حقق الرئيس الإيراني حسن روحاني انتصارا في الداخل والخارج إذ أنهى عزلة إيران عن الساحة الدولية باستخدام سياسته البراجماتية في محاولة لإنهاء العقوبات الموجعة وعقود من العداء مع الغرب عبر تحسين العلاقات والجهود الدبلوماسية. وتوصلت إيران والقوى العالمية إلى اتفاق إطار أمس الخميس لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني لمدة عشر سنوات على الأقل في خطوة على طريق إبرام اتفاق نهائي قد ينهي 12 عاما من سياسة حافة الهاوية والتهديدات والمواجهة. وإذا أدى الاتفاق إلى اتفاقية شاملة في يونيو حزيران فإن شعبية روحاني ستزيد أكثر مما يمنحه رأس المال السياسي اللازم للتغلب على المتشددين الذين يقفون حائلا أمام وعوده بإجراء اصلاحات سياسية واجتماعية في الجمهورية الإسلامية. وروحاني رجل دين يبلغ من العمر 66 عاما وتولى في السابق منصب كبير المفاوضين في المحادثات النووية الإيرانية وينفي أن يكون نهجه البراجماتي خيانة لمبادئ تأسيس الجمهورية الإسلامية. وقال روحاني بعد وقت قصير من الهزيمة المنكرة غير المتوقعة التي مني بها خصومه المحافظون في الانتخابات عام 2013 "لا يعني الاعتدال الانحراف عن المبادئ ولا يتعلق الأمر بالنهج المحافظ في مواجهة التغيير والتطوير." وبدا أيضا أن روحاني يدرك أن الوفاء بوعوده الانتخابية سيتطلب بعض الوقت. وقال "إن الاعتدال.. نهج نشط وصبور في المجتمع للابتعاد عن جحيم التعصب." وفي إيران يبقى أمام روحاني القليل ليثبت التزامه بتعهده بإدارة أكثر شفافية وتسامحا إذ لا تزال هناك قيود سياسية ومدنية صارمة تثير ضيق إيرانيين كثيرين. وأشارت الأممالمتحدة في مارس آذار إلى أن عددا كبيرا من السجناء أعدموا وبينهم نشطاء سياسيون وقصر. وأضافت أن الصحفيين يسجنون بصورة روتينية وتتعرض النساء والأقليات إلى انتهاكات حقوقية. وتجدر الإشارة إلى أن اثنين من السياسيين الإصلاحيين الكبار خاضا انتخابات الرئاسة في 2009 لا يزالان رهن الإقامة الجبرية. وانتخب أنصار المرشحين السابقين روحاني بأعداد كبيرة بعد ذلك بأربع سنوات بعدما تعهد ضمنيا بالإفراج عنهما وعن سجناء سياسيين آخرين. * اتفاق مؤقت قد يؤدي التوصل لاتفاق شامل في يونيو حزيران إلى رفع العقوبات الغربية التجارية والمالية التي تخنق الاقتصاد في مقابل فرض قيود على الأنشطة الذرية الإيرانية التي يقول الغرب إنها ربما تستهدف تصنيع أسلحة فيما تقول طهران إن أغراضها سلمية. والتقدم ممكن لأسباب من بينها احتفاظ روحاني بثقة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يطلق عليه اسم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران والذي يملك القول الفصل في كل أمور الدولة بما في ذلك السياسة الخارجية. وتعزز موقف روحاني بفضل مؤهلاته الثورية التي لا تشوبها شائبة. ففي وقت مبكر من حياته درس الدين وعارض الشاه آنذاك محمد رضا بهلوي وانضم الى آية الله روح الله الخميني بالمنفى في باريس عام 1977. وبعد وصول الخميني إلى السلطة عزز روحاني مكانته كعضو في الدائرة المقربة من الخميني بتولي سلسلة من المناصب الحساسة. وبعد شهر من توليه الرئاسة تحدث روحاني مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما هاتفيا في سبتمبر أيلول 2013 وظل هذا أعلى مستوى من الاتصالات بين البلدين منذ 30 عاما. * تغيير النبرة كان الاتصال هو ذروة تغير حاد في النبرة بين إيرانوواشنطن التي قطعت العلاقات مع طهران بعد عام من الثورة الإسلامية والإطاحة بالشاه عام 1979. وفي تغيير مدهش وافق المحافظون داخل الزعامة الإيرانية ومن بينهم خامنئي على انفتاح روحاني وأشاروا إلى استعدادهم لبحث التنازلات اللازمة لأي اتفاق. ويرى الدبلوماسيون أن مجاراة المحافظين لروحاني كانت لأسباب من بينها فوزه في الانتخابات بنسبة كبيرة من الأصوات مما كشف حجم الغضب بسبب سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية ومدى التأييد الشعبي لهدفه وهو إنهاء عزلة إيران الدولية. وبعد ذلك بشهرين أبرمت إيران اتفاقا مؤقتا تاريخيا مع مجموعة خمسة زائد واحد التي تضم الولاياتالمتحدةوفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وبريطانيا ووافقت الجمهورية الإسلامية بموجبه على كبح جماح برنامجها النووي مقابل تخفيف مبدئي للعقوبات. وكان لأسلوب روحاني الفضل في الكثير من نجاحه الدبلوماسي. وابتعد الرئيس الإيراني وهو محام حصل على شهادة الدكتوراه من المملكة المتحدة عن استفزازات سلفه محمود أحمدي نجاد الذي أنكر محارق النازي ودعا إلى "محو إسرائيل من صفحات التاريخ". ويشتهر روحاني بالبلاغة والشخصية الكاريزمية كما أنه مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي إذ كثيرا ما يدون آراءه بشأن القضايا العالمية في تغريدات على موقع تويتر ويعتبر منفتحا على الحوار. وأعطى تعيين روحاني لمحمد جواد ظريف في منصب وزير الخارجية دفعة للدبلوماسية. فظريف دبلوماسي لبق تولى منصب مندوب إيران لدى الأممالمتحدة كما أنه أكبر خبير لطهران في شؤون النخبة السياسية الأمريكية. ومع ذلك راقب روحاني المحادثات عن كثب من طهران وتدخل قبل أسبوع من الاتفاق المؤقت عن طريق الاتصال بزعماء فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا في محاولة على ما يبدو لكسر جمود لم يدم طويلا. واليوم أصبحت المحادثات الثنائية المتكررة بين واشنطنوطهران لمناقشة القضايا النووية والإقليمية شيئا مألوفا حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مما يخدم تعهد روحاني بمزيد من التواصل الإيراني على الساحة الدولية.