خاصة بعدما أحاط به نخبة من المثقفين من كل التيارات المعارضة، وانتشرت المواقع علي الإنترنت تؤيد د. البرادعي وجمعيته، وازدهر الأمل وزاد الطموح في النفوس، ثم بدأت الغيوم تظهر في الأفق، حيث كثرت سفريات البرادعي ولم يظهر تأثير للنخبة في الشارع، ثم انسحب د. محمد الغار وخلفه المستشار الخضيري ثم د. حسن نافعة، والإعلامي حمدي قنديل! وهنا طرح التساؤل نفسه: ماذا حدث لجبهة التغيير ونخبتها ورئيسها؟ بالطبع هناك تساؤلات كثيرة طرحتها الخلافات التي وصلت لدرجة تقديم الاستقالة من أحد مؤسسي الجمعية وهو د. حسن نافعة وطلب البعض إعفاءه من مهمته مثلما حدث من د. محمد أبو الغار والمستشار محمود الخضيري والإعلامي حمدي قنديل فهؤلاء جميعا اكتشفوا أن هناك خلافات جذرية بينهم وبين ما كانوا يتوقعونه وينتظرونه من د. محمد البرادعي صاحب التاريخ الدولي المعروف. ولعل هذه الخلافات خرجت من الاجتماعات المغلقة إلي صفحات الصحف بدأها المستشار محمود الخضيري بإعلانه علي استحياء منه بالرغبة في التركيز في الحملة القومية لانتخابات حرة ونزيهة، وهو الأمر الذي كرره د. محمد أبو الغار بالرغبة في التركيز في أبحاثه ومؤتمراته الطبية، ولكن كان د. نافعة أكثرهم جرأة وعبر عما خشي الكثيرون الإفصاح عنه حينما أعلن عن تقديم استقالته وهو المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير وذلك لعدة أسباب أهمها أن الجمعية تفتقد جزءا كبيرا من وجودها في الشارع نظرا للغياب المتكرر لمحمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق ورئيس الجمعية لكثرة أسفاره خارج مصر، أما الإعلامي حمدي قنديل فقد كان أكثر شجاعة حينما قال إنهم توصلوا بعد النقاش إلي أن الخلاف مع د. البرادعي خلاف جذري بسبب تمسك د. البرادعي بمواقيت حضوره وغيابه، أما نواياه فقد ازدادت غموضا علي نحو مقلق والكلام لا يزال لقنديل وهو المتحدث الإعلامي باسم الجمعية التي لم يتم إشهارها حتي الآن ولا تزال كيانا غير معترف به قانونا. لم يقف الإعلامي حمدي قنديل عند هذا الحد بل كشف عن أمر خطير حينما أكد قائلا: عندما اجتمعنا بالدكتور البرادعي في منزله في 23 فبراير لم يكن متحمسا لقيام الجمعية، وأنه دفع إلي ذلك دفعا بواسطة الحاضرين الذين التهبوا حماسا عندما اكتشفوا القواسم المشتركة بينهم حتي إن كانوا يمثلون تيارات سياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.. ومنذ ذلك اليوم ود. البرادعي يبدي في كل مناسبة أنه ضعيف الثقة في النخبة.. وكنا نحاول تفهم ذلك أيضا، وإن كنا نحاول مد الجسور مع كل القوي المعارضة للنظام ونصر علي جمعه بالشخصيات البارزة المهمومة بالشأن العام.. وكان يري أن جمع التوقيعات علي بيان التغيير هو أهم أركان حملته. وهو الأمر الذي يفسره د. البرادعي قائلاً: إنهم ليسوا حزبا سياسيا، وليس لهم هيكل يعملون من خلاله والهدف من الجمعية التغيير وجعل الشعب يتحمل مسئولياته لذلك فان من يريد ان يخرج منها فليخرج، وأنا أود ان أغير فكرة المصريين القائمة علي الشخص الواحد، فالتغيير لا يجب أن يقوم علي شخص وإنما ببناء مؤسسات، وهناك عدم فهم من بعض الناس فالتغيير فكرة وأعمل فيه سواء داخل مصر أو خارج مصر ولي مسئوليات أقوم بها ولم أتعهد بأنني أصبحت سياسيا محترفا، ولست كذلك وإنما أنا كمواطن أشارك في عملية التغيير، وعندما يطلب الشعب مني ذلك كقائد سأقوم بما استطيع ان أقوم به. إلي هنا انتهي كلام . د محمد البرادعي الذي يثير الكثير من الأسئلة أكثر مما يجيب عنها ويزيد الموقف غموضا أكثر مما يزيل اللبس وهو الأمر الذي أكده د . محمد أبو الغار من أن الجمعية كانت لديها فرصة لعمل تغيير ضخم في مصر وهذه الفرصة أجو الا تكون قد ذهبت أو ضعفت علي الأقل نتيجة ما حدث