ربمايكون المصنعون أكثر حظا من المزارعين في هذا البلد فالمستثمر الصناعي الباحث عن قطعة أرض يبني عليها مصنعه يتوجه إلي هيئة التنمية الصناعية التي توفر له أرضا صناعية بطرق ميسرة أما المستثمر الزراعي فهو يغوص بنفسه في قلب الصحراء باحثا عن قطعة أرض للاستصلاح وهناك يواجه قبائل التي تفرض عليه شروطا مالية وأمنية بعدها يبدأ في استصلاح الأرض لاثبات جديته ثم يدخل في مشوار طويل مع إجراءات تقنين ملكيته للأرض تستمر لعدة سنوات.. وقد ينتهي الأمر باراقة الدماء كما حدث في قضية وادي النطرون.. وحول هذه التقنية كان ذلك التحقيق من أجل تيسير الاستثمار الزراعي وتوفير العمل الآمن في هذا القطاع. والواقع أن وصول الحال في الأراضي الزراعية إلي الوضع الحالي الذي يتحكم فيه واضعو اليد يعود إلي سياسات طبقتها الدولة بهدف توسيع الرقعة الزراعية تحت عنوان من يزرع أرضا يتملكها ولكن أجهزة الدولة اكتشفت سوء استخدام هذه السياسة فصدر القانون رقم 143 لسنة 1981 الذي جرم وضع اليد علي الأرض إلا أن الظاهرة لم تنته بصدور هذا القانون ولا بسلسلة القوانين التي تلته بهدف وقف هذه الظاهرة. وكانت آخر كوارث الصراع علي الأراضي الزراعية التي تابعها الرأي العام قضية صراع علي قطعة أرض تداولت أمام محكمة الجنايات وانتهت بقرار محكمة جنايات دمنهور باحالة أوراق 24 متهما إلي المفتي لابداء الرأي الشرعي في اعدامهم بتهمة القتل العمد والشروع في القتل خلال معركة جرت بين مافيا الأراضي بمركز وادي النطرون في شهر مارس من العام الماضي وحدث كل ذلك بسبب جمعية العدالة لاستصلاح الأراضي وطيار مدني علي مساحة 1500 فدان فاستعان الطيار بمسجل خطر ومزارع وبعض الأشخاص لحراسة الأرض لكنه اختلف بعد ذلك معهم بعد أن استشعر نيتهم الاستيلاء علي الأرض لأنفسهم فطردهم من المنطقة. المستثمر.. والقبائل! آخرحلقات مسلسل المواجهات بين الدولة وواضعي اليد علي أراضيها كانت في ابريل الماضي مع إعلان وزير الزراعة قرار مد مهلة تقنين وضع اليد، التي انتهت في 31 مارس الماضي إلي نهاية يونية المقبل ويسبق هذا سلسلة من المواجهات حيث إن مهلة تقنين وضع اليد يتم مدها منذ القانون الصادر في 1981 الذي تلاه قانون ،1984 الذي منح وقتها مهلة "نهائية" مدتها ستة أشهر انتهت في 30 سبتمبر 1984 نهاية بالقانون 148 في ،2006 الذي أعطي المهلة السابقة للقرار الأخير. وبما أن المواجهة مع واضعي اليد لازالت مؤجلة يظل واضعو اليد هم المهيمنون علي المشهد خاصة وأن المستثمرين يشكون من عدم طرح الدولة للأراضي الزراعية بما يتناسب مع التوسعات المطلوبة للنشاط الزراعي في مصر، وذلك علي الرغم من الجهود الحثيثة للدولة علي تيسير السبل لتفعيل نظام مرن في طرح الأراضي خاصة بعد صدور القرار الجمهوري رقم3 15 الخاص بالمركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة التابع لمجلس الوزراء والمنوط به تحقيق الاستخدام الأمثل للأرض وتعظيم العائد منها وتحديد المركز مساحة الاستصلاح في الزراعة ب4.3 مليون فدان. وما بين تباطؤ الدولة في طرح الأراضي وهيمنة واضعي اليد علي الأراضي يشعر المستثمر الزراعي الباحث عن قطعة أرض للاستصلاح بأنه أمام مغامرة محفوفة بالمخاطر وليس أمام مشروع استثماري. ويوضح لنا رمزي نصر الله نائب رئيس شركة الوادي القابضة مشكلات المستثمرين في القطاع مشيرا إلي أن الاستثمار الزراعي يحتاج لمساحات ضخمة من الأراضي حتي يصبح المشروع مجديا بحيث لا تقل عن ألف فدان في زراعة الاشجار وما بين 5000 أو 10 آلاف فدان في مجال المحاصيل وهو الأمر الذي يعرض المستثمرين للتعامل مع واضعي اليد لتوفير المساحات اللازمة للمشروع وكما يلفت إلي أهمية التأكد في ظل هذه المعاملات من علاقات البائع للأرض مع القبائل المقيمة لضمان حماية المستثمر من أي متعد حيث إن طبيعة المساحات الكبيرة للمشروعات الزراعية تضطر المستثمرين للدخول في مناطق بعيدة عن الطرق الرئيسية وهو الأمر الذي يتطلب في بعض الأحيان طلب الحماية من هذه القبائل. ويضيف إلي العوائق السابقة طول إجراءات تقنين هذه الأراضي حيث إن الحصول علي عقد مسجل لهذه الأراضي قد يستغرق ما بين 3 إلي 4 سنوات بعد بناء المستثمر للبنية الاساسية في هذه الأرض وزراعتها حيث تقوم الدولة بمعاينة الأرض لاثبات جدية المستثمر، ويؤكد هنا أهمية توفير الأراضي لتمكين شركات الصناعات الزراعية بزراعة خاماتها الصناعية حيث إن الاعتماد علي جميع المنتجات الزراعية من المزارعين يحتاج لفريق عمل ضخم لضمان التزام المزارعين بتوفير الخامات في الوقت المناسب وبالجودة المطلوبة إلي جانب أن شراء المزروعات من المزارعين يرفع التكلفة علي الشركات المصنعة.