رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد افتتاح مبنى خدمات ومكتبة كنيسة المقطم.. صور    آخر تحديث: سعر الدولار صباح تعاملات اليوم الخميس 25 أبريل 2024 في مصر    تطبيق التوقيت الصيفي في مصر 2024: خطوات تغيير الساعة وموعد البدء    تأثير حملة "خلّوها تعفن" على أسعار الأسماك واللحوم في مصر    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذي لكورنيش المحلة الجديد    تراجع إنتاج السيارات في المملكة المتحدة خلال مارس الماضي    حماس تبدي استعدادها لإلقاء السلاح في حالة واحدة فقط    الدفاع المدني الفلسطيني: الاحتلال دفن 20 شخصا على الأقل بمجمع ناصر وهم أحياء    الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بأطفيح    مسلسل البيت بيتي 2.. تفاصيل العرض ومواعيد الحلقات على منصة شاهد VIP    الرئيس السيسي: سيناء تشهد جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة    شوشة عن إنجازات سيناء الجديدة: مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى    البحرية البريطانية: بلاغ عن حادث بحري جنوبي غرب عدن اليمنية    الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء "الأونروا" في دعم جهود الإغاثة للفلسطينيين    مواعيد مباريات الخميس 25 إبريل - الأهلي والزمالك في بطولة إفريقيا لليد.. ومواجهة صعبة لمانشستر سيتي    صباحك أوروبي.. بقاء تشافي.. كذبة أنشيلوتي.. واعتراف رانجنيك    مفاجأة غير سارة لجماهير الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    الأهلي يصطدم بالترجي التونسي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    "أبو زعبل للصناعات الهندسية" تكرم المحالين للمعاش    التريلا دخلت في الميكروباص.. 10 مصابين في حادث على صحراوي البحيرة    مصرع وإصابة 10 أشخاص إثر تصادم سيارتين في البحيرة    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    وزير التعليم العالي: تعزيز التعاون بين منظومة المستشفيات الجامعية والتابعة للصحة لتحسين جودة الخدمات    التحقيق في سقوط سيارة من أعلى كوبرى روض الفرج    الشواطئ العامة تجذب العائلات في الغردقة هربا من الحر.. والدخول ب20 جنيها    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    بعثة الزمالك تغادر مطار القاهرة استعدادا للسفر إلي غانا لمواجهة دريمز    فرج عامر: لم نفكر في صفقات سموحة حتى الآن.. والأخطاء الدفاعية وراء خسارة العديد من المباريات    انقطاع مياه الشرب عن منشية البكري و5 مناطق رئيسية بالقاهرة غدًا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ أعمال البنية الفوقية لمشروع محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هل يوجد فرق بين صلاتي الاستخارة والحاجة؟ أمين دار الإفتاء يوضح    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الصحة: 3.5 مليار جنيه لإنجاز 35 مشروعا خلال 10 سنوات في سيناء    حبس المتهم بإنهاء حياة شخص بسبب الخلاف على المخدرات بالقليوبية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تقسيط 30 عاما.. محافظ شمال سيناء يكشف مفاجأة عن أسعار الوحدات السكنية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة بحثية:
"حلايب وشلاتين" مصرية بالمواثيق والخرائط وعلينا حفظ حقوقنا كاملة
نشر في العالم اليوم يوم 11 - 04 - 2013

د. مصطفي النشرتي: وادي حلفا وكوشا وسواكن كانت ضمن حدود مصر الأصلية قبل فتح محمد علي للسودان
الاستعمار البريطاني جعل خط العرض الفاصل عند 22 درجة بدلا من 20 مقتطعا جزءا من أراضينا
لم تعقد أي اتفاقات دولية للحدود بين مصر والسودان منذ استقلاله 1956
النحاس ألغي الاتفاقية الثنائية والدستور المؤقت للسودان أقر الحدود الإدارية واعتبرها سياسية
قدماء المصريين والبجا ينتميان لأصل واحد وطبيعة واحدة
