1 هل البرادعي مهم لهذه الدرجة؟ من يقول خلاف ذلك عنده مشكلة كبيرة في تقديره للأمور. الموضوع ليس البرادعي في حد ذاته لأنه ليس نبياً أو قديساً لكن الفكرة نفسها بكل نبلها وأهميتها، ففكرة أن يكون هناك بديل محترم وشخص يريد التغيير والإصلاح ويتحدي بغبغانات النظام وعناكبه التي عششت علي الحياة السياسية المصرية.فكرة أن يكسر جدار الصمت الذي أخرس كثيرين فكرة مهمة تعطي أملاً كبيراً للناس.تخيل لو أنك تستيقظ من نومك دائماً علي نفس الشخص بنفس السياسات وتأكل نفس الطبخة لمدة ثلاثين عاماً.لا تقل لي أنك لن تمل علي الأقل. لن تشتاق لشخص آخر ولو من باب تغيير المناظر.لن تجري غددك اللعابية علي طبخة أخري حتي ولو كانت (دايت).البرادعي طبعاً مهم لأنه يحاول التغيير السلمي ويحاول دفع الناس للبدء في هذا التغيير بأنفسهم حتي يصلوا لقمة الهرم، وهو يصر عليه رغم محاولات الاغتيال المعنوي التي لن تنتهي، ويضع نفسه في المعادلة بذكاء يحسد عليه. رجل كان يشغل منصب مدير الهيئة الدولية للطاقة النووية ل 12 عاما متصلة، لابد أنه شخص مهم بكل تأكيد، لكن السؤال هنا هو مهم لمن؟ للعالم، بكل تأكيد هو كذلك، الرجل حاول منع وقوع غزو أمريكي للعراق بحجة وجود أسلحة نووية لكنه لم يستطع بالطبع، كما أنه حاول أن يخضع ترسانة إسرائيل النووية للتفتيش الدولي - زي باقي الخلق - لكنه أيضا لم يستطع، ظاهريا هذا يشير علي أنه رجل مهم لكنه غير ناجح في القضايا الكبري، لكنه بكل تأكيد نجح في منصبه للدرجة التي مكنته أن يستمر فيه رغم أنف الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن بالنسبة لمصر.. الأمر يختلف. هو مهم طبعا كشخصية مصرية ناجحة ملهمة لآلاف الشباب، رمز يدل علي أن المصريين يمكن أن ينجحوا في الخارج، لكن في «بلدهم» الأمر شديد التعقيد، والتركيبة السياسية والاجتماعية في مصر «ملعبكة» بدرجة قد تجعل أهميته وهو في الخارج أكثر بكثير من أهميته وهو في الداخل. 2 هل يمكن أن ينجح البرادعي لو الانتخابات نزيهة؟ أغلب الظن أن النجاح ليس غاية البرادعي، ولن أنزعج لو لم ينجح، أو حتي لو تراجع عن ترشحه، فالمهم أن الفكرة وصلت وأنها مسجلة باسمه الآن وعلي درجة من الثقل تعطي لها تأثيراً سيستمر في المستقبل.ليست لدي ثقة في انتخابات نزيهة، لكنها لو كانت موجودة ستجعل للبرادعي فرصاً أفضل، لأنها لن تنفصل عن مناخ عام يستطيع البرادعي تسويق نفسه للشعب المصري والمواطن البسيط بصورة أفضل وفي ظروف أكثر ملاءمة، وأعتقد أنه لو لم ينجح الآن سينجح فيما بعد، ويكفيه ما يحاول إحداثه من تغيير. رغم أن هذا لن يعجب كثيرين، إلا أن الإجابة غالبا هي «صعب»، الأمر لا علاقة له بشخص البرادعي أو إمكانياته أو قدراته أو برنامجه الانتخابي - الذي لم يعلن عنه حتي الآن -، ولكن يعود في مجمله لأسباب لها علاقة بمن الذي سيذهب لصندوق الانتخابات، نزاهة التصويت في اللجان لاتعني غياب قوي التأثير علي الذين يذهبون إلي الانتخابات، وحتي لو حدثت المعجزة وصار الإعلام الحكومي محايدا، فالإعلام الخاص لن يكون كذلك، والمستفيدون من عدم وصول البرادعي إلي منصب رئيس الجمهورية كثر، وهؤلاء تحديدا - ومعهم خبرات لايستهان بها في الاستغلال الأسود لوسائل الإعلام - سيدفعون بعض شرائح الناخبين للتصويت ضد البرادعي، ورغم الحديث عن تراجع سطوة الإعلام الموجه، تذكر جيدا أن أحد أسباب نجاح إضراب 6 أبريل عام 2008 هو أن التليفزيون الحكومي حذر منه فأثار جوا من الخوف وامتنع كثيرون عن الذهاب للعمل فزعا وليس تضامنا، فيما مر الإضراب التالي بردا وسلاما عندما تجاهل التليفزيون الإشارة له بحرف. 3 لماذا استمر البرادعي علي موقفه من الترشح رغم الهجوم الذي تعرض له؟ الفكرة لدي البرادعي هي البطل.المبدأ نفسه هو الذي يحكمه، فقد لا يفوز البرادعي، وقد لا يرشح نفسه أساساً لظروف قانونية أو ربما لقضايا ملفقة قد يكون أحد يجهزها من الآن(أقترح عليهم الابتعاد عن تلفيق التزوير لأنها أصبحت قديمة)، لكنه سيظل رمزاً في حالة لو تغير الدستور ليسمح - علي الأقل - بترشحه هو ومن يشابهونه في الأفكار والطموح المشروع.سيظل الحجر الذي ألقي في المياه الراكدة والملوثة والمكهربة دائماً. د.البرادعي لم يعلن بشكل رسمي حتي الآن بالأساس أنه سيتقدم بأوراق ترشحه لمنصب الرئيس، بل إن خطواته توحي بالعكس، إذ اشترط ضمانات محددة -وهذا حقه - قبل المشاركة في الانتخابات، لكن هذه الضمانات من الصعب جدا أن تتحقق بين يوم وليلة، بل ربما من المستحيل أن تتحقق قبل ميعاد الانتخابات الرئاسية القادمة في 2011 إلا إذا حدثت معجزة، كما أنه قطع علي نفسه طريق الترشح عبر أحد أحزاب المعارضة القائمة - وهذه هي الوسيلة العملية المتاحة حاليا - عندما أعلن رفضه الانضمام لأي حزب مفضلا الترشح - إن فعلها وترشح فعلا - مستقلا، وعليه فإن الهجوم الذي شنته عليه وسائل الإعلام الحكومية لم يؤثر في موقفه من الترشح الذي لم يحسم بالأساس قبل أو بعد الهجوم. 4 هل التأييد الإلكتروني ومجموعات الفيس بوك دليل علي شعبية البرادعي؟ بالطبع لا.. ليست وحدها، لكنها دليل أهم علي أن الأجيال الجديدة التي تنمو في مصر تريد أن تتنفس هواء آخر، وأنهم يرون في البرادعي رمزاً لهذا التغيير، لاسيما أن له تاريخاً يصعب طمسه أو التشكيك فيه رغم المحاولات الغبية لفعل ذلك.لاحظ أيضاً أن هذا التأييد الالكتروني ومجموعات الفيس بوك دليل علي كفر الناس بالحياة السياسية علي مستوي الواقع، وعلي شيخوخة الأحزاب التي تشعر أن الريالة تتساقط منها من فرط الضعف والسذاجة والهطل بينما هي الوحيدة التي تري. عد مرة أخري إلي نظرية «إضراب 6 أبريل»، رغم وجاهة الفكرة ونبلها الشديد، لكن كم واحدا من الكام ألف الذين اشتركوا في جروب الإضراب علي الفيس بوك، نزلوا إلي الشارع لممارسة الفعاليات المصاحبة لهذا الإضراب؟ العدد لم يزد بأي حال من الأحوال عن عدة مئات، والأمر لن يختلف كثيرا - للأسف - مع الدكتور البرادعي. لا أحد يمكنه أن يشكك في صدق مشاعر أعضاء الجروب المؤيدين للبرادعي رئيسا لمصر، ولا في إخلاصهم للفكرة، لكن المشكلة أن التضامن والفاعلية عبر مفاتيح «الكيبورد» لايعكس أبدا حجم ذلك التضامن والفاعلية بشكل عملي علي أرض الواقع، غالبيتنا يبحث عن الأمان بكل تأكيد، ولا أحد يلقي بنفسه للتهلكة، لكن كم سيكون عدد أعضاء جروب «البرادعي رئيسا» لو كان ثمن الاشتراك في هذا الجروب ملاحقة أمنية وجرجرة في الأقسام والنيابات والمحاكم؟ 5 ماذا سيحدث لو أصبح البرادعي رئيسا؟ أي شيء سيحدث لو أصبح البرادعي رئيساً سيكون أمراً جيداً. فكر جديد بحق وليس فكراً جديداً من بتاع الحزب الوطني. لو أصبح رئيساً وهو يدرك أهمية الإصلاح ويستشعر إلي أي درجة وصل الفساد في مصر ووصل بها سنكون بصدد أول رئيس (إصلاحي) حقيقي، لكن ستظل المشكلة في ميراث المصريين والعقلية المصرية التي تستلزم عشرات السنوات وعشرات البرادعي لتغييرها، فالخوف - كل الخوف - أن يحول الناس البرادعي إلي فرعون آخر، وتسبح الصحافة والإعلام بحمده ليل نهار ويصدق البرادعي أنه المخلِّص، والمنقذ الوحيد للشعب.ساعتها سيفقد الأمر كله أهميته ونصبح بصدد مقلب جديد.لو أصبح البرادعي رئيساً يمكن أن يصبح غيره رئيساً وأن نتخلص من فكرة الرئيس الأوحد الذي لا يخرج من الحكم إلا علي نقالة، ويكفي أنه سيعدل مادة الدستور المخجلة الخاصة بفترة تولي الرئاسة، وهو ما يعطي أملاً في مستقبل ما نطمع أن يكون أفضل بدلاً من السحب والغازات السامة التي تحجب عنا رؤية مستقبل مصر في هذه الأيام. لو أصبح البرادعي رئيسا لمصر، وظل الهيكل السياسي للدولة علي حاله هذا، لن يحدث شيء مطلقا، بل ربما تتجه الأمور نحو ما هو أسوأ! لاتشاؤم ها هنا بقدرة ماهو افتراض قائم علي معطيات الواقع، المعادلة مركبة بالفعل.. لو نجح البرادعي متفوقا علي مرشح الحزب الوطني لن يستطيع التخلص من أذيال المرحلة السابقة، وهؤلاء سيستطيعون تدريجيا العودة إلي صدر المشهد وربما - بقدر قادر - يصبحون هم مساعدوه دون أن يدري لأن هؤلاء دخلوا في نسيج مؤسسات الحكم بدرجة يصعب التخلص منهم، ناهيك أن «سيستم» النظام السياسي في مصر والصلاحيات التي تعطي لرئيس الجمهورية تجعله - لو كان ملاكا - يتحول إلي رئيس أبدي، إضافة إلي أن هناك - من الآن - من ركب موجة البرادعي وصار يتعامل مع الرجل باعتباره «المخلص»، وقد يكون هو كذلك فعلا، لكنه أيضا «بشر»، وآه من هنات البشر حينما تصبح السلطة بين يديهم بمصاحبة «رفقاء النضال». 6 هل فرص البرادعي أفضل في غياب الرئيس مبارك؟ طبعاً.هناك رأي قد يزعج البعض، وهو أن أي انتخابات نزيهة ستجري الآن ويكون الرئيس مبارك مرشحاً فيها سيفوز بها فوراً وبفارق ضخم وعن قناعة واقتناع من الناخبين.غياب مبارك وآله وعدم دخولهم الانتخابات يفتح فرصة نزاهة وعدالة بعيداً عن عاطفية البعض وجهل البعض الآخر وتغييب إرادة الجميع بفعل فاعل، ونظرية المصطبة والفسحة الشهيرة «اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفهوش» والتي يصر البعض علي تطبيقها في عالم السياسة، والأهم من ذلك كله أن غياب مبارك وآله عن الانتخابات سيذكر المصريين البسطاء - والمعقدين أيضاً - بنعمة العقل الذي سيضطرون لإعماله علي الأقل لتقرير مصيرهم ولتحديد من يمكن أن يكون رئيسهم؟،ولماذا؟، وبناء علي أي معايير؟ ربما هي كذلك بالفعل، لكنه لن تكون بمثل هذه السهولة المتوقعة، بقاء الرئيس مبارك في منصبه لعمر يقترب من الثلاثين عاما، يجعله راسخا بالفعل في مكانه مستخدما دعامات وخرسانات أمنية شديدة الصلابة صعبة الزحزحة، لكنه لو فعلها ونقل كامل سلطاته - بعضها تم نقله بالفعل - إلي نجله جمال مبارك، ربما تصبح المنافسة بين البرادعي وجمال مبارك أشد صعوبة مما لو واجه مبارك نفسه، ذلك لأن الانتخابات بين البرادعي وجمال الابن ستصبح معركة حياة أو موت بالفعل لرجال نظام مبارك، شيوخهم وشبابهم، كبيرهم وصغيرهم، وهم يدركون أن الانتصار «الكاسح» - دعك من أنه سيكون مزورا مزيفا - علي البرادعي، سيضمن لهم الدخول في مظلة الابن الرئيس إلي الأبد. 