هل انتهي الإبداع في بلادنا؟ أم هل عجزت أجهزة ووسائل الإعلام عن تقديم جيل جديد من الرواد والمبدعين في كل المجالات!؟. إن نظرة إلي واقعنا الحالي في مختلف المجالات تشير إلي أننا لا نستطيع بسهولة العثور علي اسماء كبيرة في الكثير من هذه المجالات وأننا أصبحنا أيضا نفتقر إلي القمم الشامخة التي تحظي بالإجماع والإشادة والإلتفاف حولها. وبدلا من صناعة النجوم وإبراز دورها فإننا علي العكس من ذلك أصبحنا نتفنن في هدم من يبرز والانتقاص من قيمة كل من يقدم جديدا أو يظهر تميزا وتفوقا. وعلي عكس الدول الأخري التي تقوم بتلميع وإظهار أنصاف الكفاءات والمبدعين لديها وتصويرهم علي أنهم شوامخ ورموز في مجالاتهم فإننا رغم كل ما يفخر به هذا البلد به من كفاءات وخبرات ومواهب لم نقدم للعالم العربي خلال عدة عقود الكثير من الاسماء ذات التأثير والشعبية كما كان الحال في الماضي. وصحيح أن عملية صناعة النجوم كانت أسهل في الماضي في ظل الهيمنة والسيطرة الإعلامية المصرية علي الساحة العربية إلا أن ظهور الفضائيات التليفزيونية كان من الممكن أن يكون عاملا مساعدا أيضا وأقوي تأثيرا وأكثر انتشارا كذلك. إلا أن ما حدث كان مخيبا للآمال والتوقعات، فالفضائيات التليفزيونية العربية ساهمت وساعدت في نشر النجوم والأعمال والشخصيات العربية ولكنها لم تساعد في الوقت نفسه علي إظهار الإبداعات المصرية بنفس الدرجة. وقد يرجع ذلك إلي أننا قد أخفقنا من الآن في صنع قناة فضائية تليفزيونية مصرية جيدة الانتشار وقوية التأثير ويقبل عليها المشاهد العربي. ففي مجال القنوات الأخبارية التليفزيونية الفضائية فإن "الجزيرة" ومعها "العربية" في المنافسة وحدهما بعيدا عن الفضائية المصرية التي لا لون ولا طعم ولا هدف ولا سياسة ولا أداء جيدا لها..! وفي مجال القنوات الترفيهية والتثقيفية والرياضية فإن شبكتي "الأوربت" و"الايه آر تي" هما أيضا في المنافسة وحدهما ولا توجد قنوات مصرية فضائية معهما في الساحة. وحتي عندما أنشأنا قنوات متخصصة فإن الإمكانيات الضعيفة حالت دون ظهور هذه القنوات بشكل فني رفيع المستوي فجاءت صورة باهتة للتليفزيون الرسمي ولا تأثير يذكر لها..!. وغابت صحافتنا أيضا عن الساحة، فقد انغمست في المحلية بشكل بحت، وفي انشغالها بالشأن الداخلي فإنها لم تركز علي الجوانب الايجابية في المجتمع ولم تبحث بشكل جيد عن النوابغ والعلماء والأساتذة بقدر ما ركزت تقاريرها وأخبارها حول سلبيات هذا المجتمع والحوادث الشاذة والغريبة واعتقد البعض منها أن النقد وحده هو السبيل للحصول علي رضاء القراء واعجابهم، فجاءت صحافتنا في معظمها في شكل واحد تركز علي البحث عن الأخبار المثيرة والغريبة فقط وأبرزت أسوأ ما في هذا المجتمع بأسلوب وطريقة تدعو وتدفع نحو الاحباط واليأس والعجز. ولم نجد في الكثير من هذه الصحف اهتماما بالأبحاث العلمية ولا بأفكار العلماء ولا بكتابات الأدباء ولا حتي مساندة لهم ولا تتبعا لأخبارهم وأنشطتهم. ولا تنجذب هذه الصحافة في أغلب الأحيان إلا إلي العلماء المصريين الذين ينالون تقديرا ومكانة عالمية، فعندما تذهب الصحافة إليهم وتنجذب نحوهم وتظل تتغني بهم وكأنها بذلك تعوض تقصيرها نحوهم وتقاعسها عن أداء دورها تجاههم. ولم يكن غريبا إزاء ذلك ألا تجد الأجيال الجديدة من تقتدي به ومن تتخذ منه مثلا أعلي لها ومن تحاول الوصول إلي مكانته، فانصرفت هذه الأجيال إلي عبر الحدود تتخذ من نجوم المجتمعات الأخري رمزا لها تمنحه التقدير والاعجاب وتتجاهل الداخل لأنها لا تعرف عنه شيئا..!. والمسئولية تقع علينا جميعا إزاء ذلك لأننا لم نعد نجيد التصفيق للناجح والمبدع ولأننا أدمنا الحرب الشعواء ضد بعضنا البعض في الداخل وفي الخارج بشكل لم يكن معهودا من قبل وبحيث أصبح المصري هو المنافس للمصري وأحيانا هو العدو له والكاشف لعورته. وفي الكثير من المجتمعات الخليجية التي تستعين بالخبرات المصرية وتضعها في مكانة مرموقة فإن المصري يظل محترما رفيع الشأن إلي أن يأتي مصري آخر للعمل معه، وعندما لا ينتج هذا ولا يعمل ذاك لأن كلا منهما منشغل في محاربة زميله والحط من شأنه وتسفيه آرائه..!. أننا بلد مجيد ملئ، بالمواهب والمبدعين والقدرات والعطاء فيه لا يتوقف، ولكن رياحا غريبة من الحقد والحسد والغيرة هي التي تمحو كل شيء..!. [email protected]