جاءت المباحثات الرئاسية ?الإخوانية? الأخيرة بالسودان وما أعقبها من تأكيدات جازمة ونفي قاطع لتناولها وعودا تعلقت بإعادة حلايب وشلاتين إلي ما كانت عليه قبل عام 1995لتثير حالة من الاستنكار الشديد في جميع الأوساط المجتمعية والاقتصادية المصرية وبالأخص العلمية منها والتي تعلم جيدا بقراءتها للتاريخ واطلاعها علي الخرائط الأحقية الكاملة لمصر علي تلك المنطقة منذ قديم الأزل، فالحق ثابت ومؤرخ ولكن العبث في التعامل مع الوطن هو ما أوصلنا إلي هذا الجدل الساخر كي يفضح نوايا تلك الجماعات الحاكمة في البحث عن مصالحهم حتي ولو كانت علي حساب تراب الوطن وأراضيه التي تم خوض معارك طويلة لاستردادها خلال عقود الزمن الماضية، ولعل ذلك هو ما دفعنا لاستعراض أحد البحوث المهمة التي أجراها دكتور مصطفي النشرتي الأستاذ بكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وشدد من خلالها علي حق مصر التاريخي بتلك المنطقة مستعرضا علي مر العصور أهم الأحداث التي تم معايشتها في تلك الرقعة، حيث أوضحت الدراسة أن النفوذ المصري قد أمتد في العهد الفرعوني جنوبا علي المحور النيلي إلي الشلال الثاني في عصر الدولة القديمة وإلي الشلال الثالث في عصر الدولة الوسطي وإلي الشلال الرابع في عصر الدولة الحديثة علي مسافة تبعد حوالي 350 كم إلي الجنوب من خط الحدود الحالي 22 درجة وتمثلت العلاقات بين قبائل البجا وقدماء المصريين في النواحي الاقتصادية والتجارية وقام المصريون بتأمين التخوم المصرية وحماية المحاجر والمناجم من هجمات أهل النوبة وكان لسيطرة المصريين علي موانئ سواكن وزيلغ وبربر دوره المهم في تنشيط التجارة في هذه المنطقة خلال هذه الفترة، وكانت حدود مصر الجنوبية في موضع
قريب من بلدة المحرقة جنوب مدينة وادي حلفا الحالية بنحو 40 كيلو مترا، خلال العهدين اليوناني والروماني ?300 ق.م إلي 650م? وكذلك كان الحال في العصور الوسطي وكانت حدود مصر الجنوبية تمتد إلي الشلال الثالث في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وكانت حدود مصر الجنوبية في عصر المماليك عند بلدة حبك التي تقع عند الشلال الثالث وعندما احتلت القوات العثمانية مصر مدت حدودها جنوبا حتي سواكن ومصوع وكان ذلك عام 1520 بعد 3 سنوات من استيلاء الدولة العثمانية علي مصر، وفي يوليو 1820 بدأت حملة محمد علي لفتح البلاد السودانية وفي عهد الخديوي إسماعيل استولت القوات المصرية علي ميناء سواكن ومصوع، وابتداء من يناير 1884 بدأت الحكومة البريطانية الضغط علي حكومة مصر لإخلاء السودان من القوات المصرية، وقد نظم المهدي حملة لغزو مصر ولكن القوات المصرية انتصرت علي قوات المهدي في توشكي عام 1891، كما تمكنت القوات المصرية من هزيمة قوات المهدي قرب مدينة طوكر في ناحية سواكن وابتداء من عام 1896 تم فتح السودان والقضاء علي الدولة المهدية، ومن أهم المشكلات والقضايا التي ثارت بخصوص حدود مصر الجنوبية محاولة بريطانيا توسيع حدود السودان علي حساب الأراضي المصرية عام 1899 والتي انتهت باقتطاع أجزاء من الأراضي المصرية هي النوبة الوسطي التي تمتد من الشلال الثاني حتي الشلال الثالث، وسواكن التي تقع علي الساحل الغربي للبحر الأحمر وواحة سليمة التي تقع علي درب الأربعين وقد ظلت هذه الأقاليم خاضعة للسيادة المصرية بعد إخلاء السودان عام 1884، وهذه الأراضي اقتطعها الاستعمار البريطاني من مصر بموجب اتفاقية الحكم الثنائي للسودان عام 1899، وعلي مدي 136 عاما من فتح محمد علي للسودان عام 1820 وحتي استقلال السودان عام 1956 لم ينظر المصريون للسودان إلا من خلال منظور وحدوي سواء كان الهدف اعتبار السودان جزءا من الدولة المصرية أو كان الهدف وحدة وادي النيل وقد شارك قطاع كبير من السودانيين أشقاءهم في مصر هذه النظرة الوحدوية، لافتة إلي أن ارتباط مصر ببلاد النوبة كان ارتباطا وثيقا منذ الفتح العربي لمصر.
