في بدايات القرن العشرين خاصة مع ثورة 1919 وما تلاها ظهر تعبير الرأسمالية الوطنية بل كانت تثار حولها المناقشات أي الأحزاب يمثل تلك الطبقة هل هو حزب الوفد أو أي أجنحته أو حزب السعديين، دعنا من تلك الأطروحات السياسية إنما هذه الرأسمالية لماذا كانت تسمي رأسمالية وطنية؟ ذلك لم يكن بسبب الشعارات السياسية أو المفاهيم النظرية، الرأسمالية الوطنية كانت لها تلك الصفة الوطنية لأنها كجموع الصناعيين المصريين كانت تستهدف الاستئثار بالسوق المحلي المصري وأن تحل وبإنتاجها الصناعي محل الإنتاج الأجنبي المستورد وهي وطنية لأنها تنتج إنتاجها الصناعي في مصر وتستخدم العمال المصريين وبالتعبير الدارج "تفتح بيوت" وكان دورها الأساسي محوريا في زيادة الناتج القومي والدخل القومي ثم رفع مستوي المعيشة. تقرأ الآن في الصحف إعلانا يملأ الصفحة بكاملها أو صفحتين متقابلتين عن أكبر شركة تصنيع سيارات في المنطقة العربية والشرق الأوسط أو تقرأ إعلانات بنفس الحجم عن مجمع صناعات إلكترونية أو عن أكبر شركة لإنتاج المعدات المنزلية الهندسية ولكن هل يتم إنتاج تلك السلع في مصر من اللوريات والسيارات والتليفزيونات والثلاجات والأفران؟ أن أن مكونات هذه السلع يتم استيرادها من الشركات المنتجة لها في الدول الصناعية من أول اليابان وكوريا حتي إيطاليا ولايزيد دور الصناعة المصرية علي التجميع فيما يسمي صناعات ربط المفك وبعضها علي الأكثر لا تمثل المكونات المصنوعة محليا فيه إلا أقل من القليل وفي الأجزاء غير الأساسية. هل دور الرأسمالية التي يقال عنها صناعية أو القطاع الخاص الصناعي هو عمليات التصنيع التي تضيف قيمة أم مجرد التجميع وتجهيز الإنتاج الأجنبي للتسويق في السوق المحلي. تصور بعض حسني النية مع بداية سياسة الانفتاح أنه مع تراجع دور القطاع العام فإن الرأسمالية المصرية سوف تجد فرصتها للنمو غير أن التطورات الاقتصادية خيبت تلك الظنون، فقد بدأ الانفتاح بالاستيراد دون تحويل عملة وليس معني هذا القرار ابطال سيطرة الدول علي النقد فحسب بل أيضا إلغاء القدرة علي التحكم في الاستيراد وتعريض الصناعة الوطنية لغزو أجنبي في الوقت الذي كان الاقتصاد القومي مرهفا بنتائج الحرب من 1967 حتي حرب أكتوبر 1973 ورغم أن مصر تحملت اعباء تلك الحروب بالجهد الأساسي للقطاع العام فإن بعد 73 وسياسة الانفتاح تمت عملية مستمرة لتصفية القطاع العام ليس بتحويلها إلي ملكية القطاع الخاص بل بعمليتين في نفس الوقت أولا إهدار القدرات الإنتاجية وتوقف الاستثمار ثم الإحلال والتجديد حتي وصل الأمر إلي توقف الصيانة في الوقت الذي اختلت الهياكل المالية لشركات القطاع العام أما الشركات التي لم يتم تصفية قدراتها الإنتاجية فقد تم بيعها لرأس المال الأجنبي ونموذج الأسمنت صارخ وذلك تحت مقولة البيع للمستثمر الرئيسي. تحت شعار الخصخصة تم بيع شركات القطاع العام، وإنما هل تمت خصخصة؟ أي هل اشترت الرأسمالية المصرية الأصول الإنتاجية للقطاع العام أم تم تبديد تلك الأصول وافلاسها من ناحية أو بيعها لرأس المال الأجنبي، الرأسمالية المصرية لم تستفد من الخصخصة إنما استفاد الأجنبي بتحويل أرباح مهولة للخارج واستفادت أيضا فئة التجار الذين يبيعون الإنتاج الأجنبي ناهيك عن الفساد وتكوين الثروات دون إضافة قيمة. تحت شعارات العولمة والتنافسية وحرية رأس المال تم تسليم الاقتصاد المصري لرأس المال الأجنبي وإننا يجب أن نتنبه للدور المرسوم لمصر ومحيط العولمة