كشفت قيادات مصرفية عربية واجنبية بارزة عن انسحاب البنوك العالمية الكبري من تمويل مشروعات البنية التحتية التي تتم اقامتها داخل دول المنطقة وتحتاج لاستثمارات ضخمة وارجعوا ذلك إلي نقص السيولة الشديد لدي هذه البنوك من جراء الازمة المالية التي عصفت باسواق العالم منذ سبتمبر 2008. وأكدوا ان البنوك العالمية كانت تمول 60% من تكلفة المشروعات الكبري التي تتم اقامتها داخل دول المنطقة إلا ان هذا الرقم تراجع بشدة عقب الازمة المالية وتوقع هؤلاء ان تتجاوز قيمة التراجع في التمويل من هذه المؤسسات نحو 100 مليار جنيه. وكانت الازمة العالمية وانعكاساتها علي اقتصادات دول المنطقة قد اثارت العديد من التساؤلات بين مشاركين في ملتقي الكويت المالي، وذلك حول مدي استعداد البنوك العالمية للتعاون مع البنوك العربية في تمويل المشروعات الكبري وغيرها من الخدمات المصرفية التي تقدمها. وقال يوسف نصر رئيس مجلس ادارة بنك "اتش. اس. بي. سي الشرق الاوسط" إن احدث الاحصائيات تشير وبوضوح إلي تراجع دور البنوك العالمية في المنطقة حيث قامت بتخفيض محفظتها في الدول العربية بين 50 و70 مليار دولار في ظل توقعات بأن يصل حجم التخفيض إلي 100 مليار في نهاية العام. وأضاف نصر ان الكثيرمن الامور تغيرت في اعقاب الازمة المالية إذ ان الكثير من البنوك الاجنبية حصلت علي مساعدات حكومية وبعضها زادت نسبة الملكية الحكومية فيها إلي اكثر من 70% في اطار الاجراءات الاحترازية الي اتخذتها الكثير من الحكومات. وأشار إلي ان هذه المتغييرات تعني ان تركيز هذه البنوك سيكون اكثر علي اسواقها المحلية لانها في النهاية تعمل "بأموال الحكومة التي هي أموال الشعب". وتطرق نصر إلي اشكالية أخري تتعلق بالبنوك الاجنبية وهي تلك التي تتعلق بتصنيفات الكثير من الدول العربية عدا دول الخليج التي تعتبر اصلا منخفضة وجاءت الازمة وخفضتها اكثر وبالتالي فإن نسبة المخاطر اصبحت اعلي وهو ما يزيد من تحفظ البنوك العالمية. من جانبها، قالت شيخة البحر نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني إنه لا يمكن انكار مدي تأثر الصناعة المصرفية في منطقة الخليج بشكل مباشر بما حدث في العالم بسبب الدور الذي تلعبه البنوك العالمية في المنطقة. وأضافت ان حجم المشروعات المتوقعة في المنطقة يصل إلي حوالي 2.1 تريليون دولار وهوما يطرح الكثير من التساؤلات حول مصادر التمويل التي يمكن ان يتم من خلالها تمويل هذه المشروعات العملاقة. وتساءلت البحر عما إذا كان لدي البنوك المحلية في دول الخليج القدرة علي تمويل هذه المشروعات في ظل الانسحاب الواضح للبنوك العالمية وعزوفها عن تقديم التمويل بالصورة المطلوبة أو التي كانت سائدة في السابق. كما تساءلت عما إذا كان لدي المستثمرين الخليجيين القدرة أو الرغبة في ضخ المزيد من الاستثمارات في هذه النوعية من المشروعات. وأوضحت ان الثروات السيادية في دول الخليج تظل دائما في موقع القيادة حيث تقدر حاليا بحوالي 1.2 تريليون دولار مع توقعات بتراكم ثروات تقدر ما بين 500 و800 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وأشارت إلي ردة الفعل السلبية التي اصابت البنوك الخليجية والتي جعلتها تتردد في التمويل بالشكل المطلوب وهو