7 هل يمكن أن يدعم الإخوان البرادعي؟ سيراوغ الإخوان حتي آخر لحظة ولن يعلنوا موقفهم، لكن الأرجح أنهم لن يقفوا مع البرادعي، ولن يدعموه، فأداءالإخوان الآخذ في التراجع يجعل منهم مجرد مطلقي بالونات اختبار، وموقفهم دائماً يتحدد في الوقت الأخير وفق الصفقة التي ينجحون في إبرامها في الكواليس سواء مع النظام أو مع الأطراف الأخري.لن يدعم الإخوان البرادعي من وجهة نظري في النهاية لأنها بالنسبة لهم «خربانة خربانة»، والاتجاه السائد الذي تشعر به الآن هو أن الجماعة ملت من دور المعارض السياسي وحنت إلي أصلها الدعوي، بلا سياسة بلا وجع دماغ، خصوصاً أنهم لن يصلوا للحكم أبداً..علي الأقل في هذا القرن، ولذلك أتوقع ألا يدعموا البرادعي، وأن ينفرط عقد أصوات الجماعة بين مبارك نفسه - لو لزم الأمر - وبين مرشحي المعارضة أياً كان اسمهم. سيفعل الإخوان ذلك بكل تأكيد بشرط أن يكون هناك مقابل لذلك، رغم الزخم والزهو السياسي الذي يعيش فيه الإخوان حاليا، إلا أنهم يدركوا جيدا أن هذا يتم عبر اتفاق ضمني غير معلن مع نظام مبارك لأنهم يفتقدون إلي قانونية الوجود، وإذا كان من سبب رئيسي للمشكلات التي لاحقت الانتخابات الإخوانية الداخلية الأخيرة، فهو غالبا يتلخص في «غياب العلانية»، لأن طبيعة كيان الإخوان السرية «غير القانونية» فرض عليهم إجراء الانتخابات بشكل غير علني، هو نفس الإطار الذي يحرمهم من الكثير من الممارسات السياسية العلنية التي لو كانوا يمتلكون ربعها مثلما هو حال باقي الأحزاب لكان وجودهم السياسي متضاعف، وعليه لو أعلن البرادعي عودة الشرعية للإخوان - في أي شكل.. حزباً أو جمعية - لابد أن مقابل ذلك سيكون هو التصويت له.. هذه براجماتية إخوانية مجربة كثيرا من قبل حتي مع نظام مبارك فلماذا لايجربونها إذن مع البرادعي؟ 8 هل توافق أمريكا على نجاح البرادعى ؟ صعب جدا، أمريكا لاتنسي منافسيها أبدا، والبرادعي ظل في منصبه الدولي رغما عنها لأكثر من عقد، ثم إن أجندته المعلنة والتي تتعلق بإصلاح الوضع السياسي في مصر، واتخاذ موقف متشدد تجاه إسرائيل، كل هذه عوامل توحي بأن تكون الإجابة لا، لأن وصول شخص بطبيعة البرادعي إلي منصب رئيس مصر في هذا الوقت شديدة السخونة في العالم بأسره لن يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة غالبا. في السياسة لا يوجد حب دائم ولا كره دائم، بل توجد مصلحة دائمة. لو البرادعي أو جمال أو حتي أبو تريكة يحقق لأمريكا مصلحة أكبر بوجوده رئيساً سيوافقون علي الفور، ولو حتي كان المرشح إخوانياً إسلامياً من بعابيع الغرب(جمع بعبع) فسيصبح رئيساً.لا أعتقد أن أمريكا ستكون لديها مشكلة مع أي برادعي لو أنه في مصلحتها أن يكون رئيساً. 9 هل المسئول الدولي الناجح يصلح لأن يكون رئيسا ناجحا؟ بالطبع ليست قاعدة لكن: لم لا؟.. المسئول الدولي لعب سياسة كثيراً وقابل للاستفادة من تجاربه مع العالم وتطبيق نجاحات الآخرين.ثم أصلاً أصلاً ما مفهوم رئيس ناجح، وهل حكم مصر في أي وقت رئيس ناجح؟.. الرئيس ينجح أحياناً ويفشل أحياناً ويحاول إدارة الأمور وفقاً لما يمكن أن يصنع منها أموراً أفضل وأكثر ملاءمة لشعبه ولظروف بلده.