كان دومينيك دوفيلبان رئيس وزراء فرنسا وهو يقف امام الكاميرات في فبراير الماضي وبصحبته رؤساء شركتي الطاقة الفرنسيتين سويز وجاز دي فرانس معلنا موافقته علي دمج الشركتين معا.. وكان دوفيلبان واثقا انه بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد.. فهو من ناحية سيخلق بهذا الاندماج رمزا فرنسيا كبيرا في مجال شركات الطاقة ومن ناحية اخري سيوقف عرضا اجباريا ايطاليا لشراء شركة سويز وهي شركة خاصة للماء والكهرباء. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان دوفيلبان اضطر بعد ذلك بأربعة شهور فقط وفي اواخر يونية الماضي بالتحديد الي تأجيل مشروع الاندماج بين سويز وجاز دي فرانس بسبب المعارضة البرلمانية المتزايدة لهذا المشروع وهي معارضة تنبع اساسا من نواب الحزب الحاكم الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء الفرنسي. وقد تقرر تأجيل مناقشة هذه القضية في البرلمان الفرنسي حتي شهر سبتمبر القادم علي امل ان يتمكن دوفيلبان من اقناع النواب المتمردين وهو امر يبدو حتي الان انه بالغ الصعوبة.. ورغم ان قادة الشركتين يحاولون التقليل من اهمية هذه المعارضة البرلمانية فإن النتيجة قد لا تكون في صالحهم. وعلي جانب آخر بدأت المفوضية الاوروبية التحقيق في هذه الصفقة من زاوية الدفاع عن المنافسة ومحاربة الاحتكار في السوق الفرنسي وهو امر قد يساعد في تمهيد الطريق امام الايطاليين لشراء شركة سويز في نهاية المطاف. ومعروف ان جاز دي فرانس شركة حكومية تملك الحكومة الفرنسية 80% منها ولاتمام صفقة اندماجها مع سويز يتعين خفض حصة الحكومة الي 34% فقط وهذا هو سر المعارضة البرلمانية الشرسة لتلك الصفقة.. فخصخصة مرفق الغاز الفرنسي امر مرفوض ليس من الناخبين فحسب لانه سيشعل اسعار الغاز وانما هو ايضا يتنافي مع وعد حكومي بألا تقل حصة الحكومة في جاز دي فرانس عن 70% وهو وعد كان قد اطلقه نيكولاس ساركوزي عندما كان وزيرا للمالية منذ عامين فقط عندما كان يستعد لتعويم هذا المرفق جزئيا في ذلك الحين. والحقيقة ان وقف خطة دوفيلبان بدمج شركتي سويز وجاز دي فرانس يعد ثاني ضربة سياسية له بعد اجباره علي سحب قانون العمل سيئ السمعة الذي اثار الشارع الفرنسي وطلاب الجامعات منذ نحو شهرين.. ولذلك تبدو مصداقية رئيس الوزراء الفرنسي محل شك بعد ان تكالبت عليه الانواء من كل اتجاه خصوصا مع ادعاء تورطه في قضية "كلير ستريم" وهي قضية تتعلق بالحسابات المصرفية غير المشروعة ولاتزال قيد التحقيق. اضف الي ما تقدم ما تكشف اخيرا عن قيام نويل فورجيرو الرئيس الفرنسي المناوب لشركة الايرباص الاوروبية ببيع جزء من اسهمه المختارة قبل فترة وجيزة من انهيار سعر سهم شركة الايرباص بسبب اعلانها تأخير تسليم طائرتها الجديدة (A380) لمدة سبعة شهور اخري.. وقد اتهم البرلمان الفرنسي فورجيرد بالتربح من ازمة الايرباص وادعي فرانسو هوللاند زعيم المعارضة الاشتراكية ان دوفيلبان يساعد فورجيرد في موقفه وهو الامر الذي اثار النواب واحدث حالة من الهرج داخل الجلسة ادت الي رفعها حتي لا يحدث تشابك بالايدي داخل البرلمان. وباختصار، فان دوفيلبان يبدو كالساحر الذي انقلب عليه سحره ويبدو وقف اندماج شركتي سويز وجاز دي فرانس مجرد عرض لوقف دوفيلبان المتدهور سياسيا حيث هبطت شعبيته في استطلاعات الرأي في يونية الي 20% فقط.. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العام القادم يخشي نواب حزب يمين الوسط الحاكم من تأييد سياسات رئيس الوزراء الفرنسي التي تتصادم مع رغبات وتطلعات الرأي العام.. ولذلك فقد انفضوا من حول دوفيلبان وراحوا يتحلقون حول منافسه الاول ساركوزي الذي يبدو انه المستفيد الاول من الازمات التي تحيط برئيس الوزراء. وعموما فقد أعلن جيرارد مستروليه رئيس شركة سويز منذ ايام انه صار مستعدا لبحث خيارات اخري غير الاندماج مع جاز دي فرانس اذا لم تحل هذه القضية بعد انتهاء اجازات النواب الصيفية.. ومن المعروف ان النواب يعودون من الاجازات وقد تشبعوا بآراء الناخبين في دوائرهم ولذلك فانهم سيكونون اقل ميلا الي التساهل مع رغبات دوفيلبان خصوصا ان الناخبين باتوا يشعرون بان النخبة الحاكمة لم تعد تهتم الا بمصالحها وتحاول ترتيب الامور دائما طبقا لهذه المصالح التي لا تراعي معاناة الجماهير الفرنسية.