بإمكان المتابع للمشهد العراقي اليوم الوقوف علي أن الساحة بدأت تشهد أولي الخطوات نحو التقسيم علي أساس إثني وطائفي. عمق هذه المخاوف أداء كل من إياد علاوي رئيس الحكومة الانتقالية وآية الله العظمي علي السيستاني المرجعية العليا وكلاهما شيعي ولقد رأينا كيف أن علاوي يتبني الحل العسكري واستخدام العنف ضد ما يطلق عليه المثلث السني ومن أجل ذلك بادر بمنح قوات الاحتلال تفويضاً باتمام المهمة نيابة عنه لاستئصال شأفة مدن بأكملها، بدعوي القضاء علي الإرهاب وتجفيف منابعه. ومن ثم رأينا حملات القصف اليومية التي تقوم بها الطائرات الأمريكية علي الفلوجة والرمادي ليسقط الأطفال والنساء والشيوخ صرعي القنابل العنقوية المحرمة دولياً. ما أكده المشهد أن علاوي لا يهمه إلا كرسيه الذي يريد الحفاظ عليه وبالتالي يبقي علي الاحتلال لإدراكه أنه هو الكفيل بحمايته وإبقائه في السلطة. الشيعة.. والانتخابات أما السيستاني فقد تبني الصمت نهجاً ومذهباً، وكل ما أظهره من اهتمام أنصب علي الانتخابات وضرورة المشاركة المكثفة للعراقيين في الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في يناير القادم معتبراً أن الامتناع عن التصويت فيها خيانة في حق الوطن تزج بصاحبها في النار! ويقال بأن الشيعة يلعبون علي صفقة يتم بموجبها تقديم لائحة موحدة من المرشحين للانتخابات بدعم من المرجع الشيعي الأعلي في العراق آية الله علي السيستاني.. وإذا حدث ونجحت هذه المساعي وحصلت علي مباركة صريحة من السيستاني فإنها قد تمهد الطريق أمام هيمنة قاعدة الشيعة المحافظين للمرة الأولي في العراق منذ سنة ،1920 ورغم أن هناك دبلوماسيين أمريكيين يعارضون الفكرة ويؤثرون قائمة توفيقية غير طائفية إلا أنه لن يكون أمام هؤلاء خيارات أخري بسبب النفوذ المتعاظم والكبير الذي يمثله السيستاني بين الشيعة ممن يوالونه والذين يشكلون نحو ستين في المائة من سكان العراق. بوادر التقسيم.. ولعل ما يدعم سيطرة الشيعة ما يتعرض له السنة من تحجيم متعمد بسبب الوضع السياسي الذي يحسون معه بأنهم باتوا مغيبين سياسياً، ومن المنتظر أن تزداد درجة تغييبهم أكثر وأكثر مع الانتخابات القادمة، ولا ننسي الهجمة الشرسة علي المثلث السني ولا ننسي تواطؤ علاوي في قصف الفلوجة وتواطؤ السيستاني بالتزامه الصمت دون أن يحرك ساكناً لوقف الهجمات الأمريكية التي يتعرض لها أهالي الفلوجة يومياً، ولا ننسي حملات الاعتقال التي طالت رجال الدين السنة في الأبنار والرمادي والفلوجة، ولعل هذا كله هو الذي أكد وجود بوادر لتقسيم العراق علي أساس إثني وطائفي بسبب المقاومة. السنة والانتخابات.. ستزداد المخاطر بالنسبة للسنة أكثر وأكثر مع الانتخابات لاسيما وأن بعض المنتسبين إليها يرون أن عقد انتخابات وسط الظروف الحالية هو معصية للخالق.. أما البعض الآخر فيري أنه يمكن المشاركة في الانتخابات إذا أوقفت حكومة "علاوي" أساليبها الحالية والتي يتآمر علاوي من خلالها ضد شعبه ويلتحف بالاحتلال ويذعن لاملاءاته. وما من شك في أن السنة إذا تجاهلت الانتخابات ستكون هي الخاسرة وسيترتب علي موقفها ذلك الكثير من المخاطر بالنسبة لها لاسيما أن الانتخابات إذا عقدت عندئذ سيترتب عليها استحقاقات مهمة يتصدرها صياغة الدستور واختيار الحكومة الجديدة، ورئاسة جمهورية جديدة، ومعني ذلك أن ابتعاد السنة لن يكون في صالحهم وبالتالي فإن الموقف يحتم علي السنة فيما إذا عقدت أي انتخابات المشاركة فيها حتي ولو كانت هناك بعض الثغرات. شروط عقد الانتخابات.. لاشك أن أخطر ما في الأمر أن يتم التعامل مع الانتخابات علي أساس مكاسب لطائفة دون أخري أو أن تجري الانتخابات رغم أن الدولة العراقية غائبة كقانون وكدستور وكمؤسسات، وبالتالي فإن الأمر يتطلب فيما إذا تقرر إجراء انتخابات مراعاة أن تتم في ظل أفضل الشروط وهو ما يستتبع أن يأخذ الجميع في اعتبارهم وجود الاحتلال الذي يجب ألا يكون طرفاً رئيسياً في العملية الانتخابية حتي لا يكون الفائز فيها هو الممثل للاحتلال، إذ إن أمراً كهذا سيخدم بقاءه فترة طويلة من الزمن وعندئذ ستظل السلطة في يده، وعليه يتعين عدم إجراء أية انتخابات مادام الاحتلال موجوداً لاسيما مع الهجمة الشرسة المستمرة علي الفلوجة التي تتم استباحتها عبر القصف الأمريكي اليومي لها وكأن استئصالها بات ضرورة وشرطاً إلزامياً لعقد الانتخابات. إن ما تؤكده الأحداث اليوم هو أنه لا يمكن عقد انتخابات في العراق مع وجود الاحتلال وفي ظل تحجيم وتطويق طائفة السنة واحتضان طائفة الشيعة فمثل هذا التصنيف والتمييز لا يمكن أن يحصل علي المشروعية، وعليه إذا أريد للانتخابات أن تنجح فلابد من أن يزول الاحتلال ولابد أن يكون هناك قرار واحد لقوي سياسية تشمل الجميع بحيث لا يسلط الضوء علي طائفة دون أخري.