يبدو أن أزمة ارتفاع الدولار في السوق المحلي مازالت في طور تبلورها ومازالت المخاوف تتصاعد من تطورات جديدة قد تحملها الأيام القادمة في طياتها فالبعض مازالوا ينظرون إلي خطوة المركزي الأخيرة وقيامه بضخ كميات من النقد الأجنبي في السوق لكسر حدة المضاربات بأنه أشبه بمسكن للآلام وأن الأسوأ يمكن أن يحدث خصوصا مع جفاف منابع النقد الأجنبي التي يعتمد عليها في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية. يري الخبراء أن البنك المركزي لن يستطيع لعب دور "بيت مال المسلمين" لفترة طويلة وقد رجح الخبراء تزايد احتمالات عودة السوق السوداء في صورة ما قبل الإصلاح المصرفي في حال استمرار صعود الدولار أمام الجنيه والمصحوب بشحه في السوق. يذكر أن السوق السوداء بمفهومها الأشمل عرفت طريقها إلي الاقتصاد المصري قبل اتباع سياسات الإصلاح الاقتصادي حيث وجدت هذه السوق طريقها لكل شيء تقريبا يقع تحت أمرة الحكومة ويعد سوق النقد الأجنبي هو أبرز أشكال هذه السوق حيث ضمت عددا كبيرا من المتعاملين وأصبحت من أكبر نشاطات الأعمال في مصر وأكثرها ربحا وعلي الرغم من الصيغة غير القانونية لهذه السوق إلا أن الظروف التي سادت في ذلك الوقت ساعدتها علي النمو المفرط بسبب انخفاض السيطرة وضعف الرقابة. مسكنات فقط من جانبه يؤكد الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي أن تدخل المركزي الأخير وعلي الرغم من وجوبه إلا أنه لا يعدو كونه عبارة عن مسكنات لا تقطع جذور المشكلة المتنامية خلال الفترة المقبلة معتبرا أن الاقتصاد المصري يعيش الآن علي المحك مع الأزمة المالية العالمية الأمر الذي يؤدي إلي تزايد المخاوف من جفاف منابع النقد الأجنبي في مصر بسبب تقلص عائدات قناة السويس وتراجع السياحة بصورة أكبر من المتوقع الأمر الذي يشعل التكهنات بتضاؤل الاحتياطي من النقد الأجنبي، مشيرا إلي أن لجوء البنك المركزي إلي ضخ كميات من العملة الأجنبية للحد من المضاربات علي الدولار لا يعتبر إلا حلا مؤقتا قد يستغرق نتائجه أياما بل أسابيع علي الأكثر وأن الضربات الوقائية التي ينبغي أن يتخذها المركزي يجب أن تكون في محاور محددة بخلاف ورقة سعر الفائدة التي لا يمكن استخدامها في الوقت الراهن ولكن يجب تقليص فتح الاعتمادات المستندية من قبل البنوك وكذا خطابات الضمانات الملاحية وبالتالي تقليص الطلب المتنامي علي العملة. وتابع عبد العظيم قائلا: إن المركزي إذا أصر الإبقاء علي استخدام ورقة ضخ النقد الأجنبي في السوق فسوف يجد نفسه في مهب الريح لأنها عبارة عن مسكنات لا تضع حلا للمشكلة.. متوقعا تزايد احتمالات ظهور السوق السوداء وصعود الدولار إلي معدلات فلكية في حال إذا استمرت الأزمة التي مازالت في مرحلة التبلور علي حد قوله. مقاومة الأزمة وتقول الدكتور يمن الحماقي الخبيرة الاقتصادية إن البنك المركزي والحكومة لابد أن تستخدم هذه المرة أوراقا غير تقليدية في مقاومة الأزمة وليس الاعتماد فقط علي توفير العملة الأجنبية خصوصا في ظل الأزمة المالية العالمية المسيطرة علي الأجواء معتبرة أن أزمة الطلب علي الدولار هذه المرة تعتبر مفتعلة إلي حد كبير داعية الشارع إلي التمهل في اتخاذ القرارات وعدم اعتماد سياسة القطيع التي كانت سببا رئيسيا في أوقات سابقة في انهيار البورصات مطالبة بضرورة أن يكون قرار الشارع ذا صبغة وطنية وأن يعي كل من يهرول إلي عمليات الدولرة إنه يسهم بنحو كبير في هدم الاقتصاد القومي خصوصا في الوقت الحرج الذي نحتاج أن نمر فيه من عنق الزجاجة سالمين وبأقل الأضرار، مشيرة في ذات الوقت إلي دور الإعلام في عملية التوعية. أشارت يمن الحماقي إلي ضرورة أن تعمل الحكومة خلال الفترة المقبلة علي تقوية وتنويع مصادر النقد الأجنبي وتقليص الاستيراد والإنفاق البذخي، مشيرة إلي أن الأزمة المالية الحالية قد تكون فرصة كبيرة للعدول عن سياسات خاطئة ظلت ولاتزال سيدة الموقف لسنوات طويلة مستشهدة باستيراد طعام القطط والكلاب كمثال صارخ علي استنفاد العملات الأجنبية دون الارتكاز علي قواعد اقتصادية سليمة. أما الدكتور عبد الرحمن جاب الله أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان فقد أشار إلي أن الأزمة الأخيرة تؤكد صدق التكهنات التي اشتعلت منذ الأشهر الماضية معتبرا أن استمرار الأزمة سيلقي بظلال سلبية علي الاقتصاد المصري علي الأجلين المتوسط والطويل وذلك يتمثل في ارتفاع تكلفة الإنتاج والخدمات الداخل بما فيها الخامات والمستلزمات المستوردة بالإضافة إلي ضعف مقدرة الشركات الوطنية علي المنافسة الخارجية عند التصدير إلي الخارج والتسويق الداخلي وخروج العديد من الشركات من حلبة الإنتاج بسبب صعوبة المنافسة التي قد تقود إلي خسائر بالإضافة إلي عودة ظاهرة تكالب المدخرين علي الدولار أي العودة إلي ظاهرة الدولرة.