مؤخرا فرغم أن عدم الاتفاق في بعض النقاط شيء طبيعي يحدث في بعض الحركات السياسية ولا توجد حركة سارت بدون خلافات في وجهات النظر، كل الخلافات انتهت بطريقة مهذبة، لا توجد شتائم ولا اتهامات بالتزوير والعمالة، حتي الناس الذين أعلنوا رغبتهم في الاستقالة أكدوا أنهم موجودون في أي لحظة وقت الحاجة إليهم وأنا شعرت بأن هناك اختلافات في وجهات النظر المفروض أن القائد السياسي لهذه المجموعة يتخذ قرارا لحلها خاصة والمجموعة التي أسست الجمعية كلها أفكارها واحدة وطوال عمرها تعمل من أجل تغيير الأوضاع القائمة وكلها معتدلة في التفكير لا يوجد واحد يميني وآخر يساري وثالث متطرف ومثلهم مثل البرادعي نفس القماشة لكن هناك أشياء معينة ممكن أن يحدث فيها خلاف في طريقة العمل اليومي وعلي تسيير العمل لكي يكون الناتج جيدا. وعن الخلاف الذي حدث نتيجة تحالف البرادعي مع الإخوان يقول ابو الغار: طبعا الخلاف حدث وأنا غير موجود كان لدي مؤتمر طبي في تركيا وقرأته في الصحف لكن هناك قرارا ً واضحاً ومعروفاً أن الإخوان فصيل سياسي موجود في مصر ويجب أن يشارك ود• الكتاتني حضر الاجتماع التأسيسي للجمعية الوطنية وقابل د• البرادعي ولكن أن يذهب البرادعي إلي مقر كتلة نواب الإخوان فهذا لا أفهمه ولا أعرف هل يمثل تغييرا جذريا في توجهات البرادعي أم أنه تغيير تكتيكي براجماتي يهدف إلي الاستفادة من تأييد شعبية الإخوان لمطالبه بغض النظر عن الخلافات الأيديولوجية بين الطرفين• واعتقد أن الموضوع كله في يد البرادعي لأنه لا توجد خلافات شخصية بين هذه المجموعة التي اعتبرها غير محترفة سياسة ولا تسعي لمناصب ولو افترضنا جدلا أن البرادعي غدا أصبح رئيسا للجمهورية فلا يوجد أي شخص منا سيكون له دور سياسي. من جانبه يري جورج اسحاق أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير أنه لا توجد خلافات جذرية ولكن هناك اختلافات في الرؤي وأنا أقول إن وجود د. البرادعي في مصر إضافة لحركة المعارضة المصرية لأنه رمز كبير يحظي بمصداقية في الداخل وسمعة دولية لا خلاف عليها، والمشكلة في عدم فهم البعض لاسلوبه في التفكير فهو قال إنه لا يريد أي وصاية علي الجمعية ومن حق أي عضو فيها أن يفعل ما يريد.. البرادعي لا يرغب في أن يكون زعيما أو رئيسا ولكن هدفه الرئيسي هو التغيير ويسعي إلي تنفيذ المطالب السبعة المتمثلة في تعديل بعض مواد الدستور لكي يسمح لأي مرشح مستقل بالتقدم لانتخابات الرئاسة وان تتمتع بنزاهة ورقابة دولية. وعن التقارب مع الإخوان يقول إسحاق: إن د . الكتاتني كان موجودا في أول اجتماع تأسيسي للجمعية وبالتالي فلا توجد صفقة أو نظرة براجماتية للتعاون مادمنا متفقين علي المطالب السبعة إضافة إلي أن د. البرادعي سيزور جميع التيارات السياسية الأخري مادام هناك اتفاق بين الجميع علي ضرورة التغيير ورغم كل ما حدث من ضجة إلا أن مؤسسي الجمعية في اجتماعهم الأخير أعطوا نموذجا لإدارة الاختلافات والرقي في التعامل نريد أن نرسل رسالة لكل القوي السياسية كيف نختلف وكيف نعالج هذا الاختلاف؟ وتمسكنا بالدكتور حسن نافعة لأنه أحد مؤسسي الجمعية ولا نستطيع أن نتخلي عنه وكذلك الإعلامي حمدي قنديل وسيكون لدينا اجتماع آخر لوضع الخطط والاستراتيجيات للمرحلة المقبلة. الاتفاق بيننا تم قبل ما حدث في انتخابات الشوري مع الإخوان غير صحيح.. هذا ما يؤكده صبحي صالح الأمين العام المساعد لكتلة الإخوان في البرلمان.. ويضيف: لكن كون النظام لم ير هذه العلاقة من قبل فهذه مسألة تخصه وما عندنا يصح من البرادعي، وهذا اللقاء كان مرتبا بواسطة د . حسن نافعة فهو لقاء لا يحتم عليه الا ما يتم فيه الاتفاق ونحن متفقون علي النقاط أو المطالب السبعة فهي بالنسبة له طرح سياسي وبالنسبة لنا جزء من