بنسالم حميش يفتح النار عليه في روايته الجديدة «من ذكر وأنثى» الشاعر السورى يعانى من «الهذيان» ومواقفه السياسية والفكرية «خرقاء» ويظهر أمام الناس «جاهلًا» ينافق مؤسسة «نوبل» بكل السبل للحصول على الجائزة استغل مؤلف الرواية شاعره المزعوم وحوله إلى منصة لإطلاق القذائف على أدونيس في محاولة أقرب إلى الاغتيال المعنوي بطل الرواية إعلامي وكاتب جاد يطارده شغف بالإعلام الثقافى وإجراء التحقيقات والحوارات.. وضع أمامه أسماء عدد من أسماء مثقفين كبار حاول البحث عنهم لمحاورتهم قبل أن تدخل إلى رواية « من ذكر وأنثى» لكاتبها الروائى والسيناريست المغربى بنسالم حميش ستتوقف قليلًا أمام محاولته تقديم عمله الإبداعى الجديد. يقول عنه: «هي رواية حول امتحانات الوجود وأفعال الزمان بالخلائق، وذلك في حفل العلائق بين الجنسين، من دون الحب الحياة قفر يعدم الوجهة والبوصلة، واللاحب مدعاة لمأساة القران والصلة، وفى الحديث عنهما كل نفس وعاء يرشح بما فيه، وهذا حال شخصية السارد في الرواية. فهو يتأرجح بين الشعورين مطبوعًا بحداد حاد إثر فقدان زوجته الأولى وبنتهما باحثًا بين النساء عن خليلة (لربما تشبه فقيدته)... أو حليلة تعينه على تهوين آثار الذاكرة المكلومة والشعور بعبء العبث والعياء من الذات، وحين يتوفق يكون العمر دانيًا من عده العكسى بل خريفه، وبين حصول النوال وقبله البحث الشاق (والمرح أحيانا) يغدر السارد (الإعلامي النافر والكاتب الجاد) أمام حيوات ومصائر أغلبها لجرحى الحب والحياة، باتت تغذى شغفه بالرواية وبالتخييل الإبداعى». يمكن أن تضع الرواية جانبًا وتمضى في طريقك، فنحن أمام روائى يحول بطله إلى لسان يعبر من خلاله عن أفكاره الفلسفية ومعاناته الإنسانية، يتخفى وراءه ليكشف عن رؤاه للعالم والناس والحب والحياة والموت... لكن تقديم الروائى لروايته كان خادعًا، فهو لا يكشف عن أبعاده النفسية، بل اقترب خلال عمله من الشاعر العربى الكبير أدونيس، في محاولة هي الأقرب إلى الاغتيال المعنوى. وحتى تعرف ما جرى لابد أن تنتظر قليلًا... بطل الرواية إعلامي وكاتب جاد يطارده شغف بالإعلام الثقافى، وإجراء التحقيقات والحوارات، وضع أمامه أسماء عدد من أسماء مثقفين كبار أثروا في حياته وحازوا إعجابه، حاول البحث عنهم فتأكد أن عددًا كبيرًا منهم انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولم يتبق منهم إلا ثلاثة فقط، فقرر مقابلتهم قبل أن يلتحقوا بالرفيق الأعلى هم أيضًا. من بين الثلاثة الذين قابلهم بطل روايتنا شاعر كبير منحه اسم «مصطفى الطنحى»، عندما قابله سأله الشاعر بحدة: ماذا تريد؟ فرد عليه: لا شىء سيدى غير التشرف بمجالستك والتمتع بأقوالك. قاطعه بحركة من يده، متناولًا كناشًا باليًا، متفوهًا بألفاظ تكشف بعض حروفها عن أسنانه الخربة: أسمع هذا الكلام من فيض الوحدة وشدتها علىّ، بت أنظر من ثقب بابى، عسانى ألمح زائرًا ضالًا فأدعوه إلىّ، من فيض الوحدة وشدتها علىّ، بت أطرق جدرانى وأقول تفضل. كانت كلمات الشاعر تكشف الحالة النفسية التي وصل إليها، لكن ليس هذا هو المهم بالنسبة لى، طلب بطل الرواية