في الوقت الذي تلقي فيه الرئيس الامريكي جورج بوش وجماعة المحافظين الجدد صفعة سياسية قوية من الشعب الامريكي وذلك لسيطرة الحزب الديمقراطي المعارض علي الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب.. كانت هناك هزيمة اخري مدوية لسياسات الهيمنة والسيطرة الامريكية وذلك بانتخاب دانييل اورتيجا زعيم حركة الساندستا الثورية ليعود رئيسا لنيكاراجوا بعد 16 عاما قضاها خارج السلطة بعد ان خسر انتخابات 1990 بعد الجهود المكثفة التي بذلتها ادارة الرئيس جورج بوش الاب لاسقاطه باعتباره رمزا للاشتراكية التي انهارت في ذلك الوقت في الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا. ودانييل أورتيجا الذي اسقط نظام الديكتاتور اناسناز موسوموزا في أواخر السبعينيات واجه حربا سافرة من الولاياتالمتحدةالامريكية أيام الرئيسين السابقين رونالد ريجان وجورج بوش الاب، حيث قام بوش الاب بتشكيل وتمويل وتسليح بعض عصابات المجرمين القتلة وتجار المخدرات في تنظيم اطلق عليه الكونزا لمواجهة النظام الديمقراطي الثوري في نيكاراجوا. وحينما ابعد اورتيجا عن رئاسة نيكاراجوا 1990 أعلن الرئيس الاسبق جورج بوش ايامها ان العام القادم هو عام اسقاط فيدل كاسترو لكي تتطهر امريكا الجنوبية من رجس الافكار الاشتراكية ولكن الذي حدث هو العكس تماما فقد سقط بوش الاب في انتخابات الرئاسة للمرحلة الثانية 1992، كما ان المتغيرات التي حدثت في العالم وفي امريكا اللاتينية بشكل خاص سارت في اتجاه مضاد تماما وهبت علي امريكا اللاتينية رياح الثورة الاشتراكية الديمقراطية التي قامت بتطهيرها من النفوذ الامريكي ومن الرأسمالية المتوحشة. وبدأت الهبة الاشتراكية في الارجنتين التي رفضت توجيهات البنك الدولي وسيطرة الشركات الامريكية وجاءت مظاهرات الجياع بالاشتراكي الجيفاري كوستز رئيسا ديمقراطيا منتخبا وفي البرازيل اكبر دول امريكا اللاتينية وكانت الانتخابات في فنزويلا قد دفعت بهوجو شافيز بأفكاره الثورية الي الرئاسة في ذلك البلد البترولي المهم. ودفعت البطالة والفقر وهيمنة الشركات الامريكية وتوصيف ما سمي بسياسة المواءمة التي يفرضها البنك الدولي شعب البرازيل - أكبر دولة في امريكا اللاتينية - الي اختيار وانسحاب القائد العمالي سلفيا دي لولا لتطبق برنامجه البديل، وتكرر الامر في تشيلي التي ظلت تحكمها المخابرات الامريكية من خلال الجنرال الوحشي اوجستو بونوشيه وانتخب الجماهير ميشيل باتشيه ابنة المستشار الاشتراكي الذي اغتاله بونوشيه وفي بوليفيا اسفرت العملية الانتخابية عن فوز ايفاموراليز الهندي الاصل والاشتراكي الهوية رئيسا لذلك البلد الذي كانت تعتبره الشركات الامريكية موطنا صالحا لعملياتها الاستقلالية ومرفأ لأباطرة المخدرات الذين كانوا يسيطرون علي البلاد. وتحولت امريكا اللاتينية في اكثر من 90% من بلدانها الي ما يشبه المعسكر الاشتراكي الديمقراطي المعادي للهيمنة والسيطرة الامريكية واصبح البرنامج البديل هو البرنامج المعتمد لدي كل هذه الانظمة كبديل عن