رغم بساطة هذا السؤال: ماذا نريد؟ إلا أنه يعتبر أصعب الأسئلة التي يمكن أن توجه إلي أي فرد أو أية مؤسسة أو أية حكومة أو أي مجتمع؟ ماذا تريد؟.. وحتي تتضح صعوبة السؤال دعنا نأخذ بعض الأمثلة من وقائع نعايشها.. لقد تناولت بعض وسائل الاعلام وبعض الكتاب عملية الخصخصة في الفترة الأخيرة بطريقة يحتار لها وفيها العقل نعم قد نفهم أن يكون هناك اختلافات أو اجتهادات حول الأساليب والآليات الممكن استخدامها في عملية الخصخصة.. ولكن عندما يدور الخلاف ويتصاعد لكي يجعل تلك العملية مرفوضة من الأصل ولكي يقال إنها بيع للبلد و بيع لأصولنا القومية التي كونها هذا الشعب المعطاء علي مر تاريخه ونضاله الطويل.. بل ويقال ما هو أخطر من هذا إننا نبيع تلك الثروة وهذه الأصول علي طريقة حاجة ببلاش كده. وتختلط الأمور هل نحن نتحدث عن ثمن البيع أو طريقة أسلوب التقييم وعدالته أم نتحدث عن جواز البيع من عدمه.. هل الخلاف علي الاسلوب والطريقة والمنهج أم الخلاف علي الهدف والمبدأ. هل الخصخصة نريدها؟ أم لا نريدها؟.. وهل هي خيارنا المجتمعي في إطار مصلحة هذا المجتمع وضمانا لقوته وازدهاره وهو الهدف المنشود أم أننا نريد شيئا آخر.. ظني وليس كل الظن اثم أن العالم من حولنا قد حسم هذا الخيار في أن يعطي للقطاع الخاص والتعاوني النصيب الأوفر في الاستثمار واحداث التنمية في إطار سياسات حاكمة تضعها الدولة لضبط الموازين بحيث تجعل من تلك العملية الاسلوب الأوفق لتحسين جودة الحياة لجميع أفراد المجتمع وهنا يأتي دور المجالس النيابية ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الثقافة والاعلام ودور المفكرين لاسيما من أبناء الطبقة الوسطي لتكون الحارس علي سلامة هذا المسار لصالح الجميع وليس لحساب فئة معينة. هذا كما أراه الخيار الذي يكاد يكون قد حسم علي مستوي العالم شرقه وغربه وجنوبه وشماله وبمعني أوضح لم تعد العملية هنا أيديولوجيات بل أصبحت تنافسيات لصالح حياة أفضل لكل الناس في أي مجتمع. وهذا يعني أن القضية لم تعد تمسكا بتبلوهات أيا كانت عواطفنا بشأنها بل هي تمسك بأفضليات تعود علينا جميعا بالنفع والرخاء. دعنا نقل إذا أهلا بالخصخصة ولكن لصالح أبناء الوطن جميعا... ويكون بحثنا واضحا منا بل واجتهادنا وخلافنا في وجهات النظر منصبا علي كيف نجعل ذلك في صالح كل أبناء الوطن.. هذا نفهمه وهذا نطلبه ونرغبه وهذا يعني تحسينا في الآليات وضبطا في الاساليب والكيفيات لكنه ليس أبدا ولا ينبغي أن يكون خلافا في الهدف والتوجهات وإلا وقعنا في المحظور وفقدنا الجواب أي جواب علي السؤال: ماذا نريد؟... وقد لا تكون القضية هنا تردد الناس بين البدائل أو الخيارات بقدر ما تكون عدم وضوح تلك الخيارات أمامها بالقدر الكافي وتلك مسئولية يجب أن نعطيها حقها من الاهتمام. أن يعرف الناس خياراتنا وتوجهاتنا التي توافقنا عليها لما فيه صالح هذا المجتمع.. فعندما اخترنا الخصخصة لم تعد هي هدفا في ذاتها ولكننا توافقنا علي أنها البديل الأفضل للتنمية بما يعود بالنفع علي كل الناس في هذا الوطن.. ويكون دورنا جميعا أن نضع الآليات وأن نقول كيف نحقق ذلك من خلال تلك الأداة.. قد نجتهد وقد نختلف في بعض الجوانب.. ولا مشكلة ولا خلاف في ذلك مادامت الأمور تتم بالشفافية اللازمة ومادام النقاش والاجتهاد يتمان بالموضوعية المطلوبة. أما هذا الذي قد يصدر عن بعض الأقلام أو بعض الأحزاب أو بعض الآراء ويعود ليشكك في خياراتنا من أساسها وتوجهاتنا فهذا الذي يمكن إلا يكون مفهوما.. بل قد يعطل حركة المجتمع ويجعل بعض متخذي القرار في مواقع المسئولية يترددون أو يتباطأون وتخطي الفرص المتاحة لتضيع ويصبح ما كان ممكنا بالأمس غير ممكن اليوم وما كانت تكلفته في وقته جنيهات أصبحت تكلفته ملايين.. ويضيع العمر في انتظار الغد الذي يكون أفضل ولكننا سددنا الطريق أمامه.. نحن نريد المناقشة ويجب أن نسعي إلي الحوار في كل ما يهم أمور حياتنا.. نناقش كما نشاء بيع عمر أفندي أو غيره من الشركات ونختلف في بعض جوانب القضية كما نشاء.. نحن لا نقوم بعمل سري تحت الأرض ولكن نقوم بعمل مشروع ونتفق عليه.. إن وزير الاستثمار د.محمود محي الدين لم يخترع عملية الخصخصة ولم ينشدها ولكنه كوزير مسئول عن برنامج إدارة الأصول العامة جاء لينفذ سياسة توافق عليها المجتمع ممثلا في حزب الأغلبية والمجالس النيابية الممثلة للمجتمع ومن هنا لا يفهم أن نقول له: لماذا؟ ولكن يمكن أن نناقش معه: كيف؟..