في نهاية أكتوبر الماضي بلغ حجم الاحتياطيات الصينية بالنقد الأجنبي تريليون دولار أي ضعف ما كان عليه منذ عامين فقط إلي جانب أنه يمثل 20% من جملة الاحتياطيات العالمية بالنقد الأجنبي. ومثل هذا المبلغ يمكنه شراء الذهب الموجود في خزائن جميع البنوك المركزية في العالم أو بالأحري ضعف هذه الكميات من الذهب كما يمكنه شراء كل المباني السكنية في لندن. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هذه الذخيرة الصينية الكثيفة هي ثمرة لفائض كبير تحققه الصين في حسابها الجاري إلي جانب ما تتحصل عليه من كعكة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وما يدخلها من تدفقات رأسمالية أخري علي امتداد العامين الأخيرين بوجه خاص. ومن الناحية النظرية فإن تدفقات النقد الأجنبي علي الصين من شأنها رفع قيمة اليوان ولكن السلطات الصينية تقاوم ذلك وتجبر البنك المركزي الصيني علي شراء كل فوائض النقد الأجنبي الموجود في أسواقها.. والملاحظ أن نمو هذه الاحتياطيات قد تباطأ في الأشهر الأخيرة ولكنها لاتزال تزيد بمقدار 16 مليار دولار شهريا في المتوسط. ولابد من الإشارة إلي أن حجم الاحتياطيات الرسمية الصينية قد فاق كل ما تحتاجه لتحقيق الاستقرار المالي.. وكقاعدة عامة فإن كل بلد يحتاج إلي احتياطيات بالنقد الأجنبي تمكنه من تغطية احتياجاته الاستيرادية لمدة ثلاثة شهور أو تسوية كل ما عليه من ديون قصيرة الأجل.. ولكن الاحتياطيات الصينية تغطي قيمة ما تحتاجه الصين من واردات لمدة 15 شهرا وتساوي إجمالي ما عليها من ديون قصيرة الأجل 6 مرات.. ويمكن القول أيضا إن تضخم الاحتياطيات الأجنبية علي هذا النحو يسبب صداعا للمسئولين في البنك المركزي الصيني.. فهو يوجد سيولة زائدة يمكن أن تؤدي إلي ارتفاع معدلات التضخم وحدوث فقاعة في أسواق الممتلكات أو الإقراض المصرفي غير الرشيد أو هذه الأمراض الثلاثة مجتمعة. وهناك دون شك طرق بسيطة لوقف هذه الزيادة الهائلة في الاحتياطيات الصينية أهمها طريقتان الأولي هي التحرير الكامل لسعر صرف اليوان والثانية هي عدم وضع أية قيود علي التحويلات الرأسمالية إلي الخارج والسماح للمواطنين بتملك الأصول الأجنبية.. ولكن لا يبدو حتي الاَن ما يبشر بأن الصين يمكن أن تتبع أيا من الطريقتين في المستقبل القريب.. ومادامت الصين تتمتع بهذا الفائض الخارجي الكبير وترفض تحرير عملتها فإن خبيئتها من النقد الأجنبي سوف تستمر في التضخم كما سيستمر معدل الادخار عندها في الزيادة. والأمر المؤكد أن طريقة استثمار تلك الاحتياطيات الصينية يكون لها اَثار كبيرة علي الاقتصاد العالمي كله وليس علي الصين وحدها.. ويقدر براد ستزير رئيس قسم الأبحاث العالمية في روبيني جلوبال إيكونوميكس أن الصين تستثمر 70% من احتياطياتها بالدولار خاصة في أذون وسندات الخزانة الأمريكية.. وهذا رفع قيمة الدولار وقلل من عوائد السندات الأمريكية بنسبة 5.1% في بعض التقديرات.. ولاشك أن أي انصراف صيني عن الاستثمار في الدولار يمكن أن يرفع عوائد السندات الأمريكية ومعدلات الفائدة علي الرهونات العقارية ويدمر بالتالي سوق العقارات الأمريكي المتعثر. والمعتقد أن البنك المركزي الصيني يتحول من سندات الخزانة الأمريكية إلي شراء سندات الشركات والأوراق المالية لسوق الرهونات العقارية في محاولة منه للحصول علي أكبر عائد.. ويناقش المسئولون الصينيون أيضا في تكتم احتمال تنويع مكونات هذا الاحتياطي بالخروج عن الدولار لتفادي أية خسائر قد تنجم عن انخفاض كبير في قيمته وربما فكر البنك المركزي الصيني في زيادة احتياطياته من اليورو أو العملات الاَسيوية الصاعدة ولكن حتي الاَن لا يوجد ما يدل علي حدوث خروج كبير علي الدولار.. فاحتياطيات الصين كبيرة إلي درجة أن حركتها يمكن أن تهز الأسواق وعلي سبيل المثال فإن التحول من الدولار إلي اليورو سيخفض قيمة الدولار ويسبب خسارة للصين. ولاشك أن الخوف من الخسارة وعدم الرضا عن العوائد المنخفضة لهذه الاحتياطيات يسبب صداعا لرجال البنك المركزي الصيني وهو ما يجعل هذه الاحتياطيات أشبه بسلاح ذي حدين.. ومن الأفكار الشائعة في شأن استخدام هذه الاحتياطيات هو إنفاقها علي شراء ما تحتاجه الصين من بترول أو مواد خام أخري ولكن هذا سيرفع أسعار البترول والمواد الخام إلي مزيد من الارتفاع ونفس المحاذير تصدق علي محاولة استخدامها في شراء الذهب. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هناك من يقترح إنفاق هذه الاحتياطيات علي مشروعات البنية الأساسية التي تدر عائدا أعلي من عائد السندات الأمريكية.. ولكن لأن معدل الاستثمار في الصين بلغ 40% من إجمالي الناتج المحلي فإن الصين لا تحتاج إلي مزيد من الاستثمار.. وربما كان الأوفق هو استخدامها في تحويل القروض المتعثرة والمعدومة لدي البنوك والبالغ ما تبقي منها حتي الاَن 250 مليار دولار وبالفعل فإن البنك المركزي حول في عامي 2004 2005 ما قيمته 60 مليار دولار إلي بنوك الدولة لشطب جزء من هذه القروض. وحقيقة الأمر أن الصين بشرائها لسندات الخزانة الأمريكية فإنها تدعم المستهلك الأمريكي الثري في حين أن خدمات الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي في الصين نفسها تعاني من عجز شديد ولذلك فإن هناك من يقترح استخدام تلك الاحتياطيات لتحسين هذه الخدمات ومحاربة الفقر في الريف الصيني بوجه خاص.. ولكن جميع هذه الحلول الداخلية تبدو غير ممكنة ولها تعقيداتها الشديدة. ويمكن القول باختصار أن الحل الوحيد الذي يمكن أن يعود علي فقراء الصين بالخير هو تغيير السياسات الصينية والتوقف عن تكديس هذه الاحتياطيات.. فالمطلوب من الصين خفض معدل الادخار وإقامة نظام أكثر مرونة لسعر صرف اليوان وذلك قبل أن تصل احتياطياتها إلي تريليوني دولار.