سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هبطت معدلات ادخارهم إلي الصفر وارتفعت ديونهم إلي 127% من الدخل المتاح
تراجع إنفاق المستهلكين الأمريكيين واستيقاظ رغبتهم في الادخار ينذران بركود طويل وعميق!
لا شك أن ضخامة إنفاق المستهلكين الأمريكيين هو سبب مهم لمرونة الاقتصاد الأمريكي وقدرته علي التكيف واعتدال نوبات الركود التي مرت به منذ عام 1982 حتي الآن، وتقول مجلة "الأيكونوميست" أن ضخامة انفاق المستهلك الأمريكي واستقراره لم يكن عائدا فحسب إلي ارتفاع الدخول ومستويات التشغيل وإنما كان يعود أيضا إلي قدرة هذا المواطن علي الاقتراض بسهولة ويكفي أن نعرف أن بعض المواطنين الأمريكيين كان يمكن أن تجد في جيوبهم في وقت من الأوقات 15 نوعا من بطاقات الائتمان يستخدمها في الانفاق والشراء من المتاجر دون حدود. ويمكن القول أيضا أن الارتفاع المتواصل لمدة طويلة في أسعار الأصول - الأسهم أولا ثم المنازل - قد رفع من قيمة ما يملكه المواطن الأمريكي من ثروة وجعل الإدخار أقل أهمية، وقد أصبح الاقتراض سهلا بسبب المبتكررات المالية وبسبب تراخي المقرضين في طلب الضمانات اعتمادا منهم علي أن العقارات المتزايدة القيمة التي يملكها هذا المواطن أو ذاك هي الضمان الكافي لما يقدمونه من قروض، وتقول الأرقام إن متوسط ادخار المستهلكين الأمريكيين في الفترة من عام 1950 حتي عام 1985 كان يصل إلي 9% من إجمالي الدخل المتاح، ولكن معدل الادخار المذكور ظل يتآكل حتي وصل إلي الصفر تقريبا في وقت سابق من العام الحالي، وفي الوقت نفسه ارتفعت ديون المستهلكين والرهن العقاري من 77% عام 1990 لتصبح الآن 127% من إجمالي الدخل المتاح. ومن الواضح أن الأوضاع القديمة للمستهلكين الأمريكيين قد انقلبت الآن رأسا علي عقب فالبورصة قد هبطت إلي مستويات لم تنحدر إليها منذ عام 2000 وقيمة المساكن هبطت 18% عن الذروة التي كانت قد بلغتها عام ،2006 والبنوك وغيرها من شركات الإقراض فرضت قيودا كثيفة علي كل أنواع قروض المستهلكين، وتبعا لذلك نجد أن انفاق المستهلكين الأمريكيين قد هبط بنسبة 3،1% سنويا في الربع الثالث من العالم الحالي بعد أن كانت المرتجعات الضريبية قد انعشت هذا الانفاق في الربع الثاني ويعد هذا أعمق انخفاض منذ الربع الثاني من عام 1980 عندما فرض الرئيس الأمريكي كارتر آنذاك قيودا علي الائتمان، والمتوقع علي آية حال هو حدوث انخفاضات أخري في انفاق المستهلكين، وهنا يقول ريتشارد بيرز الخبير في مورجان ستانلي إن الانفاق الحقيقي للمستهلك الأمريكي سيهبط في الاثني عشر شهرا حتي الربع الثاني من العام المقبل بنسبة 1،6% سنويا وهو رقم قياسي، ويؤكد الرجل أن العصر الذهبي لانفاق المستهلك الأمريكي قد انتهي وأن عصرا جديدا من التقشف قد بدأ. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن الأمريكيين كانوا قد بدأوا ينتبهون إلي أهمية الادخار قبل انفجار هذه الأزمة مباشرة، فإدخار الشباب الأمريكي كان أقل من آبائهم ولم يكن هذا الشباب يتحسب ليوم التقاعد، ولا شك أن زيادة الادخار أمر جيد علي المدي الطويل أما في المدي القصير فإنها تمثل خطورة ومع ذلك فلا أحد يمكن أن يكون ضد الادخار، ويتوقع بروس كازمان وجوزيف لوبتون أن يقفز معدل الادخار الأمريكي الخاص إلي 4،5% مع نهاية العام المقبل وهي أعلي قفزة في مثل هذا الوقت القصير منذ الحرب العالمية الثانية. والأمر المؤكد أن عودة المستهلك الأمريكي الآن إلي الادخار صارت عودة جبرية وهي عودة ستكون أيضا مؤلمة بعمق بسبب ما يحيط بالأمريكيين الآن من أزمات مالية واقتصادية وتذكرنا الأرقام بأن الانفاق علي الاستهلاك وعلي المساكن يمثل نحو 75% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي، ومن بين 1،2 مليون وظيفة جري فقدها منذ ديسمبر الماضي وتمثل تراجعا بنسبة 0،9% في إجمالي الوظائف الأمريكية هناك 700 ألف وظيفة ترتبط مباشرة بالمستهلكين لأنها في قطاعات تجارة التجزئة وصناعة النقل والمواصلات وبناء المساكن، وقد ارتفع معدل البطالة الأمريكي من 4،4% عام 2006 ليصبح 6،5% في أكتوبر الماضي أي أنه اقترب من معدلات الفترة 2001 - 2003 ولم يزل الارتفاع مستمرا، وفي يوم 19 نوفمبر أعلن قادة بنك الاحتياط الأمريكي أن الركود سوف يستمر حتي منتصف عام 2009 وإن المخاوف من التضخم قد تبخرت لأن أسعار المستهلكين هبطت 1% من سبتمبر إلي أكتوبر وهو انخفاض قياسي وأن المخاوف الآن هي من احتمال حدوث أزمة سيولة deflation.