الكلام سهل، لكن التطبيق يثبت أن الناس والتاريخ والسياسة لم تتفق علي رئيس مصري ناجح فهم إما أبطال أسطوريون (الزعيم عبد الناصر والسادات بطل الحرب والسلام ومبارك الحكيم) وإما فاشلون بنجاح( عبد الناصر سبب النكسة والفساد والسادات الذي طبع مع إسرائيل وفرط في الانتصار ومبارك الذي لم ينجز سوي الكباري وحكومته التي يعينها غير قادرة علي حل أزمة تافهة مثل أزمة الأنابيب أو القمامة أو طابور العيش إضافة لابنه المرشح الأول لوراثة مصر).مصر جربت أبناء المؤسسة العسكرية وفكرهم وجربت المحتل ورضت به فلماذا لا تجرب المسئول الدولي الناجح.. هي جت عليه؟ مع التقدير للدكتور البرادعي، فإننا نسمع عن العكس غالبا، أن يكون المسئول ناجحا في بلاده وبعد انتهاء عمله يتولي منصبا قياديا في المؤسسات الدولية، مثل «داج همرشولد» ثاني أمين للأمم المتحدة، الذي كان نائبا لوزير الخارجية في السويد ثم تولي ذلك المنصب الدولي الرفيع من 1953 وحتي 1961 قبل أن يلقي مصرعه في تحطم طائرته فوق الكونغو، الرئيس الأمريكي السابق «جيمي كارتر» نموذج آخر علي ذلك فبعدما ترك منصبه عام 1981، تفرغ لنشر السلام في العالم عبر مؤسسة دولية تابعة له، ونال جائزة نوبل للسلام علي ذلك عام 2003، صحيح أن هناك استثناءات مثل الأمين العام السابق للأمم المتحدة «كورت فالديهم» الذي شغل هذا المنصب «1972-1982» أولا ثم أصبح رئيسا لبلاده النمسا «1986-1992»، لكن القاعدة تقول إن المسئول ينجح في بلده أولا ويصل إلي أعلي المناصب فيها ثم ينطلق إلي العالمية وليس العكس، هل هناك استثنئاءات ناجحة؟ يجوز. 10هل الشعب مستعد للبرادعي فعلا ؟ أم أنه مثقل بالخنوع واليأس؟ الشعب المصري لم يكن مستعداً لحكامه في أي وقت.راجع التاريخ وستعرف أن الحكام كلهم فرضوا عليه والشعب رضي بهم وصنع منهم جميعاً أبطالاً أو أجبره حكامه علي ذلك.عبد الناصر جاء بثورة وانقلاب علي محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر.السادات جاء من الصفوف الخلفية ليصبح رئيساً لمصر بعدما مات عبد الناصر فجأة وفي وقت لم يكن يتوقعه أو ينتظره أحد، وحتي الرئيس مبارك جاء فجأة بعد اغتيال السادات ووقت أن كان الشعب المصري مولع بالسادات وحالة الجدل التي أحدثها والحميمية التي نجح في طبعها علي علاقته بالشعب «كان يقول عليه شعبي».لم يكن الشعب المصري مستعداً أبداً لكنه الآن - علي الأقل في طبقاته الواعية والمثقفة وتلك التي لم يجبرها النظام علي الرضا بالأمر الواقع ومبدأ «اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش» كل هؤلاء يريدون البرادعي ومستعدون له رغم خنوع الآخرين ويأسهم. الشعب مستعد لأي شيء سوي أن يفعل شيئا!، شعب يتقبل غليان الأسعار بصدر رحب ويشرب مياهاً ملوثة ويأكل أكلاً مسرطناً بمنتهي السعادة ويتعامل مع بقاء رئيس جمهورية في منصبه لما يقرب من ثلاثين سنة باعتباره قضاء وقدراً، وينظر لتوريث الحكم علي أنه مكتوب علي الجبين، ويرضي بأقل مستويات المعيشة وما أدناها دون اعتراض، ويقتل بعضه البعض من أجل أنبوبة بوتاجاز بسبعين جنيها تاركا المجرم الحقيقي.. هل يمكن لشعب مثل هذا - مع كل التقدير لكل من فيه - أن يتحرك ويدعم البرادعي رئيسا للجمهورية؟ صعب.. مش لما يتحرك الأول عشان نفسه يتحرك عشان البرادعي!