منه أن يجرى حوارًا مطولًا معه، رفض في البداية، ثم لأن له، وبدأ في الحديث الذي استغله مؤلف الرواية ليحول شاعره المزعوم إلى منصة لإطلاق القذائف على أدونيس. بدأ الشاعر المزعوم كلامه: هزل الشعر وبار، صفحته عندى طويتها من زمان، ونفضت يدى من عرض الشعر في سوق القحط والكساد، تجنى عليه أرهاط كثر ممن لا شغل لهم إلاه. ثم بدأ في قصف مباشر لرأس أدونيس، يقول: أنظر عند كبيرهم أدونيس في خريف عمره إلى سيول هذيانه الجارفة ومواقفه الخرقاء في الفكر والسياسة تختلط هاته بتلك، فيطلع علينا جاهرًا بمثل ما ترسب في ذاكراتى. «سنقول البساطة في الكون شىء يسمى الحضور وشىء يسمى الغياب نقول الحقيقة: نحن الغياب لم تلدنا سماء لم يلدنا تراب إننا زبد يتبخر من نهر الكلمات صدأ في السماء وأفلاكها صدأ في الحياة...». والمستخلص من شعره كما يرى شاعر روايتنا المزعوم، ومواقفه أنه يستثنى من ذلك طائفته العلوية، فعلى بن أبى طالب عنده سيد الأحزان والشهداء، وكيوسف الصديق رموه في الجب. «وعلى لهب ساحر مشتعل في كل ماء عاصفا يجتاح لم يترك ترابا أو كتابا كنس التاريخ غطى بجناحيه النهار سره أن النهار جن» ثم «ورأيت الله كالشحاذ في أرض على وأكلت الشمس في أرض على وخبزت المئذنة».. إلى أن يجهر «سقط الخالق في تابوته سقط المخلوق في تابوته». يقول الشاعر: كيف لى ولغيرى أن نقرأ مثل هذا الشعر المسعور وصوره المتخبطة في المس والرعونة «وخبزت المئذنة أعضاؤك نيل يجرى جبهة الحضارة قاع طحلبى حواء حامل في سراويلى هذه الجرة المنكسرة أمة مهزومة». يعاود الشاعر اقتحامه لعالم أدونيس الشعرى، يقول: بيت الداء ليس في فبركة مثل هذه الميتافورات السائبة التي تظل على أي حال، دون أن ما أتى به السرياليون والدادائيون من حيث البلاغة والجودة، وإنما في تسخيرها لخدمة آرائه الثابتة العصابية الكريهة لاستحواذ أمة العرب بكل أطيافها ونحلها ومذاهبها عدا طائفته وتحقير مقدرات ماضيها وحاضرها. سأل بطل الرواية ربما في براءة، وربما في خبث شديد شاعرنا المزعوم: هل أنقل أستاذى أقوال الشاعر وأحكامك عليه؟ واصل الشاعر هجومه: كلامه منشور، وكلامى عليه افعل به ما تشاء، ولو أن وصوله إليه لن يتم، وإذا تم لن يفيد ما دام شعاره الطاغى: إذا استعصى عليك شعرى فاكتف بتذوقه والتلذذ به، وإن عجزت فاتهم نفسك وازدريها. يعدد الشاعر المزعوم آيات انتقاده لأدونيس بعد ذلك، فهو يرى أن لديه يقينًا راسخًا حتى النخاع بأنه الجوهر الفرد وفحل الخلق والإبداع لا شريك له، نرجسيته المتعجرفة قل مثيلها ضخمة، كثيفة، ضاجة، وصادمة، ليس من باب التثمين فحسب، لقد انتحل على أحمد سعيد اسم أدونيس إله الخصب وحياة النبات في الميثولوجيا الفينيقية، وكان ذلك طمعًا في تشخيص رمزية الأسطورة ونقلها باسمه إلى واقع شعرى يكون واقعه هو، وهكذا تراه منفردًا يخاطب الكون والخلق والأمم وعناصر الدنيا كلها، ويجول بأناة ويصول معلنًا: «قادر أنا أن أغير لغم الحضارة هذا هو اسمى ». فيشرع بثقة قطعية أن لا منجاة ولا خلاص إلا بالتبنى الحصرى لنسقى اللائكية والحداثة، التي لا يعرف شيئًا عن تاريخهما الفكرى