عام 2004 اصدر برنامج الاممالمتحدة الانمائي تقريره حول التنمية البشرية في مصر وكان عنوانه "اللامركزية من أجل الحكم الرشيد" وبعد عامين من اصدار التقرير اظن ان المركزية في اتخاذ القرار في مصر قد زادت شدتها وقويت قبضتها الي حد يثير الدهشة بل والحزن. وقد راعني عند استضافتي للوزير أحمد المغربي وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية في برنامج "اتكلم" عدد مكالمات المشاهدين ممن يحلمون بطلبات شخصية لا اظن ان للوزير علاقة مباشرة بها.. فهذا يطلب صرفا صحيا في شارع ما بمنطقة فيصل بالهرم وذاك لا تصله مياه بقرية ما بالقليوبية وتلك تطلب طريقا وهكذا.. وعلي الوزير طبعا ان يستمع الي الطلبات ويحاول جاهدا تلبيتها. والحقيقة ان المواطن المصري لا يجد من يلجأ له في اجابة طلباته الاساسية من الحياة.. ففي مجتمعات اخري ذلك هو دور اما نواب البرلمان الذين انتخبهم الشعب لتمثيله وقضاء احتياجاته او الإدارة المحلية التي عليها ان تنشغل بالهم المحلي، لكن ان يكون الوزير - أي وزير - مسئولا عن كل طريق وكل ماسورة مياه وكل بالوعة صرف صحي في مصر فهذا غير ممكن.. وما هو إلا تدعيم للفكر المركزي الذي لن يقودنا الي اي شيء. اما فيما يخص المياه والصرف الصحي.. فقد كان حالها كذلك - تابعة للمحليات.. الا انها بعد ذلك تحولت الي شركات تابعة لشركات قابضة وانتهي الامر بمزيد من المركزية في اتخاذ القرار.. ومزيد من التعثر والبيروقراطية في تطبيقه. واذكر هنا ما قاله تقرير التنمية البشرية ان المركزية تؤدي الي بطء الاستجابة لاحتياجات المناطق المتطرفة، والي النزوع الي منح أهمية اكبر لسلامة الاجراءات الادارية علي حساب المساءلة المهنية.. ويضيف التقرير ان الدولة لم يعد لديها ما يبرر تحكمها المركزي سواء علي المستوي السياسي او الاداري لانها لم تعد قادرة علي توفير السلع والخدمات المدعمة او ايجاد فرص عمل في الجهاز الإداري. وقد ظننا ان حكومة تضم عددا من رجال الاعمال الناجحين الذين اعتمدوا في اعمالهم الخاصة علي اللامركزية.. لابد وان تنحو الي ذلك.. لكن الامر لا يبدو انه يشير الي تلك الناحية.. فالعلاقة بين الوزراء والمحافظين - في احيان كثيرة - علاقة ندية تنافسية وليست تكاملية.. ولا تزال مهام المحافظين يخطط لها مركزيا.. في حين فقدت العديد من المحافظات سلطات مالية تتعلق بنقل الاعتمادات من مشروع الي مشروع وغير ذلك كثير.. وهكذا لا يمكن للحكم المحلي ان يحقق اهدافه وهو مقيد بقواعد ادارية وبيروقراطية بالية تكاد تخنق حركته. إن اللامركزية هي الحل الوحيد الذي بواسطته يمكن تحقيق قدر أعلي من الشفافية وتكافؤ الفرص في تقديم الخدمات للمواطنين.. يستطيع من خلالها صانع القرار تقويم الاحتياجات علي المستوي المحلي وتحديد الاولويات المحلية عند وضع السياسات والبرامج العامة.. وبغيابها لا أمل في ان يصل الاصلاح الي مواطن في اقصي صعيد مصر او الي طفل في اقصي حلايب او الي قري منسية في الواحات. ان بقاء الوزير مسئولا عن ماسورة المياه وبالوعة الصرف الصحي هو استمرار لفكر عتيق يجب التخلص منه.. لكن المواطن للاسف لا يعرف سوي الوزير.. وغيره مجرد اسماء علي مقاعد بلا تأثير. الانتخابات بالعصا * أي انتخابات في مصر الان اصبحت مرتبطة بالتدخل الامني والصراعات السياسية والاحكام القضائية.. ولا اعرف لماذا لا نترك الطلبة ينتخبون اتحاداتهم دون تدخل.. ولا اعرف لماذا نتذكر ضعف الاحزاب المدنية فقط عند اقتراب الانتخابات.. حينها يظهر "بعبع" الاخوان وتكون الوسيلة الاسهل هي "المنع". ألم يكن اجدي خاصة وقد تعلمنا من تجربة انتخابات مجلس الشعب ان يكون لللبراليين تواجد حقيقي في الشارع وبين الطلبة وبين العمال؟! ألم يكن اجدي ان تحاول الاحزاب وفي مقدمتها الحزب الوطني - الذي ظن اصحابه انهم يستفيدون من منع السياسة في الجامعات - الاقتراب من الشباب وتقديم الخدمات لهم ومساعدتهم بدلا من استخدام الامن في منع منافسيهم؟! ألم يكن أجدي أن نعمل بدلا من أن نمنع؟! اننا لا نتذكر المنافسة الا عند اقتراب موعد الاقتراع وحينها.. لا حيلة الا بالعصا.. اما العمل علي ارض الواقع فهو بعيد تماما.. بصراحة فلينجح الاخوان اذا كانوا هم الافضل ولنسقط جميعا اذا كنا نحن الاسوأ.. ولا تلومن إلا أنفسكم.. وتحيا الشفافية..