ربما يكون هذا العنوان صادماً إلي حد ما.. ذلك أن النجاح هو النجاح دوماً.. والشخص الناجح والمؤسسة الناجحة والمجتمع الناجح لابد أن يرغبه الجميع ويحبه الجميع أي أن تكون له شعبية ومؤيدون كثر. ولكن هل يمكن أن يصبح النجاح غير شعبي في مرحلة من المراحل أو في موقف من المواقف..؟ الإجابة هي نعم بل وأكثر من ذلك قد تؤدي الشعبية والحرص عليها في بعض الأحيان بأي ثمن إلي نتائج غير مرغوبة وغير مأمونة.. نقول في بعض الأحيان. ودعنا عزيزي القارئ نقترب من المشهد الذي نبصر فيه الأمر بجلاء أكثر. هناك يا عزيزي نوع من القرارات لا يمكن أن تعد قرارات "شعبية" بمعني أن الناس كلهم أو معظمهم سوف يستقبلونها بالفرح والسرور ولكن علي النقيض من ذلك قد يستقبلونها بالضيق والنفور.. فقرار مثل رفع اسعار بعض الخدمات لكي يتم ترشيد استخدامها لا يمكن أن يكون شعبيا.. رفع سعر استهلاك المياه أو الكهرباء أو الغاز أو البنزين مهما كانت مبرراته لا يمكن أن يكون قرارا شعبيا يرحب به الناس المستفيدون من تلك الخدمات.. وقرار مثل وضع ضوابط للوظيفة العامة وجعل التعيين بالتعاقد لمدة معينة بعدها يمكن أن يجدد التعيين أو لا يجدد علي أساس نتائج الأداء.. لا يمكن أن يكون قرار مثل هذا قرارا شعبيا في ظل فلسفة التمسك بالميري بل وترابه. وقرار لخصخصة شركة من الشركات في إطار سياسة عامة وتوجه للدولة في هذا الخصوص.. رغم كل ما يحيط به من ضوابط بالنسبة للعمالة والحفاظ عليها وعلي حقوقها لا يمكن أن يكون علي الدوام قراراً شعبيا لأن ملكية الدولة أو القطاع العام من واقع الممارسات التاريخية لا تسعي أبدا الإدارة في ظلها لمساءلة المقصر أو ضعيف الأداء إما بسبب أن يد الإدارة مكبلة أو أن الإدارة نفسها تفتقر إلي الكفاءة بسبب سوء الاختيار أو اختفاء الحافز سلبيا أو إيجابيا علي الإجادة. وقرار مثل تنظيم مرفق معين أو صيانة مورد معين رغم أهميته وفائدته قد لا يكون قرارا شعبيا.. فإذا أردنا أن نقترب من فاتورة الدعم التي تضخمت وأصبح يدخل في نطاقها المستحق وغير المستحق.. إذا أردنا أن نرشد الدعم لكي يصل إلي مستحقيه سوف تعلو أصوات هذا البعض الذي يستفيد منه دون أن يكون مستحقا له بأن هذا تخل عن دور الدولة في رعاية أصحاب الدخول المحدودة. وقرار مثل ضبط العملية التعليمية ورفع مستوي الالتزام ومواجهة الدروس الخصوصية ومواجهة الانحراف الإداري في مجال التعليم لا يمكن أن يكون شعبيا عند المخاطبين باحكامه من مدمني الدروس الخصوصية أو غيرهم من أصحاب المصالح في التسيب الإداري. هكذا أيها السادة ليست كل القرارات المفيدة والمهمة واللازمة للإصلاح قرارات شعبية بالضرورة. وكان الله في عون أي مسئول يضطر لاتخاذ قرارات من هذا النوع اللازم والضروري ولكنه غير شعبي.. فهو إذا استطاع أن ينجو من الناس فلن يستطيع ذلك مع بعض وسائل الإعلام. والسؤال: كيف نتعامل مع حالة القرارات اللازمة للإصلاح وغير الشعبية؟ هل نتوقف عن اتخاذها أخذا بمنهج الباب الذي يأتي لك منه ريح أغلقه واستريح..؟ ولكن الفاتورة هنا سيتحملها الوطن والمجتمع وتضيع عليه فرص الإصلاح إذا ما كانت تلك القرارات لازمة للإصلاح وضرورية. هل نتخذ مثل تلك القرارات ونصر عليها دفعة واحدة بغض النظر عن ردود الأفعال السلبية التي يمكن ان تصاحبها؟ ولكن قد يؤدي ذلك إلي وجود فجوة بين الناس ومتخذ القرار ونحن في حاجة إلي تجاوب الناس حتي نضمن سلامة التنفيذ وفعاليته ماذا نحن صانعون مع هذا التعارض الكبير؟ الحقيقة أنه ليست هناك إجابة واحدة يمكن تعميمها علي كل الحالات وفي جميع الظروف.. ولكن هناك مجموعة من القواعد العامة التي يجب التأكيد عليها والتعريف بها علي أوسع نطاق. أولي هذه القواعد هي أن للإصلاح ثمناً أو تكلفة يلزم أن نتحملها حتي نصل إلي بر الأمان ولكن بشرط جوهري هو "العدالة" في تحمل العبء بحسب المقدرة وتعويض الفئات التي لا تستطيع تحمل الفاتورة لانعدام أو محدودية دخلها وهذا يصبح التزاما أساسيا للدولة والحكومة. وبشرط آخر ليس فقط أخلاقيا ولكنه في المقام الأول اقتصادي واجتماعي وهو أن يكون الإصلاح ليس لصالح فئة معينة أو نخبة أو سلطة أو جماعة ولكنه يجب ان يكون لصالح المجتمع بأسره.. وينبغي أن يكون هذا الأمر واضحا ويتمتع بأكبر قدر من الشفافية في توضيحه والتركيز عليه وشرحه وتكراره باستمرار حتي يعلمه القاصي والداني.. نعم الإصلاح من أجل صالح المجتمع.. الإصلاح من أجل الجميع. وثانية القواعد في هذا الخصوص النظر إلي طبيعة كل قرار وكل مجال.. فبعض القرارات وبعض المجالات لا يجوز بالنسبة لها إحداث التغيير أو الإصلاح مرة واحدة بل يجب ان يتم بالتدرج المعقول بالقدر الذي يستطيع المجتمع تحمله وقبوله وتحمل تبعاته.. وبعض القرارات والمجالات لا يجوز فيها هذا التدرج بل ينبغي انجازها علي الفور وبشكل مستمر مثل محاربة الفساد.. وهكذا ينبغي أن يصاحب كل قرار بعده الزمني في التدرج أو التسرع بحسب مقتضيات الحال.. وهذا أيضا من العناصر الواجب ايضاحها لإنجاح القرار علي الحالتين لماذا التدرج ولماذا التسرع.. والناس سوف تقبل الأمرين إذا ما استخدم كل واحد منهما بشروطه وبمصداقية وعدالة. والقاعدة الثالثة هي متابعة النتائج والآثار.. ذلك أن هناك قرارات واصلاحات لا تكون مستهدفة لذاتها ولكنها تكون بمثابة وسائل للوصول إلي غايات ونتائج معينة.. ومثل هذه القرارات قابلة للتجويد والتحسين أو حتي العدول عنها أو المضي فيها علي ضوء تقييم النتائج والآثار التي تحققت عنه ونحن هنا في حاجة إلي تقييم نتائج سياسات وقرارات عديدة في مجالات برنامج إدارة الأصول القومية أو ما كان يعرف ببرنامج الخصخصة وليس تزكية لوزير الاستثمار د. محمود محيي الدين القائم علي تنفيذ البرنامج فالرجل لديه كل الحرص علي الشفافية والوضوح ولديه كل الكفاءة والمسئولية في إدارة البرنامج ورغم ذلك لم يسلم من القيل والقال.. والرجل ربما لثقته في نزاهته وفي أنه ينفذ سياسة توافق عليها المجتمع لم يتردد ولم يهتز ومضي في طريقه ولا نقول هنا إن القرارات التي يتخذها الرجل غير قابلة للمناقشة. أو الاختلاف معها في بعض الجوانب ولكن هذا شيء والاتهام شيء آخر.. والأمر الأولي بالرعاية هنا هو متابعة المشروعات والشركات التي تمت خصخصتها في إطار هذا البرنامج. أما القاعدة الرابعة والأخيرة فهي ما يمكن أن نطلق عليه التغذية العكسية أو قاعدة صيانة النجاح وهي أن يكون لدينا في إطار أي برنامج للإصلاح القدرة علي تقييم النتائج واتخاذ القرارات المصححة بما يؤدي إلي تحسين نتائج القرار في كل دورة وأن يكون لدينا الرغبة والقدرة علي الاستماع لمختلف الآراء دون التردد في اتخاذ القرارات اللازمة للإصلاح الحقيقي حتي وان كانت غير شعبية بالضوابط التي أشرنا إليها.