مرة أخري تواجه القارة العجوز (أوروبا) موجة جديدة من المشاكل الاقتصادية التي تثير القلق فيما يتعلق بوحدتها الاقتصادية وعملتها الموحدة »اليورو«. ترجع فصول هذه الأزمة المتواصلة علي مدي السنوات الثلاث الأخيرة إلي تجاوز ديون بعض دول الاتحاد الأوروبي لحدود الأمان. وكانت اليونان هي البداية ثم تلتها حاليا ايرلندا. بينما تقاوم كل من اسبانيا والبرتغال وايطاليا وبعض دول الشرق الأوروبي التي حصلت علي العضوية من نفس مقدمات هذه المشاكل. وتنعكس مظاهر وآثار هذه الأزمة علي عملة »اليورو« التي تعاني حاليا من التذبذب وعدم الاستقرار وهو وضع يمثل فرصة ذهبية لصالح سماسرة المضاربة علي أسعار العملات الدولية لتحقيق مكاسب هائلة. علي هذا الأساس فإنه يمكن القول.. تعملها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ويقع ضحية لها »اليورو« الذي كان يحتل الصدارة في المتانة والقوة والاستقرار بين كل العملات. ولأن الاقتصاد علي مستوي العالم مترابط وفقا لنظرية الأواني المستطرقة حيث يطول ما يصيب البعض باقي أعضاء الدائرة الاقتصادية العالمية. دعا التخوف السائد من تطورات الأزمة إلي تحرك رجال الاقتصاد في الولاياتالمتحدة التي مازالت تعاني من آثار تداعيات أزمة 8002.. في هذا الاطار ذهب خبراؤهم للتشاور مع الشركاء الأوروبيين لبحث سُبل المواجهة. وكما اضطرت مؤسسة الوحدة الأوروبية وصندوق النقد الدولي إلي التدخل في أزمة اليونان بضخ ما يزيد علي مائة مليار يورو قروضا ومساعدات لزيادة قدرتها علي مواجهة أزمة الديون التي تمثلت في عجز هائل بموازنة هذه الدولة فإن هاتين الجهتين وجدتا نفسيهما مجبرتين مرة أخري لضخ ما يقرب من 58 مليار يورو لانتشال ايرلندا من الأزمة المالية التي تتعرض لها حاليا بعد سنوات من الازدهار الاقتصادي الذي يبدو أنه كان كاذبا. ويشير المسئولون الايرلنديون ان هذه النجدة الاوروبية سوف تساعدها علي خفض العجز في الموازنة ودفع التزامات الديون المتراكمة. تطورات الأزمة الأوروبية والمخاوف التي أحاطت بها دفعت تنظيم مجموعة العشرين التي تضم أغني دول العالم إلي عقد اجتماع عاجل لمسئوليها من أجل بحث ملابسات الأزمة والخطوات المطلوبة لعبورها درءاً لتأثيراتها السلبية علي اقتصاد العالم الهش. ولأن الأنظار تتوجه عادة إلي الدولة الألمانية أولا ثم فرنسا باعتبارهما الدولتين الرئيستين في الاتحاد الأوروبي اللتين تملكان القدرة المالية علي المساعدة.. فقد أسرع المسئولون الألمان للتأكيد علي عدم المغالاة في تقدير هذه المساعدة. قالوا إن دافعي الضرائب الألمان لن يوافقوا علي تحمل أعباء هذه الأزمة ورغم هذا فإن التجربة وفي اطار الحرص الألماني علي استمرار الوحدة الأوروبية يشير الي انه ستكون هناك وسيلة ما لتقديم المساعدة وهو ما اتضحت معالمها في اقرار دعم ايرلندا ب58 مليار يورو. وليست أزمة اليونان ثم ايرلندا وما سوف يأتي من أزمات تواجهها دول الاتحاد الأوروبي هي كل ما يقلق ساسة وخبراء هذا التنظيم الاقتصادي السياسي العملاق وإنما هناك أيضا بعض المنغصات الأخري التي تثير العقبات مع انطلاق المسيرة المرجوة. انها تشمل ازدياد معدلات البطالة وهي الظاهرة التي تخضع بشكل أساسي لمعدلات النشاط والرواج الصناعي والاقتصادي المرتبط بتعافي الاقتصاد العالمي وعودة التبادل التجاري إلي مستواه الذي يحقق هذا الهدف. وتشير الاحصائيات الأوروبية إلي ارتفاع عدد العاطلين إلي 1.01٪ في دول الاتحاد الأوروبي وهو ما يساوي 51.32 مليون شخص في نفس الوقت الذي استقر فيه معدل التضخم قرب ال2٪. ورغم ان النمو علي مستوي دول الاتحاد سوف يحقق 7.1٪ هذا العام إلا أن هناك توقعات بألا تتجاوز 5.1٪ في العام القادم. وينظر الخبراء إلي الاقتصاد الألماني باعتباره قاطرة النمو الأوروبي ولهذا فإن ارتفاعه أو انخفاضه يؤثر علي المعدل العام للنمو. لا جدال أن هذه الهزات التي تواجه اقتصاديات العالم الكبري تشير بما لا يدعو إلي أي شك إلي ضرورة أن تكون هناك إعادة نظر في النظريات والقواعد التي تحكم الاقتصاد العالمي. لابد من ضوابط علي تصرفات وسلوكيات الدول التي يصفونها بالغنية والمتقدمة والتي تستهدف المغالاة في رخاء شعوبها علي حساب الشعوب الأخري. استمرار هذه السياسات يقود إلي توالي الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي. جلال دويدار [email protected]