تقرير مهم أصدره مكتب تنسيق النشاطات الإنسانية التابع للأمم المتحدة حول القدس في القانون الدولي وموقف السلطة الفلسطينية منها. وانتهي إلي أن إسرائيل تمارس جريمة تطهير عرقي في القدس يرسم علامات استفهام أمام الصمت الذي التحقت به السلطة الفلسطينية رغم أن ما تقوم به إسرائيل هو من أخطر جرائم القانون الدولي.. ومثار الاستغراب هنا ليس حول ما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية منها ما فتئت تنتهك القرارات وتتجاوز القانون. ولكن عنصر الغرابة ينصرف إلي السلطة الفلسطينية التي لم تبد أي استهجان إزاء ما يحدث في القدس وما يحدث للمسجد الأقصي المهدد بالانهيار. والصمت كما يقال علامة الرضا فكأنها لا تمانع ما تقوم به إسرائيل. والواقع أن الموقف جد خطير.. فبمقتضي الإجراءات التي تتخذها الدولة الصهيونية وفق ما أكده التقرير المذكور سيتم ترحيل ستين ألف فلسطيني من القدس وتهدم منازلهم وهي جريمة طرد قسري فردي وجماعي وفق المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام ،1949 والفقرة "أ" من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وهي جريمة اقترفتها وتقترفها إسرائيل علي مدي تاريخها في احتلال الأرض الفلسطينية. سيناريو التهويد وهذا ما سجله المؤرخ الإسرائيلي "إيلان بابيه" في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" حيث كتب أن إسرائيل ارتكبت هذه الجريمة سنة 1948 فكان أن نتج عنها طرد أكثر من ثمانمائة ألف فلسطيني من بلادهم. وفي سنة 2007 ومن أجل الاستيلاء علي 45 قرية فلسطينية قامت إسرائيل بهدم كل المنازل في قرية (طويل أبوجرول) في النقب حيث هدمت المنازل وصادرت الممتلكات وتركت أصحابها في العراء دون مأوي. واليوم تعكف حكومة نيتانياهو علي تبني سياسة لتهويد القدس بعد أن وضعت حكومة "أولمرت" المخطط لذلك والذي هدف إلي إحاطة القدس العتيقة بتسع حدائق. مشروع جديد للاستيطان في القدسالشرقية أما أحدث مشروع استيطاني فلقد كشفت عنه صحيفة "معاريف" مؤخرا ويتضمن بناء 14 ألف وحدة سكنية في قرية (ولجه) جنوب شرق القدس والذي سيطرح خلال أسابيع قليلة ويعد الأكبر من نوعه في القدسالشرقية منذ إقامة الاحياء العملاقة. ستبلغ مساحة الحي الجديد 3،000 دونم وتتسع لاستيعاب 40 ألف يهودي. المشروع سيتجاوز الحدود البلدية لمدينة القدس إلي داخل مناطق الضفة. ولاشك أن إسرائيل بذلك تخرق القانون الدولي عمدا ومع سبق الاصرار لأن القدس مدينة محتلة والاحتلال غير مشروع وبالتالي تخضع لاتفاقية جنيف الرابع لعام 1949 التي تحرم كل أعمال مصادرة الأراضي الفلسطينية والطرد القسري وتغيير التركيبة السكانية. بالإضافة إلي أن قرار مجلس الأمن رقم "242" لسنة 1967 وقرار "338" لسنة 1973 يطالبانها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بما فيها غزة والضفة. بل إن مجلس الأمن أصدر أكثر من قرار يؤكد بأن القدس أرض محتلة وأن إسرائيل مطالبة بعدم اتخاذ أي إجراء يتم بواسطته تغيير الوضع الجغرافي أو الديموجرافي، فكل القرارات الدولية تنص علي تحريم الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وبالتالي تصبح كل العمليات التي تقوم بها إسرائيل لتهويد القدس باطلة من وجهة نظر القانون الدولي بل وتعد جريمة دولية جسيمة. أكثر من علامة استفهام أمام سلطة عباس ويستمر موقف السلطة الفلسطينية يثير الدهشة فهي غائبة كلية عما يحدث من طرد قسري للفلسطينيين وزيادة الاستيطان وتغيير معالم المدينة، فموقف السلطة لم يخرج عن الإدانة الشكلية وهو موقف مشابه لدول غربية