عبد التواب عبد الحي

الانتخابات العراقية.. في "سيارة مفخخة"!

مثل طفل تتنازع علي بنوته اثنتان من الأمهات.. تتنازع علي موعد الانتخابات العراقية طائفتان من أهم أطياف الشعب العراقي.. أهل السنة يعترضون علي الموعد ويتشبثون بتأجيله.. بينما يتمسك الشيعة بإجراء الانتخابات في 30 يناير ،2005 موعدها المحدد دون أي تأخير!
يفاقم الموقف بين الطائفتين مخاوف جسيمة ومجسمة.. السنة، وهم أقلية احتكرت الحكم لعقود خلت، يخشون فقدان السلطة وهيلمانها.. بينما يتشبث الشيعة، وهم أغلبية نسبتها 60% بقشة الانتخابات علي أمل أن يصلوا إلي سدة الحكم بعد طول إذلال وحرمان!
وقبل 44 يوما بالضبط من نهار الانتخابات، يجد الرئيس بوش نفسه في موقف دقيق ومخادع معا.. إنه يصر علي إجراء الاقتراع في موعده، رغم الرأي السياسي المتنامي بين السنة المعتدلين الذين يطالبون بالتأجيل لفترة ما، تفاديا لأعمال العنف المتوقعة، التي سوف تمنعهم حتما من ممارسة حق الانتخاب.. فضلا عن أن التأجيل سوف يرجيء عودة جانب من القوات الأمريكية إلي الوطن، ويربك الجدول اللوجستي لوصول القوات الإضافية إلي العراق لتأمين الانتخابات.
قد بدأ بالفعل وصول القوات الإضافية إلي الكويت.. واخترقت مقدمتها الحدود إلي البصرة نهار الجمعة الماضية.. سوف يصل عددها إلي 12 ألف مقاتل، ليرتفع عدد القوات الأمريكية في العراق إلي 150 ألفا، وهو رقم يفوق عدد القوات التي قامت بغزو العراق في مارس 2003.
إزاء كل ذلك، بدأ بعض الشيعة يتحدث عن احتمال تأجيل الانتخابات.. الشيخ فتح كاشف الغطاء، أحد رموز الشيعة في النجف، يتحرك الاَن لحشد دعم وراء تأجيل مؤقت ليوم الاقتراع، لا يتجاوز نهاية ابريل من العام المقبل، تكفله ضمانات صارمة بأنه التأجيل الأول والأخير، وضمانات أخري تساند الأمن.. كل ذلك سوف يدفع العراقيين إلي المشاركة في الانتخاب بأعداد متزايدة!
ويحسم الشيخ كاشف الغطاء رؤيته الداعمة للتأجيل علي صفحات الكريستيان ساينس مونيتور الأمريكية: لن يحدث التأجيل المطلوب مفعوله إلا إذا كان جزءا من برنامج شامل لإنهاء العنف في العراق.. وبعد فترة قصيرة من الإحساس بالأمن، لن يتردد أهل العراق في الزحف إلي مراكز الاقتراع بأعداد غفيرة "نهار الانتخاب"!
ويسعي الشيخ كاشف الغطاء إلي الحصول علي تأييد من الأمم المتحدة لاقتراحه، يجيء في صورة ضمان مكتوب بإتمام العملية الانتخابية فور انتهاء مهلة التأجيل.. ويري أن مثل هذا الضمان يمكن أن يقنع المرجعية الشيعية اَية الله علي السيستاني بزحزحة يوم الاقتراع لتتم العملية تحت مظلة اَمنة!
تقدح في هذا النظر وتهدمه جوان كول خبيرة الشأن العراقي بجامعة ميتشجان بكلماتها: إدارة بوش تصر بعناد علي ال 30 من يناير.. ولا أثر للمرونة في قرارها! وليس هناك سبب في رأيي يؤكد أن الأمن في العراق اَخر ابريل سوف يكون أفضل من حاله اَخر يناير!
علاوي.. والمكالمة الغامضة!
ليس سرا أن أحزاب أهل السنة مازالت تتشبث بتأجيل طويل للعملية الانتخابية.. نهار الجمعة 26 نوفمبر الماضي توجهت جماعة من رؤساء تلك الأحزاب يرأسها عدنان الباجة جي إلي مكتب اَية الله علي السيستاني وقدموا مذكرة بتأجيل الاقتراع 6 أشهر كاملة.. رد السيستاني دون أن يلتقي بهم: لا تأجيل!
الخميس الماضي، اعترف إياد علاوي رئيس الوزراء بصعوبة إجراء الانتخابات في موعدها المعلن، وألمح إلي إمكان تأجيلها لفترة أقصاها 3 أسابيع لإعطاء الفرصة لسلطات الأمن كي تستعد لمواجهة أعمال العنف التي قد تجتاح مراكز الاقتراع في أنحاء العراق.. لكنه بعد 48 ساعة ابتلع وعده، عقب مكالمة غامضة من السفير الأمريكي نيجروبونتي بينما وعدت لجنة الانتخابات العراقية المستقلة بإمكان النظر في التأجيل!
ويحتشد شيعة العراق في قائمة طويلة واحدة، يتم رصدها تحت إشراف اَية الله علي السيستاني لدخول الانتخابات.. تضم القائمة مرشحين يمثلون الأحزاب الشيعية في المنفي 3 أحزاب وبعض رموز السنة والأكراد وأتباع تيار مقتدي الصدر.. من ألمع رموز القائمة عبد العزيز الحكيم زعيم حزب المجلس الأعلي للثورة الإسلامية.. وتحمل القائمة اسم: التحالف العراقي المتحد.. ويلمح البعض النيويورك تايمز والأسوشيتد برس إلي أن التحالف يرتبط بحبل سري يمتد إلي طهران.. وهمزة الوصل: أحمد جلبي زعيم حزب المؤتمر القومي العراقي الذي جاء إلي العراق علي جنازير دبابات البنتاجون.. ثم غضبوا عليه لصلاته المشبوهة بإيران!
وتأمل قائمة الشيعة أن تكتسح الانتخابات المقبلة.. وأن يتبوأ عبد العزيز الحكيم مركز الصدارة في المجلس الذي سيتم تشكيله عقب الانتخاب ليشكل الحكومة ويضع الدستور!