أكد خبراء اقتصاد أن الأزمة المالية الراهنة جاءت نتيجة خلل في النظام المالي العالمي الذي تقوده الولاياتالمتحدة نتيجة تراكم الانفصال المتزايد ما بين الأصول المالية والأصول الحقيقية، إضافة إلي عمليات التلاعب والتدليس علي المشترين، وتوقع الخبراء في ندوة "نهاية الرأسمالية" - التي أقامتها قناة الجزيرة مساء الثلاثاء - حدوث كساد في العالم خلال السنوات المقبلة نتيجة تأثر الاقتصاد الحقيقي بالدول الغربية خصوصاً نتيجة الأزمة المالية وهو ما سينعكس سلباً علي اقتصاد دول العالم وبينها الدول العربية خاصة التي تعتمد علي السياحة بعد أن يتراجع إنفاق المواطن الغربي. وأجمع الخبراء علي انتهاء النظام المالي بصورته الحالية ونهاية لأسطورة البنوك الاستثمارية التي لا تنهار إلي نظام أكثر صرامة ورقابة من قبل الحكومات، وهو ما كان موجودا قبل نحو ثلاثين عاماً، ورفضوا أن يكون هذا الخلل المالي سبباً في نهاية للرأسمالية، وقالوا إن ما سيحدث هو إعادة ترتيب للنظام المالي وإعادة ترتيب أولوياته حتي لا تنهار دول محورية تؤدي لتدهور أمني يصيب العالم، وأشاروا إلي باكستان كنموذج، ورأي بعض الخبراء أن هناك فرصة أمام التمويل الإسلامي ليقدم نفسه ويطرح نموذجا جديا وخدميا للعالم بغض النظر عن البعد الديني، لأنه نظام مالي متزن ومحكوم بوجود كوابح للانفلات وهو ارتباطه بوجود أصل من إنتاج أو سلع حقيقية. كما رأي البعض ضرورة تعديل أسلوب المنظمات الاقتصادية العالمية خاصة صندوق النقد الدولي، في البداية قال أستاذ الاقتصاد والتمويل بمؤسسة قطر للتربية والعلوم الدكتور حامد القرنشاوي إن هذا الخلل المالي لم يكن بسبب أزمة الرهون العقارية التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث انهارت شركات كبري من قبل بسببه مثل إنرون وخلفها 13 شركة أخري. وأضاف أن الأزمة المالية نتجت أيضاً بسبب الخلل في كل منظومة النظام المالي ككل القائم علي تدوير المال دون التحقق من القدرة علي السداد أو مساهمة المقترضين في الإنتاج الحقيقي مثل قروض بطاقات الائتمان وقروض طلاب الولاياتالمتحدة وغيرها، ولذلك بدأ الأنهيار عندما توقف عدد من المقترضين عن السداد، وهو ما أثر سلباً علي الشركات والبورصات والبنوك والاقتصاد الحقيقي بعد أن تراجعت السيولة بالبنوك، وتوقع القرنشاوي أن يتمخض عن الأزمة تغيرا في التحالفات مثلما لجأت أيسلندا إلي روسيا، وطرح نموذج التمويل الإسلامي الحقيقي الذي لم يختبر خاصة ما يتميز به من ارتباط كامل بين التمويل والأصل سواء كان سلعة أم خدمة، وارتباط العائد بالإنتاجية. وأكد الخبير المصرفي الدكتور حسن خليل أن الخلل المالي بدأ منذ سمح النظام الرأسمالي بسوء استخدام في قطاع الاقتراض، مع تراجع الرقابة، مما أدي إلي الكرة المالية الورقية، وهو ما سيؤثر علي الاقتصاد الحقيقي ويؤدي إلي الركود، وتوقع أن يشهد عام 2009 كمية ضخمة من الافلاسات خاصة بالقطاع الخاص. وقال إن الوصول إلي هذا الخلل المالي جاء نتيجة انهيار نظام "بريتون وودز" عام 1944 بعد أن ألغته الولاياتالمتحدة في السبعينيات من القرن الماضي إذ قامت في هذه الفترة بإلغاء غطاء العملات بالذهب، ثم أتت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان التي لعبت دورا كبيرا في أن يسّير القطاع المالي نفسه بنفسه دون الاعتماد علي النمو في الاقتصاد، أكد هذا المعني أيضاً أستاذ الاقتصاد والتخطيط الحكومي بجامعة هارفارد الأمريكية كينيث روجوف الذي قال إنه علي مدي 15 عاماً سُمح للنظام المالي لينتقل من نقطة قوة إلي نقطة ضعف، وتفشي الاقتراض بأموال طائلة سواء من قبل الحكومة أو الأفراد، وأقر بأنه كان هناك خلل بنيوي في النظام المالي لم تتم معالجته. وقال روجوف إن النظام سيعود لما كان عليه قبل ثلاثين عاماً من الرقابة المالية وتدخل للحكومة خاصة في الإشراف علي الخدمات الصحية والاجتماعية، وتوقع روجوف حدوث كساد صعب في الولاياتالمتحدة وستشهد نموا أبطأ، لكنه أكد أن الرأسمالية لن تنتهي، لكن الذي سينتهي هو نظام رأسمالية رعاة البقر في القطاع المالي مشيراً إلي أن هذا القطاع جزء من الاقتصاد الأمريكي وليس كله، وأقر البروفيسور الأمريكي أن الولاياتالمتحدة لم تعد تأخذ زمام الريادة، وأعرب عن أمله في أن تقوم الإدارة المقبلة بذلك لأن سجل إدارة بوش كان ضعيفاً، وبالنسبة لوضع دول الخليج قال الخبير المالي السعودي عبدالوهاب أبو داهش إن هذه الدول لم تدخل معمعة النظام المالي الغربي، وإن معظم الاستثمارات المالية لها في سندات حكومية. وأضاف أن الاقتصاد الخليجي يعد اقتصادا حقيقيا ويقوده قطاعا العقار والخدمات، وتوقع أبو داهش أن يخرج العالم من هذه الأزمة كما خرج من الأزمة الآسيوية.