الدولة الأيوبية
وأكد دكتور النشرتي ببحثه أن بلاد النوبة كانت تدين بالطاعة لسلاطين مصر في عهد الدولة الأيوبية وكانت بلاد النوبة كثيرا ما تجنح إلي العصيان وتغير علي الأراضي المصرية، ويبدو أن صلاح الدين الأيوبي قد خشي من أن تكون هناك صلة بين الغارات النوبية علي أسوان وبلاد الصعيد وبين الغارات الصليبية علي سواحل بحر القلزم ?الأحمر? حيث بلغت الغارات الصليبية ميناء عيذاب وتوغلت إلي قوص، لهذا أرسل صلاح الدين الأيوبي أخاه تورانشاه علي رأس حملة توغلت في بلاد النوبة حتي دنقلة لحماية قوافل الحج والتجارة في جنوب مصر واستقر قسم من هذه الحملة في قلعة إبريم، وعند قيام دولة المماليك تكررت الغارات النوبية علي الأراضي المصرية وانتهز داوود ملك النوبة انشغال الظاهر بيبرس بحروبه ضد المغول والصليبيين وهاجم أسوان عام 1272 وهاجم أيضا ميناء عيذاب وقد رد الظاهر بيبرس علي ذلك بإرسال حملة إلي بلاد النوبة عام 1273 وحملة أخري عام 1275، وتمكن الأمير عز الدين الأفرم قائد الحملة من الإنتصار علي الملك داوود وأسره وإقامة عمه شاكندة ملكا لبلاد النوبة، وقد تعهد شاكندة بدفع جزية في كل عام، وقد أنشأ السلطان بيبرس عقب هذه الانتصارات ديوانا خاصة للنوبة في القاهرة تحت إشراف الوزير بهاء الدين بن حنا.
وأشار البحث إلي قبائل البجا وكيف أنها كانت تعيش في منطقة تمتد من البحر الأحمر شرقا إلي نهر النيل من الغرب ومن المنحدرات الشمالية لهضبة الحبشة جنوبا إلي ميناء عيذاب ووادي العلاقي وأسوان من الشمال، حيث كان قدماء المصريين وقبائل البجا ينتميان إلي أصل واحد وطبيعة واحدة، وعندما فتح العرب مصر لم تظهر قبائل البجا أية عداوة للمصريين، وكانت أول غارة من قبائل البجا علي صعيد مصر سنة 107ه ?725م? وردهم الوالي عبيدالله السلولي وعقد معهم معاهدة تدفع بمقتضاها قبائل البجا 300 جمل صغير لوالي مصر، وبعد هذه المعاهدة بدأت قبائل البجا الاختلاط بالقبائل العربية في الصعيد الأعلي .
محمد علي
وأشار البحث إلي فتح البلاد السودانية في عهد محمد علي عام 1820وكيف أنه لم يكن بالسودان حكومة مركزية وكانت السيادة موزعة بين القبائل في شتي المناطق وبين قيادات دينية من مشايخ الطرق الصوفية، وكان لكل منها أتباع علي شكل تجمعات تتسلح بالسيوف والأسلحة البدائية ومن أهم الأسباب التي دعت محمد علي لفتح البلاد السودانية حسم الموقف بالنسبة لحدود مصر الجنوبية وضم السودان إلي مناطق نفوذه ومطاردة المماليك الهاربين إلي السودان وكان محمد علي يتوقع تأييد الشعب السوداني لقواته بمجرد وصولها نظرا للتكوين البشري للسودانيين وانتماء غالبيتهم إلي أجناس من أصول عربية، ونظرا لنظام السودان القبلي والطائفي فقد إصطحب محمد علي مع قواته 3 من علماء الدين الإسلامي من مختلف المذاهب لتسهيل عملية الاندماج السريع بين المصريين والسودانيين، فأراد أن يؤمن حدود مصر الجنوبية ويطمئن علي منابع النيل شريان الحياة الاقتصادية، وكانت حدود مصر الجنوبية قبل فتح محمد علي للسودان عام 1820 تقع جنوب جزيرة ساي بالقرب من الشلال الثالث، وتعتبر الحدود الحالية التي تقع شمال وادي حلفا حدودا باطلة كما وصفها الرافعي، وبموجب إتفاقية الحكم الثنائي عام 1889 أصبح خط عرض 22 درجة هو الحد الفاصل بين مصر والسودان وبذلك تمكن الاستعمار البريطاني من اقتطاع وادي حلفا وكوشا وسكوت وواحة سليمة وسواكن من الأراضي المصرية وضمها إلي الأراضي السودانية، وكانت حدود مصر قبل عام 1820 عند خط عرض 20 درجة شمالا حيث يبدأ خط الحدود من جنوب جزيرة ساي بالقرب من الشلال الثالث أي أن منطقة وادي حلفا وكوشا وسواكن كانت تدخل ضمن حدود مصر الأصلية قبل فتح محمد علي للسودان عام 1820.
