نعم يجب أن يكون للجودة سياسة ونعم يجب أن تكون السياسة تنطوي علي الجودة.. فماذا نقصد بذلك هل هو من باب الفزلكة والتلاعب بالألفاظ؟ أم أن الأمر علي خلاف ذلك؟ دعنا عزيزي القارئ نتأمل القضية الأولي وهي سياسة الجودة.. فالجودة في أي نشاط وفي أي عمل لابد أن يتم توصيفها في إطار مفهوم محدد وآليات معينة واجراءات متفق عليها ومعلومة وكل ذلك يلزم أن يتم في إطر سياسة تحكمه.. وتلك السياسة تضع الأهداف التي يجب أن تسعي إليها الجودة المستهدفة والمستوي الذي عليها بلوغه.. هل نريد أعلي مستوي ممكن من الجودة؟ أم نريد مستوي مرتفعا منها ليس بالضرورة هو الأعلي أو الأقصي؟ أم نريد مستوي مقبولا من الجودة وما مواصفات هذا المستوي؟ هل نريد أن نضع مستويات متعددة ومتدرجة من الجودة لكل مستوي منها تكلفته وبما يتناسب مع مستويات الدخول في الأسواق المختلفة التي تطرح فيها تلك المنتجات سلعية أو خدمية.. وهكذا يمكن أن نمضي لنوضح أن لسياسة الجودة جوانب متعددة وأن تلك السياسة هي التي توجه دفة العمليات المتعلقة بالجودة في الشركات أو المنتجات أو العمليات. ولكن الأمر الآخر الذي نريد أن نتوقف عنده هنا هو مجال السياسة التي تسود في أي مجتمع وتحدد خياراته السياسية كما تحكم أداء السياسة فيه من حكام وحكومة ومواطنين وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وغيرها من الأطراف الفاعلة في المجتمع وما يرتبط بذلك كله من حقوق مواطنة وديمقراطية وحريات ومواقف من القضايا الاقتصادية والاجتماعية وكذلك ما تتخذه الدولة من مواقف وعلاقات مع دول العالم الأخري ومنظماته الدولية في إطار سياستها الخارجية.. والسياسة أيها السادة يمكن أن تكون معبرة عن المجتمع بأسره ومحققة لمصالحه وقد تكون معبرة عن فئة معينة أو طبقة معينة ومحققة لمصالحها هي قبل أية مصالح أخري. السؤال أيها السادة هل يجب أن تحظي الشعوب بسياسة جيدة؟ أو بشكل آخر هل يجب أن تتوافر مستويات الجودة في أية سياسة من السياسات التي تتبعها أية دولة وكيف لنا أن نحدد مواصفات تلك المستويات من الجودة؟ دعنا نأخذ مثلا قضية مثل قضية التعليم.. ما نريد أن نحدده هنا هو "سياسة التعليم" هل هو تعليم مجاني في جميع مراحله يستهدف الوصول إلي أكبر عدد ممكن من الأفراد أي قضية الحجم التي يمكن أن تقاس بعدد الطلاب وعدد المدارس وعدد المعاهد وعدد الجامعات وعدد المدرسين وعدد أعضاء هيئات التدريس وهكذا.. وباختصار ملاحظة جانب الكم هنا هو ما تعتد به سياسة التعليم بغض النظر عن أية اعتبارات أخري.. والتعليم المجاني هو ما تتبناه تلك السياسة بغض النظر عن مستوي جودة وكفاءة مثل هذا النوع من التعليم إذا لم يتوافر لدي الدولة الموارد الكافية لتمويله. والبديل الثاني في إطار سياسة التعليم هو نوعية ومستوي ومواصفات التعليم بالنظر لنوع وخصائص المخرجات التي تستهدفها من عملية التعليم أي أن ملاحظة جانب الكيف هناهو ما تعتد به سياسة التعليم فماذا تعني جودة السياسة هنا.. أي جودة "سياسة التعليم"؟ إن قضية الجودة هنا مطلوبة ولازمة علي الجانبين معا والفصل بينهما يعني ضياع جدوي الكم والكيف معا. لابد أن نراعي الجودة حتي إذا أقمنا مدرسة واحدة أو مليون مدرسة ولابد أن تراعي قضية الجودة حتي إذا كان التعليم في مستوي رياض الأطفال أو المدارس الابتدائية أو الاعدادية أو الثانوية أو التعليم العالي لجميع تخصصات ومجالات هذا التعليم من الطب إلي الهندسة إلي الاقتصاد إلي الاجتماع إلي غير ذلك من فروع العلم ودروبه.. والأمر هنا يرتبط بتحديد مواصفات مخرجات التعليم في كل مجال وعند كل مرحلة. أيها السادة إن جودة السياسة في كل مجالات أنشطة أي مجتمع أمر لازم وضروري سواء كنا بصدد التعليم أو الصحة أو الأمن أو الدفاع أو العدالة أو الإعلام أو الثقافة أو غير ذلك من المجالات الأخري قضية الجودة هنا لا تقبل التهاون أو التساهل لأن ذلك إذا حدث من شأنه أن يدفع ثمنه المجتمع كله جيلا بعد جيل.. ونحن نتوجه إلي الأطراف الفاعلة في المجتمع المصري بمناسبة انتهاء أعمال المؤتمر السنوي للحزب الوطني الديمقراطي وطرح السياسات التي يتبناها الحزب داخل هذا المؤتمر وصدور العديد من الأوراق حولها.. نحن ندعو المجتمع كله إلي حوار حول تلك السياسات لأنها تخص المجتمع بأسره باعتبار الحزب هو حزب الأغلبية وباعتبار الحكومة هي حكومة الحزب.. نريد أن تناقش الأحزاب ومختلف القوي السياسة مدي جودة السياسات التي يتبانها الحزب في مختلف المجالات وأن يضع الكل عنصر الجودة في تلك السياسات كمعيار جوهري لتقييمها..هل تلك السياسات تحقق طموحات المجتمع وتعبر عن احتياجات الناس وتتعامل بفاعلية مع هموم الوطن؟ هل يستطيع المجتمع من خلال تلك السياسات أن يخطو للامام وأن يحقق تطلعاته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ إننا مطالبون اليوم كمجتمع بكل فئاته وتجمعاته أن نتابع "جودة السياسات" التي نتبناها والحقيقة أن المجال النيابية عليها دور فاعل في عملية المتابعة والتقييم بل وإعداد تلك السياسات ولكن فاعلية تلك المجالس مازال تحتاج إلي متطلبات لعل الإصلاح السياسي والدستوري المطلوب يعالجه بجدية وصدق. إننا أيها السادة نحتاج من أجل سياسات جيدة إلي سياسيين جيدين وإلي مجالس نيابية جيدة وإلي حركة مجتمع جيدة وإلي نوعية من المثقفين تقود تلك المسيرة وتضيء لها طريق المستقبل بالإنارة والاستنارة وأظننا بإذن الله فاعلون لأنه لم يعد لدينا إمكانية الانتظار أو التردد أو التهرب.