برامج البنك الدولي وصندوق التنمية تلك التوليفة التي ادت الي المزيد من افقار الطبقات الشعبية والمتوسطة وزيادة نسب البطالة وتركيز السلطة في ايدي الاقلية المسيطرة والمرتبطة بالمصالح الامريكية. ويقوم البرنامج البديل علي ثلاثة محاور رئيسية هي الاستغلال الامثل للامكانيات المادية والبشرية لكل بلد وتوسيع الخدمات للطبقات الشعبية ودعم الطبقة الوسطي ومحاصرة الفقر والبطالة وزيادة ضرائب الدخول مع انفتاح اقتصادي بين تلك الدول وبعضها وبين دول العالم اجمع. وخسرت امريكا في واقع الامر ما كانت تطلق عليه بالفناء الداخلي وعمقها الاستراتيجي ومنطقة نفوذها الاساسي وطوال اكثر من 15 عاما منذ تحلل وتهاوي الاتحاد السوفيتي ومعسكر دول شرق أوروبا وتفرد امريكا علي سطح العالم، لم يسقط نظام فيدل كاسترو في كوبا مثلما توقع جورج بوش الاب بل ان الذي سقط في واقع الامر هو برنامج بوش الاب ثم من بعده بوش الابن الذي حاول ان يجعل امريكا فوق الجميع وتلعب دور رجل البوليس الدولي الذي يفرض مصالحه وحروبه وغزواته علي العالم كله مع تهميش لدور الاممالمتحدة. واخيرا وبعد تساقط القلاع الامريكية الصنع وتهافت الانظمة التابعة وعودة الرايات الاشتراكية والجيفارية الي الغالبية من دول امريكا اللاتينية يعود دانييل اورتيجا الزعيم الاشتراكي ومؤسس حركة الساندستا الثورية الي نيكاراجوا في انتخابات ديمقراطية راقبتها الاممالمتحدة وهيئات دولية وامريكية ويرفع شعار اعط السلام فرصة، ولنواجه معا موبقات الرأسمالية المتوحشة. وينضم اورتيجا الي مجموعة الرؤساء الاشتراكيين الديمقراطيين الذين يحكمون امريكا الجنوبية هذه الايام ويعملون من الناحية الدافعة علي تغيير وجه التاريخ في تلك المنطقة التي عاشت علي مدي قرنين من الزمان من النهب والاستنزاف الاستعماري الاوروبي، ثم هيمنة وسيطرة الاخ الاكبر الشرس الرابض في الشمال. ويجيء انتخاب اورتيجا في وقت تعرضت فيه الادارة الامريكية اليمينية المحافظة برئاسة جورج بوش الابن الي صفعة قوية من جانب الشعب الامريكي نفسه الذي ادان سياسة الهيمنة والسيطرة وغطرسة القوة والمغامرات العسكرية التي يتبعها المحافظون الجدد وحرمهم الشعب الامريكي من الاغلبية في الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ كما استبعد عددا كبيرا من رموزهم كمحافظين في عدد من الولايات. إن عودة دانييل اورتيجا وهزيمة السياسات التي قام بها المحافظون الجدد في البيت الابيض الامريكي في حروب افغانستان والعراق ولبنان، اضافة الي المنتدي الصيني الافريقي الناجح الذي عقد مؤخرا في بكين وحضره قادة وزعماء 48 دولة افريقية والبيان الصادر عنه.. انها كلها تقدم مؤشرات ومعالم لطريق جديد ولعالم جديد يسعي الي تحقيق ديمقراطية حقيقية في العلاقات الدولية والي تكامل حضاري وثقافي وتجاري وعلمي يقوم علي وحدة المصالح الانسانية في كل مكان. وبعيدا عن سياسات الغطرسة والهيمنة والقطب الاوحد والتطرف القائم علي اسس عنصرية او دينية سواء من جانب بن بوش ام من جانب بن لادن.