وأشارت الدراسة إلي الثورة المهدية التي بدأت في السودان عام 1881وكيف أنه في العام التالي وقعت مصر في قبضة الاحتلال البريطاني ولم يمض وقت طويل حتي أخذت وزارة الخارجية البريطانية في التفكير في إخلاء القوات المصرية من السودان وفي تلك المناسبة طرحت مرة أخري قضية حدود مصر الجنوبية وكان لابد من تحديد الخط الذي ينبغي أن تنسحب إليه القوات المصرية باعتباره يشكل حدود مصر الجنوبية، وفي أوائل عام 1884 أبلغ ممثل الاحتلال البريطاني في القاهرة الحكومة المصرية أن لندن تتعهد بالدفاع عن حدود مصر الجنوبية التي تقررت في عهد محمد علي بدءا من وادي حلفا، والدفاع عن موانيء البحر الأحمر خاصة سواكن، وذلك بعد أن تقوم الحكومة المصرية بتنفيذ السياسة البريطانية التي تقررت بإخلاء السودان من القوات المصرية، ورفض شريف باشا رئيس وزراء مصر إخلاء القوات المصرية من السودان وقدم استقالة الحكومة في 7 يناير 1884 احتجاجا علي طلب إنجلترا من مصر إخلاء السودان، وكانت وجهة نظره أنه من العبث هدم ما بذلته مصر من جهود في السودان، وإذا جاز أن تتخلي مصر عن المناطق التي سقطت فعلا واحتلتها قوات المهدي، فلا يصح أن تتخلي مصر عن الخرطوم وما حولها، حيث لم تمتد إليها الثورة المهدية ولا تزال القوات المصرية قادرة علي الدفاع عنها، وقد قبل الخديو توفيق استقالة حكومة شريف باشا، واستدعي رياض باشا وعرض عليه تأليف الحكومة فرفض تأليفها علي أساس إخلاء السودان، وقبل نوبار باشا تأليف الحكومة وكان برنامجه يتلخص في تنفيذ السياسة البريطانية التي تهدف إلي إخلاء السودان, وبعد إخلاء السودان إستقرت القوات المصرية بالقرب من الشلال الثالث شمال دنقلة كما استقرت في سواكن, وكانت الحدود الجنوبية لمصر قبل فتح السودان عند خط عرض 20 درجة بالقرب من الشلال الثالث.
وأوضحت الدراسة أن السودان قد ظلت منذ عام 1820 تحت سلطة سياسية واحدة باعتبار مصر والسودان إقليما سياسيا واحدا، وقد اضطرت مصر إلي إخلاء السودان تحت ضغط الثورة المهدية في السودان عام 1881 وتحت ضغط سلطات الاحتلال البريطاني في مصر عام 1884، وقد ترتب علي الشراكة المصرية البريطانية في إخماد الثورة المهدية إعادة فتح السودان عام 1896، وأرغمت بريطانيا الحكومة المصرية علي توقيع إتفاقية 19 يناير 1899 التي عرفت باسم إتفاقية الحكم الثنائي، وقد أطقلت المادة الأولي من هذه الاتفاقية لفظ السودان علي الأراضي الكائنة جنوب خط عرض 22 درجة شمالا، وبعد يومين من استيلاء الجيش المصري علي أم درمان، قررت الحكومة البريطانية رفع العلم البريطاني بجانب العلم المصري، وتم إخطار الحكومة المصرية بذلك القرار وأعد اللورد كرومر مسودة إتفاقية الحكم الثنائي للسودان يوم 10 نوفمبر 1898 وأرسلها إلي كتشنر وكان في لندن، وقام كتشنر بإلغاء كل النصوص التي تعطي بعض الصلاحيات للخديو، وأرغمت بريطانيا الحكومة المصرية علي توقيع هذه الإتفاقية في يناير 1899، كما قررت بريطانيا في 10 يوليو 1899 إضافة ملحق لهذه الاتفاقية تم بموجبه ضم سواكن التي كانت مصرية في ذلك الوقت إلي السودان لتسير عليها سلطات الحاكم العام للسودان، وفي غداة توقيع إتفاقية 19يناير 1899 نبهت جريدة المؤيد القراء أن هذه الإتفاقية فرضت الحدود الجنوبية لمصر عند نهاية خط عرض 22 درجة شمالا، وهذا الخط يقع شمال وادي حلفا ولكن الطمع الإنجليزي الحق وادي حلفا بالسودان إدارة لا ملكية، فهي من أملاك مصر ولكنها تحت إدارة حكومة السودان، وطبقا لاتفاقية الحكم الثنائي للسودان عام 1899 يكون مصطلح السودان مقصور علي الأراضي التي امتلكتها مصر في السابق وتمكن جيش المهدي من الاستيلاء عليها ثم صار استرجاعها في وقت من الأوقات بمساعدة بريطانيا، ولكن الأخذ بهذا الرأي لا يلبث أن تنشأ عنه مصاعب إدارية كبيرة، حيث يجب في هذه الحالة استبعاد كل من وادي حلفا وسواكن من الأراضي التي يشملها مصطلح السودان لأن وادي حلفا وسواكن لم يسبق احتلالهما من الثورة المهدية السودانية إطلاقا.