مشروعنا الكامل، فالدولة التي نسعي لها دولة مدنية.. نحن لم نطالب يوما ما بدولة دينية ولا الإسلام يعرف الدولة الدينية ونحن نؤمن بتداول السلطة والاحتكام للانتخابات النزيهة والديمقراطية ونحن نري أن توحيد الجهود علي مطلب الإصلاح والتغيير لا يتناقض أو يتعارض مع القوي السياسية التي بينها خلاف أيديولوجي لأنه لو كان الجميع متفقا علي الإصلاح والاحتكام للانتخابات فصناديق الانتخابات هي التي ستحدد من سيكون بعد التغيير مادمنا اتفقنا علي الانتخابات واحترام الإرادة الشعبية فلا تناقض أو تعارض، ونحن نري أن انتخابات مجلس الشوري كشفت عن مدي الفساد والاستبداد الغارق فيه الحزب الوطني وأنه غير قادر علي التطوير أو الإصلاح أو حتي إعادة إنتاج نفسه. لذلك فنحن مستمرون في نضالنا من أجل التغيير في إطار سلمي ودستوري لكننا نقول إننا مستعدون لكل التضحيات وعلي الوطني أن يختار لأن قطار التغيير انطلق ولن يتوقف ونحن مستعدون لدفع التضحيات. أما عبد الرحمن القرضاوي المنسق العام للحملة الشعبية المستقلة لدعم ترشيح البرادعي رئيسا فيقول: لست من قيادات الجمعية الوطنية للتغيير لكن في النهاية د. البرادعي ليس رئيسا للجمعية وعلاقته بالجمعية أنه اصدر بيانا "معا سنغير" والجمعية بمن فيها من رموز أيدت هذا البيان وسعت لاتزال تسعي لجمع التوقيعات ودعوة المصريين للتوقيع علي هذا البيان وهي ليست كيانا منظما بحيث نصفه بأنه جماعة محظورة كما حدث في بعض الأحيان وفي الوقت ذاته ليست بالدقة بحيث توصف الجمعية بجمعية البرادعي. وعن رؤيته للخلافات الحادثة بين أفراد الجمعية والبرادعي قال القرضاوي إنها ليست ذات أهمية طالما ظل الجميع يجمع التوقيعات علي البيان، والجمعية اليوم بكل ما فيها من رموز تستطيع أن تتحرك كيفما شاءت ود. البرادعي يستطيع التحرك كيفما شاء في ظل الإطار والاتفاق علي المطالب السبعة. وعن سر زيارة البرادعي لمقر الإخوان يري أنه لا تغيير تكتيكياً ولا استراتيجيا، فقط هو يرد الزيارة، فالكتلة البرلمانية للإخوان تمثل 20% من البرلمان وهو سيرد الزيارة لكل التيارات التي زارته في المنزل، إضافة إلي أن جميع من يعمل بالسياسة يكون براجماتيا وهي ليست حكرا علي الإخوان وتعامل د. البرادعي مع جميع التيارات كان تعاملا أخلاقيا وسياسيا رفيعا وهو لايزال صاحب شعبية في الشارع ومصداقية عالمية وأنا لا أستطيع أن أرسم سيناريوهات مستقبلية للجمعية ولكن أري أن الجمعية تضم أناسا محترمين والخلاف حضاري والخلافات في أمور السياسة ظاهرة حتمية وفي مصر ظاهرة طبيعية. من ناحية أخري يقول د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني: أنا فوجئت بما كتبه حمدي قنديل في إحدي الصحف عن عمق الخلاف بين أعضاء الجمعية ود. البرادعي الذي لا يزال "مش فاهم" قواعد اللعبة وعدم فهمه لهذه القواعد ينتج عنه اضطراب في خطواته وبالتالي يظهر في الصورة العامة أنه غير مستعد لخوض معركة كبيرة هي الدافع للتغيير، لأن خطواته والهياكل التي أنشأها لا تعمل لصالح مؤسسة أو جمعية يعمل كل واحد لصالحه، هناك خلافات غموض شديد في الرؤية ويبدو أن هناك أشياء لا تقال أو تنافساً كبيراً بين أفراد الهيكل التنظيمي، وهذا يظهر صعوبة العمل التنظيمي بين أشخاص متقاربين في المكانة والأهمية الاجتماعية، فكلهم جنرالات وبحاجة لجنود وكأنه لا يوجد هيكل أو التزام لكنهم عبارة عن جماعات تطوعية سياسية تظهر فجأة ثم تختفي فجأة وهناك أشياء كثيرة في التاريخ مثل ذلك، فالأمر يقتصر علي مجموعة بيانات.. والخلافات بينهم أحبطت أنصاره ومؤيديه علي الفيس بوك، ومستقبل الجمعية عمليا مجهول لأنه في عمليات التحول السياسي الاجتماعي هناك كثير من الهياكل تظهر وتختفي أو تندمج في أشياء أخري ولا تعرف ماذا يحدث لها؟