الانتخابات العراقيةا لتي تعلن نتيجتها رسميا غدا كان يفترض أن تكون خطوة متقدمة علي طريق استعادة الأمن والاستقرار الذي لم يتذوقهما العراقيون منذ أن نكبوا بالاحتلال الأمريكي في 9 ابريل 2003 لكن هذه المناسبة التي يفترض انها عرس ديمقراطي في البلدان التي ترسخت فيها مؤسسات الدولة والنظام السياسي وتوافق الجميع علي التناوب السلمي علي السلطة امتثالا لإدارة الناخبين لم ولن تكون كذلك في بلاد الرافدين لأسباب عديدة في مقدمتها تكالب السياسيين العراقيين علي "كعكة السلطة" وتقديم الطائفية علي المواطنة والجراح التي خلفتها تجربة الاحتلال حيث ازاحت قوات الاحتلال السنة من السلطة وسلمتها للشيعة والأكراد بزعم الانتقام من صدام حسين رغم أن العراقيين كانوا سواء في مواجهة جبروته وديكتاتوريته دون أدني اعتبار للعنصر الطائفي. وإذا كان الأمريكيون قد تحالفوا في بداية الغزو مع الشيعة والأكراد علي حساب السنة فانهم الآن باتوا - لأسباب براجماتية بحتة - أكثر احتياجا لتعظيم دور السنة في العراق الجديد لتعزيز موقفهم في مواجهة المد الشيعي في المنطقة والحد من تلاعب إيران بالأحزاب والكيانات السياسية العراقية التي سبق لقادتها أن عاشوا في إيران ويجاهرون بالولاء لها. المهم أن الانتخابات التي كان يفترض أن تكون خطوة علي طريق احتواء أزمات العراق وما أكثرها تحولت - كما كان متوقعا - إلي أزمة جديدة مما يضفي علي مستقبل العراق بظلال كثيفة يخشي أن تتحول إلي حرب أهلية وهو ما كشرت عن انيابها في المسيرات المنظمة التي جابت مدن الجنوب العراقي الشيعية احتجاجا علي نتائج الانتخابات التي أظهرت حتي فرز 95% تفوق القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي علي ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. والأمر المؤكد أن ما حدث يوم الأحد الماضي من مسيرات احتجاجية علي نتيجة الانتخابات لم يكن مفاجئًا ولا سيما أن الكتل الرئيسية العراقية وقعت في خطأ أو علي نحو أدق خطيئة كبري في يوم الانتخابات الذي وافق 7 مارس الحالي عبر اعلانها الفوز وحتي احتفال انصارها قبل فرز الأصوات وهو ما يعني أن حسم هذه الأزمة لن يتوقف علي تصرف الفريق الفائز بقدر ما سيعتمد علي تصرف الفريق المهزوم. واللافت أن نتيجة الانتخابات التي لا يستغرق اعلانها في بلد مثل الولاياتالمتحدة أو فرنسا أكثر من 24ساعة مضي قرابة ثلاثة أسابيع قبل إعلانها غدا مما يعني أن ظروف "طبخها" بمعرفة المفوضية العليا العراقية المستقلة للانتخابات قد خضع لتدخلات من هذه الطائفة أو تلك وكذلك من القوي الفاعلة في المشهد العراقي وتحديدا الولاياتالمتحدة ودول الجوار حيث تدخل الجميع لصالح من يعتقد أن فوزه يخدم مصالحه. ومهما كانت الطريقة التي سيتم بها تسوية أزمة الانتخابات سواء عبر المفاوضات والمساومات أو عن اللجوء إلي الشارع وحتي العنف فإن الفائز في الانتخابات سيظل مطعونا في شرعيته من الفريق الخاسر كما سيصعب التنبؤ بسلوك الخاسرين بعدما احتفلوا قبل الموعد بفوزهم في ثاني انتخابات تشريعية تجري عقب الاطاحة بحكم البعث ومن ثم فإن كل السيناريوهات تظل واردة وبقوة. المدهش والمثير أن حكم أطراف العملية السياسية غلب عليه التأرجح والتذبذب تمامًا مثلما الوضع علي الأرض في عراق الاحتلال فإذا اظهرت النتائج تقدما لقائمة المالكي خرجت التصريحات من معسكره لتشد وتتغزل في نزاهة وشفافيةالاقتراع وفي المقابل تخرج التصريحات المضادة من المعسكر المنافس حيث تتحدث عن تزوير وتلاعب وتطالب بإعادة فرز صناديق الاقتراع يدويا. تبادل المواقف بين المعسكرين حدث أكثر من مرة وحتي يوم الاقتراع ذاته ففيما خرج علينا علاوي الذي تضعه النتائج في المقدمة بعد فرز 95% من الأصوات ليقول ان الوضع غير مبشر وأن لديه وقائع حقيقية علي قيام ضباط في الجيش بالتورط في تزوير الأصوات لصالح مرشحي علاوي هذه الاتهامات تتردد الآن مع فارق بسيط انها علي لسان المالكي وليس علاوي بما يعني أن العراقيين دخلوا الانتخابات بأسلوب مياريات الكئوس التي لا تقبل سوي فائز واحد.. وهم معذورون لحداثة عهدهم بالانتخابات .وما يحدث في العراق لا يستبعد ايضا أن نراه في السودان الشهر المقبل حيث لا تزال الديمقراطية في البلدين تحبو علي الطريق تقطع خطوة وتتعثر خطوات علي الأرجح. لقد دخل العراق منعطفا جديدا مع الكشف عن نتائج الانتخابات التي تعلن رسميا غدا لكن النتائج التي وضعت علاوي في الصدارة أظهرت الانقسامات داخل الطائفة الواحدة فعلاوي والمالكي شيعيان.. وفي خروج علي المألوف في المجتمعات الديمقراطية ؟؟ المالكي بقيادته للجيش داعيا إلي إعادة فرز الأصوات يدويا وهو ما جعل أنصار علاوي يتهمونه بالانقلاب علي العملية الديمقراطية، وقد ألقي الرئيس جلال الطالباني بنقله في معسكر المالكي وطالب بإعادة فرز الأصوات مما يؤثر إلي احتمال تحالفه مع المالكي لبقائه في رئاسة الحكومة حتي لو حل ثانيا في الانتخابات بعد علاوي إذ انه من المعروف انه يستحيل علي أي ائتلاف أو فصيل سياسي عراقي أن يشكل الحكومة بمفرده. تري كيف يتعامل العراقيون مع مأزق الانتخابات وهل يتصرف المالكي بعقلية رجل الدولة الديمقراطي الذي يعلي مصالح وطنه علي مصالح طائفته لصالح انجاز المصالحة وتذويب الطائفية أو يتصرف بعقلية صدام حسين الذي أوردت العراقيين بفضل عناده واسئثاره بالسلطة موارد الاحتلال والدمار.