هذه محاولة لقراءة مستقبلية لما سوف يكون عليه الشارع السياسي المصري بعد أن تضع الحرب البرلمانية أوزارها ويحسم الأمر بالنسبة لموقع الرئاسة. هذه القراءة لا تعتمد علي الحسابات الفلكية ولا علي ضرب الودع ولا حتي علي التخمين العشوائي.. إنما هي نظرة مستمدة من واقع مجريات وأحداث هذا الشارع السياسي لمدة ثلاثة عقود بدأت منذ تولي الرئيس زمام الأمور وقاد مجرياتها علي المستويين الحزبي والتنفيذي. من القراءة يبدو لنا أن الانتخابات البرلمانية التي يجري الاستعداد لها الآن علي قدم وساق من جميع الأحزاب السياسية والمستقلين سوف تنتهي نتائجها إلي فوز مؤكد للحزب الوطني بأغلبية مريحة لا يترتب عليها أي عكننة فعالة من بقية المرشحين علي اختلاف انتماءاتهم أو تصنيفاتهم.. فوز ليس فيه مفاجأة للمراقبين المحليين أو الخارجين أو للرأي العام المصري والعالمي.. وربما تكون المفاجأة النسبية هي في ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت علي المرشحين عما تعودنا عليه في المرات السابقة بما يتناسب مع زيادة حجم الأموال المنفقة علي الحملات الانتخابية سواء علي بنود الدعاية المسموحة أو غير المسموحة أو علي بنود الهدايا والحوافز "بدلا من الرشاوي" التي تحفز الناخبين علي المشاركة بالتصويت. والقراءة تشير إلي حدوث ردود أفعال لنتائج فوز الحزب الوطني بالأغلبية.. بعضها في محله والبعض الآخر في غير محله.. والمهم أن تلك الردود سوف تكون مادة خصبة للإعلام المقروء والمرئي والمسموع كما سوف تشغل ساحات النيابات والمحاكم ببلاغات وقضايا كلها تتهم حيدة الانتخابات وشرعية النتائج. من الجائز أيضا أن تتعدي آثار تلك الردود الحدود المصرية إلي الحدود الإقليمية ثم الدولية حيث الصحافة ومحطات التليفزيون ووكالات الأنباء الاقليمية والعالمية.. ناهيك عن منظمات ومراكز حقوق الإنسان المصرية والعربية والدولية. كل ذلك سوف يحدث كما تقول القراءة المستقبلية دون أن يكون هناك لأي قوة من القوي التي سبق الاشارة إليها صوت أقوي من صوت النتائج الرسمية المعلنة من وزارة الداخلية المصرية عن هذه الانتخابات.. فلا صوت يعلو فوق صوت الشرعية ولو كره الكارهون!! أما عن موقع الرئاسة فيمكن التأكيد بما لا يدع مجالا لأي شك بأن هذ الموقع بحكم القوي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية سيحسم لصالح الرئيس مبارك.. وتقول القراءة أيضا أن جميع القوي المعارضة سواء الداخلية أو الخارجية منها سوف لا تملك في واقع الأمر ما يمكن أن يشكك شكليا أو موضوعيا في أحقية الرئيس مبارك لموقع الرئاسة، ولا إن يشكك في حقيقة الاجماع الشعبي عليه في ضوء الواقع الحالي وعدم وجود منافس حقيقي يمكن أن ينازعه هذا الأمر حتي وإن الانتخابات بحياد شديد وبإشراف قضائي أهلي ودولي كاملين أو حتي لو اجتمعت جميع القوي المعارضة واتفقت فرضا فيما بينها علي مرشح آخر للرياسة. ومن هذه القراءة بالنسبة لموقع الرئاسة نستبين أن ردود الأفعال سوف تكون في الحدود البسيطة والمعقولة والتي غالبا ما تنتهي دون أن يكون لها الدوي المقصود منها ودون أن تستقبلها الجماهير بالتقدير الكافي حيث تموت في مهدها أو ترتد من حيث أتت، فضلا عن أن تلك الردود غالبا ما سوف تتعرض للنقد والاستهزاء من غالبية أصحاب الرأي العام المصري الذي غالبا ما يتعامل مع الرئيس بطريقة الابن مع الأب خصوصا مع طول فترة بقاء الرئيس علي مقعد الرئاسة وافتقاد البديل المناسب حتي الآن. وسواء قام الرئيس مبارك بترشيح نفسه وهو الأمر الغالب أو لم يرشح نفسه لفترة أخري فإن الأمر المؤكد في حالة عدم ترشحه أن المرشح القادم سوف يكون من داخل الحزب الوطني وبترشيح من الرئيس مبارك أو بمباركته وبالتالي فسوف تكون معركة الانتخابات الرئاسية في صالح الحزب الوطني بدون شك وبناء علي القراءة السابقة فيما يتعلق بنتائج الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية يمكن التأكيد علي أنه من غير المتوقع حدوث تغيرات جوهرية في منظومة العمل السياسي الداخلي أو الخارجي.. من الصحيح أن الأحداث تتوالي والمستجدات تظهر مع الزمن والظروف تتشكل، ولكن من الصحيح أيضا أن المدرسة السياسية والدبلوماسية المصرية سوف لا تخرج عن الثوابت المتفق عليها والتي تشكلت خلال العقود الثلاثة السابقة.. نفس الشيء يمكن أن يقال عن التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية مع امكانية حدوث بعض أو كثير من التغيير في طريقة التعامل مع هذه التفاعلات وفقا للقوي الضاغطة وبما يحفظ الأمن القومي والاجتماعي للشعب وللوطن. ثم يكون السؤال: ماذا بعد هذه القراءة المستقبلية للشارع السياسي المصري بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟ من حيث إن الكرة سوف تستمر عند الحزب الوطني فلابد لهذا الحزب الذي هو في حقيقة الأمر كان وسوف يكون