كان مأمولاً منذ البداية أن تدخل المرجعية الشيعية ممثلة في علي السيستاني علي الخط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحتي لا يصبح مقتدي الصدر بمفرده في الميدان يدافع عن العتبات المقدسة التي طالما تحدث عنها السيستاني بأنها خط أحمر لا يمكن لأحد الاقتراب منه!! كان من المفروض أن يكون دور المرجعية الشيعية ممثلة في السيستاني فاعلاً منذ البداية من أجل درء الفتنة وحتي لا تصل الأمور إلي ما وصلت إليه خاصة أن مقتدي الصدر لا يمثل مرجعية دينية. هل هو تواطؤ؟ غير أن ما فعله السيستاني أظهره وكأن هناك شبه اتفاق بينه وبين الحكومة المؤقتة علي الابتعاد عن الأحداث، ومن ثم حمل نفسه وذهب إلي لندن بدعوي الاستشفاء رغم أن علاجه كان يمكن أن يتم في أي مكان فوضعه الصحي لم يكن بهذه الدرجة من الخطورة التي تستوجب سفره إلي بريطانيا خاصة مع ما قيل من أن حالته الصحية مستقرة. ومما أثار الشكوك أكثر وأكثر اختياره لبريطانيا بالذات وهي الوجه المشارك للاحتلال في العراق. ولربما ظن خطأ أن مغادرته العراق يمكن أن تسقط عنه التكليف المناط به. ومن ثم بدت مغادرته للعراق عشية الهجوم علي النجف وكأنها مساهمة منه في اتمام صفقة المحتل الأمريكي في إبعاد المرجعية عن الساحة حتي يجري الاستفراد بمقتدي الصدر والقضاء عليه هو واتباعه. وكأن السيستاني بذلك قد حقق لأمريكا ما حرصت عليه من إبقاء الشيعة خارج حلبة المقاومة. لقد ظهر السيستاني في وضع أثار الشكوك وحدا بالكثيرين إلي أن يتساءلوا أين موقع المرجعية الشيعية مما يحدث في العراق اليوم؟! وهو أمر دعا البعض إلي انتقاد موقف السيستاني الذي لم يدن الاحتلال الأمريكي وكل من والاه. دور الناصح الأمين كان من المفروض منذ البداية أن تضطلع المرجعية الشيعية بدور الناصح الأمين لحكومة علاوي التي ضلت الطريق باتباعها النهج الأمريكي والالتصاق به والتواطؤ معه ضد بني جلدتها. أما النصيحة التي كان يمكن لمرجعية السيستاني إسداؤها للحكومة فمفادها عدم التعجل باتخاذ عمل عسكري حتي لا تصل الأمور إلي ما وصلت إليه من مأساة في النجف والتي قد تتطور مع الأحداث إلي كارثة تنذر بالكثير من الأخطار. ذلك أن نأي السيستاني بنفسه عن الأحداث منح الحكومة المؤقتة ومعها قوات الاحتلال الأمريكي الفرصة لتطويق مقتدي الصدر والاستفراد به لتحقيق هدف استئصاله كرمز للمقاومة ضد الاحتلال. كان يتعين علي السيستاني إصدار فتوي فورية تطالب بسحب القوات الأجنبية من مدينة النجف الأشرف واضطلاع المرجعية الشيعية بالاشراف علي مرقد الإمام علي ووقف أية عمليات عسكرية ضد المدنيين. شروط إذعان.. ما فعله السيستاني علي أرض الواقع كان مغايراً للمطلوب منه، فلقد ترك الساحة ل "علاوي" يعيث فيها فساداً ويحيك المؤامرات ويتواطأ مع الاحتلال للقضاء المبرم علي مقتدي الصدر ولهذا وتزامناً مع ما سمي بمحاولات حل القضية سلمياً وإرسال وفد من المؤتمر الوطني إلي الصدر حرص علاوي علي تبني لهجة استفزازية في الشروط التي طرحت وكانت في جملتها تمثل محاولة لإذلال مقتدي الصدر عندما طلب منه الخروج والتحدث علناً عن حل جيشه ونزع أسلحته ومغادرة المكان فوراً، كان مطلوباً من مقتدي الصدر أن يظهر علي الملأ وكأنه انصاع لشروط الإذعان وأعلن استسلامه. وعلي حين تذرع السيستاني بالمرض فلقد كان بإمكان مكتبه أن يصدر بيانات تتحدث بلسانه لوقف التطورات التي بدا وأنها مفتوحة علي مخاطر شتي لاسيما مع حرص "علاوي" علي أن تصل الأمور إلي طريق مسدود بحيث لا يكون هناك منفذ نحو حل سلمي، فما كان من الممكن مطالبة الصدر بحل جيشه ونزع سلاحه بينما الاحتلال مازال مسيطراً علي الموقف في العراق وقواته تطوق النجف والعتبات المقدسة، وما كان من الممكن للصدر أن يستجيب طالما لم تكن هناك مفاوضات مباشرة من قبل الحكومة مع تياره، وطالما لم يكن هناك إعلان حقيقي للهدنة. إذ كيف يطالب مقتدي الصدر بنزع سلاحه وحل جيشه بينما الدبابات والمدرعات والطائرات الأمريكية تحاصر النجف وتقصفها مما يدل علي استحالة التفاوض سلمياً وسط ظروف باتت جميع الاحتمالات في ظلها مفتوحة علي وضع كارثي للعراق بأكمله.. ولكن إذا كان علاوي بتواطئه مع الاحتلال قد أشعل الحريق فان السيستاني قد أعان بصمته علي عدم إخماده.. لك الله يا عراق..