والواقعى ولا عن نظريات ما بعد الحداثة، فيحول كليهما إلى ديانة، وأى ديانة، دوجمائية، فولاذية، عنيفة. ويكمل الشاعر المزعوم: ثم انظر في ديوانه الكتاب، المكتظ بالصور والمجازات الطائشة المعربدة، كيف يختزل تاريخ هذه الأمة في كونه مجرد أنها من دماء تجرى، وعهود زاخرة بالظلمات والقعر والطغيان، من حق سهيل إدريس حين نفر منه وامتنع عن نشره، شاهد أيضًا في حواراته الإعلامية كيف يتعدى حدود النقد المعقول للعرب ( ومن قال يوما بعصمتهم أو كمالهم) فيبشر بانقراضهم هم وحضارتهم، على غرار الحضارات القديمة، التي لا يعرف عنها شيئًا ذا بال، هذا مع أنه لا يربأ بنفسه عن تحصيل فلوس العرب الأحياء وجوائزهم، ولو اكتفى بالقول أنه لاحقون بالعرب البائدة، لكن مخلفين عربًا جدودًا، ومن دون موت حضارتهم، لهان الأمر وجادلنا فيه، إلا أن الرجل يظل متشبثا بكلامه الاستنقاصى السخيف، وهو من صنف لم يفه به حتى أشرس الأعداء وأخطرهم من صهاينة وغلاة اليميم الفاشى، ويستبعد أن يروق مؤسسة جائزة نوبل ذاتها التي ما انفك جاهدًا لاهثا يتحبب إليها وبتزلف بشتى الوسائل والرسائل، منها بعض ما ذكرت، ومنها إمعانه في تجريد العرب والفلسطينيين من سلاحهم الدينى والروحى، وفى المقابل سكوته المريب عن إقرار إسرائيل بيهودية دولتها هوية وركنًا ثابتًا مؤسسًا، إنه إذن لمن المنقرضين. لم يقف بطل روايتنا الكاتب والإعلامي مكتوف اليدين أمام هذه المدفعية الثقيلة على أدونيس، فقرر أن يدلى بدلوه هو الآخر، فقال للشاعر الزعوم: كلامك أستاذى يؤجج شكوكى في هذى السيزل الهائجة للصور والمجازات السائبة المهلوسة عند صاحبنا، وأيضا في مرتكزاته الأيديولوجية منذ أطروحته الثابت والمتحول، حيث برز تحيزه المهند للحداثة واللائكية، لا من باب البحث المعمق والتنظير الفلسفى، بل جراء توجه دعوى قائم على أسلوب القرارات والمراسيم، متوهمًا خلافًا لما يعلمنا إياه تاريخ الثورات والسياسات، أنه يكفى أن نقول للشىء كن فيكون، ومن ذلك دعوته المتواترة إلى هدم البنية التقليدية للذهن العربى والتخلص من المبنى الدينى، وإلى هذا يذهب كثير من مثقفى التبرج والحذلقة والطبخات السريعة. أعجب ما قاله بطل روايتنا الشاعر المزعوم، فالتقط منه طرف الخيط، قال له: أحسنت، ثم انظر أيضا كيف بعنجهيته المعتادة يجهر بعزوفه عن قراءة الروائيين المحدثين جميعهم، ولا يعترف إلا بشاعرين أو ثلاثة، هم على أي حال من درجة متواضعة بل أقل، وسوى ذلك من الترهات الهوجاء عنده كثير، هذا كله وذاك فيما زاد الشيخ المعرفى بالغ الهشاشة، وتمكنه النظرى، دع عنك الفلسفى، موغل الهزال والتدنى، فلو أنه قرأ من أعمال الراحل إدوارد سعيد ولو صفحات، لتوافرت لديه كل الدواعى والأسباب لكى يخجل من نفسه ومن تحرشاته المستميتة بالعرب وذمهم دون الغرب وإسرائيل، فيلتمس الصفح والمعذرة وهذا أمر جد مستبعد. حاول بطل روايتنا على طريقة صحفى الإثارة أن يجر الشاعر المزعوم إلى نقطة أكثر إثارة، وإلى خلق معركة جديدة، فهو لا يكتفى بما قاله عن أدونيس، ولكن جره جرا إلى أن يتحدث عمن يمكننا أن نطلق عليهم دراويش أدونيس، وهؤلاء كثيرون جدًا داخل مصر وخارجها. قال له: أحامك هاته قد تثير استنار أزلام شاعرنا وحوارييه ولو على قلتهم؟ فانفجر الشاعر المزعوم قائلًا: هؤلاء مجرد صنميين مستلبين أمام شاعر طلسمى ملغز لا يفهمونه، تراهم يخزون أنفسهم لقلة فهمهم له وعجزهم عنه ويلعنونها عوض إدراك العيوب والأعطاب في المنبع والمجرى، وبالتالى فهم إجمالًا عديمو الحس النقدى والفطنة والبصيرة، وهم عبارة عن قردة وأقزام حين يقلدون ويقدسون، فلا تكن منهم بل ثر على شطانج الشيخ وانسف نسفًا، ومع الوعاة هشم أصنام الوهم والبهتان، أما أنا فلا أعبأ بأولئك ولا بمعبودهم، إنما في المقابل أقرأ لكبار شعراء العالم، ومنهم فقيدنا العزيز محمود درويش الذي ظل صاحبنا مريضًا بغصصه إزاءه، مكلومًا بفعل إقبال الجماهير على محمود وحبهم لشعره وفكره وشخصه. ويخلص الشاعر المزعوم إلى رأى فاصل في دراويش أدونيس، يقول: مع هؤلاء يمسى اليوم العالمى للشعر مزحة بل مهزلة، مضحك هو ادعاؤهم لتبرير هذا الاحتفال السنوى بأن الشعر ينتشر بين ساكنة الأرض قيم المحبة والجمال والسلام، حين أنظر في تصريف هذا الإدعاء من حولى في سلوكياتهم لا أجد له من الحقيقة والصحة نصيبًا، ولو بمقدار وأصعق بهول نفاقهم وتخبطهم. ¿ ¿ ¿ أنهى بنسالم حميش عملية القصف الشامل لرأس أدونيس ودراويشه من خلال الحوار الذي أجراه على لسان كاتبه بطل روايته والشاعر المزعوم، ثم انتقل إلى مساحات أخرى من الحوار، ثم واصل بعد ذلك خط روايتها كما رسمها لنفسه. لكن يظل السؤال: لماذا يتورط كاتب وروائى وسيناريست مغربى في كل هذا الهجوم الواضح والصريح وبالاسم على شاعر كبير مثل أدونيس؟ يمكن أن يحتج بنسالم حميش كما يفعل روائيون كثيرون بأن هذا ليس كلامه وليس رأيه، ولكنه تعبير يختص به أبطال روايته، وهم ليسوا ملكه، ولكنهم ملك أفكارهم والسياقات التي يعملون فيها، وهو كلام يمكن أن يمر على آخرين، دون أن يمر علينا، لأن ما قاله على لسان أبطاله لا ينفصل أبدا عما يراه هو، فأبطاله هم أبناؤه ينطقهم بما يريد، ثم يتستر خلفهم حتى لا تصيبه سهام من انتقدهم. لكن يظل السؤال هو: لماذا فعلها بنسالم حميش؟ لماذا يتورط في معركة يعرف أنه لن يسلم منها، فهو يريد أن يصل كلامه إلى أدونيس، ثم لماذا يورط نفسه في معركة مع من يروق لهم شعر أدونيس، ويتماهون معه، وهؤلاء ليسوا قليلى العدد كما يزعم هو؟ أغلب الظن أنه هناك أسباب موضوعية وأخرى شخصية، أما الموضوعى فهو أن كتاب المغرب العربى الذين يعتبرون أنفسهم ملوك الفرانكفونية، وحدهم من يقتحمون باريس ويتعاملون على أنهم ملوكها، يستكثرون على شاعر سورى أن تكون له كل هذه الشهرة العالمية، وأن يكون ملكًا متوجًا هو الآخر مثلهم، ولذلك لا يترددون عن قصف رأسه، بل وتشويه كل ما قدم. أما السبب الشخصى، وإن لم تكن هناك معلومات واضحة ومحددة عنه، إلا ما كتبه بن حميش في روايته يمكن أن يكون كاشفًا إلى أبعد مد، فهو يأخذ على أدونيس أنه لا يقرأ للروائيين المحدثين وسالم منهم ولا يعيرهم اهتمامًا، ومن يدرى فقد يكون أدونيس أهان أدب بنسالم حميش ولم يعطه الاهتمام اللازم، ولذلك كان الهجوم. من النسخة الورقية