امر طبيعي ومتوقع بسبب ما حدث وما تعرضت له اقتصادات المنطقة وقطاعاتها المختلفة. من ناحيته، دافع جان دوراند المدير العام والعضو المنتدب لبنك "بي. ان. بي. باربيا" الفرنسي لدول الخليج عن استمرارية دور البنوك العالمية في المنطقة، مشيرا إلي ان منطقة الخليج كانت ولاتزال من أهم مناطق العالم بسبب مواردها المالية والطبيعية. وأضاف دوراند ان البنوك العالمية لاتزال تنظر إلي المنطقة رغم الازمة علي انها من أفضل مناطق الاستثمار في العالم موضحا ان الاسماء والمشروعات الناجحة في المنطقة لاتزال تستقطب اهتمام البنوك الاجنبية وهي دائما راغبة في التعاون معها. وأشار إلي ان هناك العديد من المشروعات الاستراتيجية في المنطقة وهي مشروعات بحاجة إلي التمويل والبنوك العالمية مستعدة للتعاون مع البنوك المحلية في هذا الاطار. أما عبدالعزيز الغرير الرئيس التنفيذي لبنك المشرق الاماراتي فقال إن الكثير من الامور تغيرت بسبب الازمة التي كان لها نتائجها المختلفة علي القطاع المصرفي. وضرب مثالا بمعدلات النمو للبنوك الخليجية خلال السنوات الثلاث المقبلة متوقعا أن تصل إلي 5% وهو الامر الطبيعي لأن ما حدث في السابق من معدلات نمو لم يكن طبيعيا.. وأضاف أن البنوك ستركز في المرحلة المقبلة علي اسواقها المحلية والكثير منها سيؤجل خطط التوسع الطموح. واتفق الغرير مع ما طرحه محافظو البنوك المركزية العربية أمس الذين نادوا بتشديد الرقابة علي القطاع المصرفي في دول الخليج ولكنه أشار إلي محاذير وعلي البنوك المركزية حث وتشجيع البنوك علي تطوير خدماتها وعملها وتطوير جهاز إدارة المخاطر لديها وعليها أيضا أن تشجع وتكافيء البنوك التي تستثمر في تطوير البني التحتية لديها كتطوير المنتجات والتقنيات علي القوانين الجديدة والمراقبة من قبل البنوك المركزية وألا توقف عمل البنوك وابداعاتها.. اذا توقف عمل البنوك توقف الاقتصاد. وفي رده علي سؤال حول استفادة البنوك المحلية من تراجع البنوك الدولية في اسواق المنطقة من خلال توسيع نطاق دورها وحصتها في السوق، وقال: "ما يمكن ان نراه هو تراجع المصارف غير المقيمة في إجراء المعاملات في المنطقة وعلي المدي القصير هناك نافذة من الفرص للبنوك المحلية لاخذ حصة من السوق، البنوك القوية، مثل المشرق أو البنوك المملوكة من قبل الحكومة والمستفيدة من عائدات الحكومة يمكنها الاستفاد القصوي من الفرصة السانحة ولكن الأهم أيضا أن هناك فرصة سانحة للبنوك المحلية لتطوير المهارات، خاصة في مجال الاستثمار المصرفي وفي مجال التجزئة ، والبنوك الدولية لا يمكن أن تنافس علي حصص كبيرة في السوق المصارف الخارجية وراءنا في اسواقنا خطوة بخطوة". وتابع الغرير قائلا: "إن البنوك في المنطقة لاتزال في حالة جيدة ولكن من المهم أن ندرك الدور الكبير المترتب علينا لاعادة الثقة إلي السوق، شكل المنتدي الناجح قناة اتصال جديدة بين الاطراف الرئيسية في الصناعة المصرفية، التي بدورها ستشكل خطوة مهمة نحو اقتصاد اقوي". وتطرق عبدالعزيز الغرير في كلمته إلي التحديات التي تواجه المصارف العربية، وتناول أيضا جودة الاصول والسيولة وإدارة المخاطر وكيف يمكن تحسينها بالاضافة إلي نمو المؤسسات الاقليمية والدولية علي ضوء ظروف السوق الحالي.