تناصر إسرائيل. لقد سارع عباس فهنأ نيتانياهو بحكومته اليمينية المتطرفة وهو يعلم بأن إسرآئيل اسقطت المبادرة العربية من حساباتها وكذا اتفاق "أنابوليس" واسقطت امكانية وقف الاستيطان أو هدم الجدار أو عودة اللاجئين أو وقف تهويد القدس. موقف عباس المشين يفضحه عدم تقديم أية مساعدات للمؤسسات الحقوقية الغربية التي شرعت في رفع دعاوي قضائية ضد ساسة إسرائيل بعد العدوان علي غزة (ديسمبر ويناير الماضيين) كما أن سلطة عباس متهمة بالنكوص عن ملاحقة إسرائيل قضائيا وإلا لبادرت بملاحقة الشركات الأجنبية التي تتعاقد معها إسرائيل في تنفيذ مخطط التهويد قضائيا داخل بلدانها لأنها بذلك تخالف القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.. ولربما لا يكون هذا مثار غرابة بالنسبة لسلطة عباس التي نأت بنفسها كلية عن الحصار المفروض علي غزة منذ أكثر من عامين ولم تشأ أن تتحرك لرفعه. بل التزمت الصمت رغم أنه جريمة كبري ضد الإنسانية. مفاجأة من العيار الثقيل أما المفاجأة الكبري التي فجرتها سلطة عباس مؤخرا فكانت من العيار الثقيل وذلك عندما طالبت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بارجاء التصويت علي تقرير القاضي "ريتشارد جولدستون" الذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في عدوانها علي غزة وعليه فبدلا من أن يتم التصويت علي هذا التقرير غير المسبوق في الثاني من أكتوبر الحالي أرجيء إلي دورة تعقد في مارس القادم. وهكذا نجحت السلطة الفلسطينية في دفن التقرير مسجلة بذلك سقوطا سياسيا إضافيا لها. وهو السقوط الذي دفع عباس إلي أن يتصل برئيس دولة أوروبية ليقوله له "لا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"!! وكان يدعوه بذلك إلي عدم الغضب علي خلفية إرجاء التصويت علي تقرير "جولدن ستون" وهو التصويت الذي كان سيتم بموجبه. إحالة التقرير إلي مجلس الأمن. ولاشك بأن ما حدث يعد فضيحة بكل المعايير، فإن يأتي التأجيل بناء علي طلب من عباس لهو دليل علي أن الرجل كان مهتما بتحقيق النصر لإسرائيل ولو علي حساب الشعب الفلسطيني..! ودفن تقرير جولدستون عموما فإن ما فعلته السلطة الفلسطنيية كان متوقعا، لقد انصاعت لتهديد ليبرمان وزير خارجية إسرائيل الذي طالبها في سبتمبر الماضي بسحب موافقتها علي هذا التقرير مذكرا إياها بأن حرب غزة التي خاضتها إسرائيل قد تمت بدعم وتحريض من سلطة عباس التي أرادت لإسرائيل أن تمضي فيها حتي النهاية. وهكذا دفن تقرير جولدستون وانتهي المطاف به إلي نفس المصير الذي انتهي إليه تقرير سابق كان قد أعده "ديزموند توتو" حول مذبحة جنين سنة 2006. أي أن كلا من التقريرين دفنا وواراه التراب. وأصبح عباس في مربع نيتانياهو..!! ولاشك أن موقف السلطة الفلسطينية يتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني، فلقد أثبت عباس بواسطته كيف أن نيتانياهو قد نجح في أن يأتي بالجميع وأولهم عباس إلي مربعه. ويبدو أن هذا هو ما اتفق عليه في قمة نيويورك الثلاثية 22 سبتمبر الماضي التي جمع بين أوباما وعباس ونيتانياهو. أي أن سيناريو طلب تأجيل التصويت علي تقرير جولدستون قد تم تمريره في هذه القمة. ولعل هناك ثمارا أخري للقمة ستقطفها إسرائيل قريبا بعد صمت عباس وحوارييه علي ما يجري في القدس جهارا نهارا وما يتعرض له المسجد الأقصي من أخطار في ظل ممارسات إسرائيل فيه وحوله والتي تؤكد بأن الكيان الصهيوني اتخذ قرارا بوضع اليد عليه كي يمنح المشروعية الكاملة للقدس كعاصمة أبدية موحدة لإسرائيل باعتبارها دولة لليهود، كما يدعو نيتانياهو.