تفاوض
وأكد النشرتي بدراسته علي أن مصر قد حاولت إلغاء إتفاقية الحكم الثنائي بالتفاوض 10 مرات دون جدوي حيث أصرت الحكومة البريطانية علي البقاء في السودان وإدارته دون اشتراك مصر و بدأت المفاوضات عام 1920 بين عدلي يكن رئيس وزراء مصر مع اللورد لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا وعندما أعلنت بريطانيا استقلال مصر في تصريح 28 فبراير 1922 كان السودان أحد التحفظات الأربعة التي أصرت عليها لندن، واستمرت بريطانيا تدير السودان لحسابها وحاول الملك فؤاد أن ينص الدستور علي أنه ملك مصر والسودان فرفضت بريطانيا وفي عام 1924 تفاوض سعد زغلول رئيس وزراء مصر مع ماكدونالد رئيس وزراء بريطانيا حيث أصرت بريطانيا في 22 نوفمبر 1924 علي سحب الجيش المصري من السودان بعد اغتيال حاكم السودان العام وكان سعد زغلول ثاني رئيس وزراء مصر يستقيل بعد محمد شريف باشا احتجاجا علي إخلاء السودان وسحب الجيش المصري من السودان، ومن الجدير بالذكر أن الخط الإداري المحدد في إتفاقية 19 يناير 1899 لم يكن له وقت إنشائه أي دلالة سياسية، حيث كان ذلك الخط يفصل بين إقليمين يخضعان قانونا لسلطة سياسة واحدة هي سلطة الخديو عباس حلمي الثاني وقد بادرت مصر في عام 1951 بإرادتها المنفردة إلي إلغاء إتفاقية 19 يناير 1899، وأعلن الزعيم مصطفي النحاس توحيد مصر والسودان، وعلي الرغم من قيام الحكومة المصرية عام 1951 بإرادتها المنفردة بإلغاء إتفاقية 19 يناير 1899 المبرمة مع بريطانيا، والتي تعتبر خط عرض 22 درجة شمالا هو الخط الإداري الفاصل بين مصر والسودان إلا أن الدستور المؤقت للسودان الذي صدر عام 1953 قد أقر الحدود الإدارية التي نصت عليها إتفاقية 19 يناير 1899 وإعتبرها حدود سياسية بين مصر والسودان، ومن الجدير بالذكر أن البرلمان المصري قد اجتمع بمجلسيه ?الشيوخ والنواب? يوم الأثنين 18 أكتوبر 1951، حيث أعلن مصطفي النحاس رئيس الوزراء في ذلك الوقت إلغاء اتفاقية 19 يناير 1899 بشأن إدارة السودان وقد صدق البرلمان المصري علي إلغاء هذه الإتفاقية.
