفس السيناريو الذي يجري الآن مع إيران وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكننا عملنا لاصدار الوثيقة التكنولوجية منذ عام‏1981‏ حتي عام‏1984‏ وكنا أكثر من‏300‏ عالم وكتبنا عشرة آلاف ورقة بحثية قمت بتلخيصها في‏47‏ ورقة وتم توزيعها علي‏5000‏ جهة في الدولة اتساقا مع دعوة الرئيس مبارك للارتقاء بالعلم باعتباره السبيل الوحيد للتقدم‏..‏ ولكن لا حياة لمن تنادي‏.‏
ويجب ألا تطول غفوتنا لأن المجال العلمي المتاح أمام العالم الإسلامي تغير عقب أحداث سبتمبر‏2001‏ فأمريكا قررت إغلاق أربعة عشر مجالا للعلوم المتقدمة في وجه الدول الإسلامية بصفة عامة‏.‏
المجتمع المدني معظمه ملتفا حول قضايا بعينها ولم يشهد حراكا في مجال دعم البحث العلمي فكيف السبيل لاستنهاضه؟
التغيير يبدأ بالمعرفة والنموذج الذي يحتذي به‏..‏ فأثناء حضوري لجلسات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية تعرفت بإحسان دوجرماتشي وهو شخصية تركية رفيعة فهو ثري لكنه‏..‏ وظف ثراءه لخدمة بلاده وقام ببناء جامعتين عملاقتين علي مساحة أرض تبلغ‏5‏ ملايين متر حصل عليها بأسعار مخفضة من الحكومة‏..‏ احداهما‏'‏ هادي طب‏'‏ للعلوم الطبية والأخري‏'‏ بيل كنت‏'‏ للعلوم التكنولوجية وأنفق عليهما الكثير وهو رجل متميز للغاية فهو يجيد التحدث بتسع لغات ووضع وقفية في جنيف وأوقاف محلية أخري للإنفاق الذاتي علي الجامعة وترتيبه يأتي بعد رئيس الجمهورية مباشرة في هيراركية الدولة بصفته رئيسا لاتحاد الجامعات التركية‏..‏ كان ممولا لحرب البوسنة والهرسك وجامعاته تنفق علي ذاتها أما منزله فهو عبارة عن متحف فني به تحف لا تقل عن‏200‏ مليون دولار أوصي بعد وفاته أن يؤل للحكومة التركية وأقنع أبناءه بالتنازل عن نصيبهم في الميراث لصالح الخير‏..‏ أتمني من رجال الأعمال في بلادنا أن يحتذوا به وهذا ليس عسيرا لأن طلعت حرب كان من نفس المدرسة في المبادرة والعطاء‏.‏
ما الذي تستشفه في خطاب الرؤساء ؟
خطب الرؤساء تكتب بعناية فائقة وكل كلمة فيها تعني الكثير وأستطيع أن أستنتج بعد سماعها العديد من الاحتمالات ومن أبرز الخطب التي سمعتها لعبد الناصر خطبته الأخيرة في جامعة القاهرة في يوليو‏1970‏ والتي اسميتها خطبة الوداع لأنها كانت آخر خطبه حيث طلب قبل إلقائها استبعاد المراسلين الأجانب والسفراء من القاعة لأنه يريد أن يتحدث مع أبنائه بمفرده وذكر كم عاني من سهام الأشقاء العرب وظلم ذوي القربي وتشاءمت عقب سماعها ولم استبشر خيرا وحدث نفس الشئ عقب سماعي لخطبة السادات التي ألقي فيها القبض علي أكثر من ألف وستمائة مواطن‏..‏ وقطعت رحلتي لرومانيا وعدت إلي مصر وطلبت الالتقاء بالسيدة الفاضلة جيهان السادات وتحادثنا في الأمر ثلاث ساعات فالسادات ألقي القبض علي أولاده من مختلف المجالات وقلت لها مجازا‏..‏ كان أهون أن يقبض عليهم بالتقسيط أي تدريجي وليس في يوم واحد فانا لست مستبشرا فقالت لي‏:‏ أن السادات منذ أن اقترب منه بعض الوزراء لم يعد يأمن للشارع المصري ويبدي تخوفه إزائه وكان ما كان ولكن السادات كانت له إنجازات عظيمة بلغت أوجها في حرب أكتوبر‏1973,‏ وعمل معه أجاويد مصر وأفضل كفاءاتها‏.‏
كيف تنظر لطبيعة عمل الجراح وهو صاحب قرار ربما كان سياديا ؟
الجراح صاحب قرار وليست مصادفة أن الطبيب يسمي حكيما لأنه يفاضل بين عدة بدائل‏..‏ فيجب أن ينسي نفسه تماما بمجرد دخوله غرفة العمليات فنحن نتحرك في مسافة بين قضاء الله وهو‏(‏ نافذ‏)‏ وبين رحمته وقد كتبها علي نفسه‏..‏ وكلما زاد العلم زادت هذه المسافة ولكن العلم والتقدم‏,‏ لا يشتري‏,‏ ولا يباع‏,‏ ولا يستعار ولكنه يكتسب بالجهد والعرق والدموع‏..‏ فالتنمية فقه لأن لها ثوابت للانطلاق تبدأ من العلم وإعلاء شأنه وشأن منظومة القيم الإنسانية لا خير فيمن لم يضف كما يقول الحديث الشريف‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.