الجاري حاليا وهي عولمة رأس المال بقيادة أمريكا، تاريخ مصر كان دائما يتمثل في العداء لأي قوة ذات هيمنة عالمية فمصر بموقعها الجغرافي وسكانها الذين يمثلون نموذجا للوحدة الوطنية كانت ذات تأثير جوهري علي سياسة المنطقة العربية والشرق الأوسط وأي قوة استعمارية كان إضعاف مصر وتهميش دورها في المنطقة هدفا أساسيا لها. دعك من الامبراطورية الرومانية أو الحروب الصليبية إلي فترة محمد علي وكيف تآمرت دول أوروبا عليه عندما تعاظم دوره وكاد أن يحل محل الامبراطورية العثمانية رجل أوروبا المريض، لقد تم بعد سنة 1840 تصفية الصناعة المصرية بداية من ترسانة الاسكندرية التي بنت أسطول مصر من جديد بعد هزيمة نافرين ثم تصفية صناعة السلاح والحديد. مصر يجب ألا تكون إلا مزرعة قطن لصناعة النسيج البريطانية في العصر الحديث ومع ظهور البترول يجب أن تكون مصر ضعيفة بتصفية الصناعة والافقار التام للشعب المصري بأن تكون مصر عاجزة عن بناء اقتصادها. الدور المرسوم لمصر حاليا في عصر العولمة ألا يكون لديها صناعة محدثة للقيمة، صناعة قادرة علي تعميق التصنيع والارتقاء إلي الصناعات المتقدمة تكنولوجيا وان تكون مصدرا للخامات كالفوسفات. هل من المعقول أن يتم تصدير الجلد خاما وينتج عن لك ضرب صناعة الجلود هل من المعقول تصدير خردة النحاس. أخطر من ذلك ما يتم في مجال المال فما الداعي لبيع البنوك؟ إن سيطرة رأس المال الأجنبي علي التمويل ينتج عنها أولا نزح أرباح البنوك للخارج إنما أخطر من ذلك توجيه التمويل إلي الأغراض غير الإنتاجية ولننظر إلي إعلانات تمويل السيارات وغيرها من السلع الاستهلاكية المعمرة المستوردة في الوقت الذي لا تمول أي غرض انتاجي ولنذكر دور البنوك الأجنبية من أول أزمة الديون التي انتهت بالاحتلال البريطاني حتي أزمة تمويل محصول القطن في الخمسينيات التي أحدثها بنك باركليز والبنك البلجيكي. تصدر كل يوم تصريحات من الهيئات الدولية تمتدح السياسة الاقتصادية في مصر وتشيد بأن مصر أصبحت مجالا جاذبا للاستثمار إنما أي استثمار في البترول ومحلات البيع التابعة لشركات سلاسل المحلات الاستهلاكية أو السياحة التي تعتمد علي السائحين الذين يمكن إيقاف رحلاتهم بقرار خارجي أو السلع الاستهلاكية الفاخرة الواردة من الخارج. السياسات المالية لا تترك فرصة للرأسمالية الوطنية المصرية فالمال يتم توجيهه إلي الاستهلاك الترفي والعقارات الترفية فالكم الذي انفق علي المنتجات الفاخرة في الساحل الشمالي كان كفيلا باقامة هيكل صناعي جبار ناهيك عن ارتفاع ثمن الأرض والأسمنت بما لا يترك مجالا لاسكان الطبقات الشعبية أو المتوسطة. في هذا المناخ يتم احداث ثروات من النشاطات التي لا تحدث قيمة بما يتبع ذلك من الفساد ومزيد من التفاوت في الدخول وزيادة معدل الفقر وتدهور الخدمات من التعليم إلي الصحة. لقد تكونت في مصر طبقة طفيلية في مناخ الفساد حيث تتكون الثروة دون إضافة قيمة إنتاجية وليس هؤلاء الرأسمالية الوطنية، الغريب أن أحد هؤلاء الذين كونوا ثرواتهم دون إضافة قيمة من الانتاج المحلي يصرح بأن مصر بها عشرات من أمثال طلعت حرب. طلعت حرب لم يكون لنفسه ثروة بل بني صرحا وطنيا من بنك مصر وشركات من أول صناعة النسيج حتي صناعة السينما وانشأ شركة تجارية اسمها شركة بيع المصنوعات المصرية وهم اسم علي مسمي وعندما ضرب الاستعمار البريطاني وحكومة السراي البنك في ثلاثينيات القرن الماضي لم يمش في جنازته عند وفاته إلا أربع أفراد.