في 13 يناير 1958 تم إخطار الحكومة السودانية أن الحكومة المصرية بموجب سلطتها السيادية قررت دعوة السكان المصريين في وادي حلفا وحلايب للمشاركة في الاستفتاء علي قيام الوحدة بين مصر والسودان، وقد أرسلت المذكرة الثانية في 29 يناير 1958، حيث رفضت مصر في هذه المذكرة إدخال مثلث حلايب ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وأرسلت الحكومة المصرية لجان الاستفتاء علي الوحدة المصرية السورية، حيث تم إرسال لجنة إلي وادي حلفا وأخري إلي حلايب، لكن الحكومة السودانية رفضت وجود تلك اللجان، وكتبت الصحف أن الرئيس جمال عبدالناصر قرر غزو السودان، ووجد أهالي وادي حلفا وحلايب أنفسهم في وضع غريب فتلك اللجان كانت لجان إنتخابات، وعند وصول لجان الاستفتاء إلي وادي حلفا قامت السلطات السودانية باحتجازهم في فندق حلفا، وأرسلت الحكومة المصرية بعض الوحدات العسكرية إلي وادي حلفا وحلايب المتنازع عليهما، و إستدعت الحكومة السودانية محمد محجوب وزير خارجية السودان وجري إطلاعه علي المذكرةالمصرية التي تطالب حكومة السودان بتسليم وادي حلفا وحلايب، وسافر محجوب إلي القاهرة وإجتمع مع الرئيس جمال عبدالناصر واقترح محجوب أن تترك قضية الحدود إلي ما بعد إجراء الانتخابات في السودان، ولم يوافق عبدالناصر علي هذا الطلب وإنتهت المحادثات وقدم السودان شكوي إلي الأمم المتحدة وإلي جامعة الدول العربية ضد مصر، لكن الأزمة هدأت بعد إصدار الحكومة المصرية بيانا أعلنت فيه إرجاء تسوية موضوع الحدود السودانية، وأكد البيان أن القوات المصرية لم تتحرك لغزو السودان ولكنها دائما السند للسودان ضد العدوان المشترك.
وأكدت الدراسة أنه عقب محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا في يونية 1995 اتخذت الحكومة المصرية إجراءات من شأنها تغيير الوضع القائم في مثلث حلايب، وقد أدي ذلك إلي تزايد المخاوف السودانية حول النوايا المصرية الأمر الذي أدي إلي تدهور العلاقات المصرية السودانية وقد انتهت أزمة حلايب بتدعيم الوجود العسكري المصري في مثلث حلايب، وتمكنت مصر من بسط سيادتها الكاملة علي مثلث حلايب اعتبارا من 10 يوليو 1995، وأوضحت كيف أن مصر قد أكدت في رسالة تم توجيهها إلي مجلس الأمن الدولي ردا علي شكاوي الحكومة السودانية أن التشكيك السوداني في السيادة المصرية علي مثلث حلايب لا يستند إلي أي أساس تاريخي أو قانوني، وأن سواكن خاضعة للسيادة المصرية في عهد سلاطين مصر من المماليك، وبصفة خاصة عهد الظاهر بيبرس عام 1265 وعهد الناصر بن قلاوون عام 1316، وأصبحت سواكن خاضعة للسيادة المصرية عام 1846 في عهد محمد علي باشا، وعقب الاحتلال البريطاني لمصر طلبت الحكومة البريطانية من مصر إخلاء السودان عام 1884، وتم استبعاد سواكن من الأراضي السودانية، لأن سواكن لم يسبق إحتلالها من القوات المهدية في السودان، وعلي الرغم من ذلك تم اقتطاع سواكن من الأراضي المصرية حيث أصبح خط عرض 22 درجة شمالاً هو خط الحدود الإدارية بين مصر والسودان طبقا لاتفاقية 1899.
وشددت الدراسة البحثية علي أن السيادة المصرية علي إقليم سواكن ثابتة تاريخيا وقانونيا منذ عام 725 وكانت قبائل البجا في إقليم سواكن تدين بالولاء والطاعة لسلاطين مصر من المماليك واستمرت السيادة المصرية علي سواكن حتي عام 1899، في حين بدأت السيادة السودانية علي سواكن بعد استقلال السودان عام 1956، واستمرار السيادة السودانية علي إقليم سواكن منذ عام 1956، لا يستند إلي أي أساس تاريخي أو قانوني، حيث بادرت الحكومة المصرية في عام 1951 إلي إلغاء إتفاقية 1899، التي تم بموجبها اقتطاع إقليم سواكن من الأراضي المصرية، وقالت أن واقع الحال يشير إلي أن الحكومة المصرية لا تتمسك بحقوق مصر التاريخية ولا تسعي إلي إستعادة السيادة المصرية علي إقليم سواكن وهو جزء من أرض مصر التاريخية بدعوي الحفاظ علي العلاقات الأخوية مع السودان الشقيق وهذا يعني التفريط في حقوق مصر التاريخية وسيادتها علي إقليم سواكن المتنازع عليه مع السودان وهذا خطأ تاريخي وينبغي تصحيحه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.