كل ثروة تحتاج إلي إدارة تصونها وتنميها وتحافظ عليها من الهدر والضياع وتؤمن رحلتها في تحقيق الخير والرخاء لأصحابها. والفكر والمعرفة ثروة كما عرضنا بل هي طوق النجاة الذي نسعي إليه.. هو الثروة الحقيقية.. فكيف ندير تلك الثروة؟ وإذا كانت المعرفة قد اكتسبت أهمية واضحة في نجاح منظمات الأعمال وفي تحويلها إلي الاقتصاد المعرفي إلا أن المعرفة أغلبها ضمني بتوافر في أذهان وعقول الأفراد وتعتمد علي حدسهم وخبرتهم ومهاراتهم وقدراتهم الفكرية، كما تتوافر في شكل معلومات ذات معني عن السوق والزبون والاتصالات والتقنية والعلاقات ونظم العمل أي أنها تعتبر أصولا غير ملموسة، لكنها محسوسة وقابلة للقياس وتؤدي دورا حاسما في تحقيق الميزة التنافسية وتحقيق النجاح وتوليد الثروة.. وتنامي دور المعرفة في نجاح الشركات والمؤسسات مع مساهمتها في تحولها إلي الاقتصاد الجديد الذي عرف باقتصاد المعرفة KNOWLEDGE ECONOMY الذي يؤكد علي رأس المال الفكري والمعرفة وتحول الشركات إلي منظمات معرفية. ولقد شهد مفهوم المعرفة تطورا هائلا من معرفة اسطورية قائمة علي الخبرات متوارثة مقترنة في جانب كبير منها علي القصص والأساطير والالهام ولم تخضع للتجربة والبرهان إلي أن نشأت المدارس الفكرية الخاصة بالإدارة العلمية لفريدريك تايلور الذي دعا إلي استخدام الخبراء المتخصصين لوضع أفضل الطرق لاداء العمل ومدرسة التقسيمات الإدارية لهنري فايول الذي حدد وظائف المدير ومدرسة البيروقراطية لماكس ويبر الذي دعا إلي اعتماد الخبرة والمهارة. وفي كل من هذه المدارس تطور مفهوم المعرفة وتعد تلك المدارس تقليدية أما مدرسة العلاقات الإنسانية فقد أكدت الاهتمام بالأفراد وتحسين ظروف العمل ومع الاتجاهات الحديثة مثل نظم المعلومات الإدارية التي ركزت علي دور المعلومات في عملية صناعة القرارات ونظرية "Z" أو الإدارة اليابانية التي نادت بتنوع الخبرات وثقافة المشاركة وأيضا نظرية الإدارة بالمواقف والتي افترضت عدم وجود طريقة مثلي للإدارة تصلح لكل المواقف. كما تكاملت المعرفة التنظيمية مع التطورات الفكرية الحديثة في الإدارة لا سيما مع انتشار إدارة الجودة الشاملة التي اسهمت ادواتها في تطور المعرفة كما اسهمت إعادة هندسة نظم الأعمال "RE ENGINEERING" في خلق التراكم المعرفي. وفي إطار تلك الرحلة بين المدارس الفكرية المختلفة تعددت اتجاهات ومداخل مفهوم المعرفة علي نحو ما سنعرص له غدا بمشيئة الله.